[ ص: 1154 ] القول في تأويل قوله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=19721_28723_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما [17]
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17إنما التوبة على الله استئناف مسوق لبيان أن
nindex.php?page=treesubj&link=32478قبول التوبة من الله تعالى ليس على إطلاقه، كما ينبئ عنه وصفه تعالى بكونه توابا رحيما، بل هو مقيد بما سينطق به النص الكريم.
قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17التوبة مبتدأ، وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17للذين يعملون السوء خبره.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17على الله متعلق بما تعلق به الخبر من الاستقرار، ومعنى كون التوبة عليه سبحانه صدور القبول عنه تعالى، وكلمة " على " للدلالة على التحقق البتة بحكم سبق الوعد حتى كأنه من الواجبات عليه سبحانه، والمراد بالسوء المعصية، صغيرة أو كبيرة، كذا في
أبي السعود .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17بجهالة متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل " يعملون " أي: متلبسين بها، أي: جاهلين سفهاء، أو بـ: " يعملون " على أن الباء سببية، أي: يعملونه بسبب الجهالة، والمراد بالجهل السفه بارتكاب ما لا يليق بالعاقل لا عدم العلم، فإن من لا يعلم لا يحتاج إلى التوبة، والجهل بهذا المعنى حقيقة واردة في كلام
العرب، كقوله:
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17ثم يتوبون من قريب أي: من زمان قريب، وظاهر الآية
nindex.php?page=treesubj&link=19707اشتراط وقوع التوبة عقب المعصية بلا تراخ، وإنها بذلك تنال درجة قبولها المحتم تفضلا، إذ بتأخيرها وتسويفها
[ ص: 1155 ] يدخل في زمرة المصرين، فيكون في الآية إرشاد إلى
nindex.php?page=treesubj&link=19707المبادرة بالتوبة عقب الذنب ، والإنابة إلى المولى بعده فورا، ووجوب التوبة على الفور مما لا يستراب فيه، إذ معرفة كون المعاصي مهلكات من نفس الإيمان وهو واجب على الفور، وتتمته في "الإحياء".
إذا عرفت هذا، فما ذكره كثير من المفسرين من أن المراد من قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17من قريب ما قبل حضور الموت بعيد من لفظ الآية وسرها التي أرشدت إليه، أعني البدار إلى التوبة قبل أن تعمل سموم الذنوب بروح الإيمان، عياذا بالله تعالى.
(فإن قيل): من أين يستفاد
nindex.php?page=treesubj&link=19709_19722قبول التوبة قبل حضور الموت؟
(قلنا) يستفاد من الآية التي بعدها، ومن الأحاديث الوافرة في ذلك لا من قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17من قريب بما أولوه، وذلك لأن الآية الثانية وهي قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=18وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن صريحة في أن
nindex.php?page=treesubj&link=19722_19723وقت الاحتضار هو الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة، فبقي ما وراءه في حيز القبول.
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=665830إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وقال: حسن غريب.
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=687471من تاب قبل موته بعام تيب عليه، ومن تاب قبل موته بيوم تيب عليه، ومن تاب قبل موته بساعة تيب عليه.
(قال أيوب ): فقلت له: إنما قال الله عز وجل: nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فقال: إنما أحدثك ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى نحوه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=13507وابن مردويه .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661880من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه .
وروى
[ ص: 1156 ] nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم مرفوعا:
nindex.php?page=hadith&LINKID=702835من تاب إلى الله قبل أن يغرغر قبل الله منه .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود بإسناد حسن:
nindex.php?page=hadith&LINKID=680753التائب من الذنب كمن لا ذنب له .
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17فأولئك يتوب الله عليهم أي: يقبل توبتهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17وكان الله عليما حكيما
[ ص: 1154 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=19721_28723_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [17]
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ اسْتِئْنَافٌ مَسُوقٌ لِبَيَانِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32478قَبُولَ التَّوْبَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، كَمَا يُنْبِئُ عَنْهُ وَصْفُهُ تَعَالَى بِكَوْنِهِ تَوَّابًا رَحِيمًا، بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا سَيَنْطِقُ بِهِ النَّصُّ الْكَرِيمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17التَّوْبَةُ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ خَبَرُهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17عَلَى اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْخَبَرُ مِنَ الِاسْتِقْرَارِ، وَمَعْنَى كَوْنِ التَّوْبَةِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ صُدُورُ الْقَبُولِ عَنْهُ تَعَالَى، وَكَلِمَةُ " عَلَى " لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّحَقُّقِ الْبَتَّةَ بِحُكْمِ سَبْقِ الْوَعْدِ حَتَّى كَأَنَّهُ مِنَ الْوَاجِبَاتِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَالْمُرَادُ بِالسُّوءِ الْمَعْصِيَةُ، صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، كَذَا فِي
أَبِي السُّعُودِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17بِجَهَالَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَقَعَ حَالًا مِنْ فَاعِلِ " يَعْمَلُونَ " أَيْ: مُتَلَبِّسِينَ بِهَا، أَيْ: جَاهِلِينَ سُفَهَاءَ، أَوْ بِـ: " يَعْمَلُونَ " عَلَى أَنَّ الْبَاءَ سَبَبِيَّةٌ، أَيْ: يَعْمَلُونَهُ بِسَبَبِ الْجَهَالَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَهْلِ السَّفَهُ بِارْتِكَابِ مَا لَا يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ لَا عَدَمُ الْعِلْمِ، فَإِنَّ مَنْ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّوْبَةِ، وَالْجَهْلُ بِهَذَا الْمَعْنَى حَقِيقَةٌ وَارِدَةٌ فِي كَلَامِ
الْعَرَبِ، كَقَوْلِهِ:
فَنَجْهَلُ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ أَيْ: مِنْ زَمَانٍ قَرِيبٍ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=19707اشْتِرَاطُ وُقُوعِ التَّوْبَةِ عَقِبَ الْمَعْصِيَةِ بِلَا تَرَاخٍ، وَإِنَّهَا بِذَلِكَ تَنَالُ دَرَجَةَ قَبُولِهَا الْمُحَتَّمِ تَفَضُّلًا، إِذْ بِتَأْخِيرِهَا وَتَسْوِيفِهَا
[ ص: 1155 ] يَدْخُلُ فِي زُمْرَةِ الْمُصِرِّينَ، فَيَكُونُ فِي الْآيَةِ إِرْشَادٌ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19707الْمُبَادَرَةِ بِالتَّوْبَةِ عَقِبَ الذَّنْبِ ، وَالْإِنَابَةِ إِلَى الْمَوْلَى بَعْدَهُ فَوْرًا، وَوُجُوبِ التَّوْبَةِ عَلَى الْفَوْرِ مِمَّا لَا يُسْتَرَابُ فِيهِ، إِذْ مَعْرِفَةُ كَوْنِ الْمَعَاصِي مُهْلِكَاتٍ مِنْ نَفْسِ الْإِيمَانِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَتَتِمَتُّهُ فِي "الْإِحْيَاءِ".
إِذَا عَرَفَتْ هَذَا، فَمَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17مِنْ قَرِيبٍ مَا قَبْلَ حُضُورِ الْمَوْتِ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِ الْآيَةِ وَسِرِّهَا الَّتِي أَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، أَعْنِي الْبِدَارَ إِلَى التَّوْبَةِ قَبْلَ أَنْ تَعْمَلَ سُمُومُ الذُّنُوبِ بِرُوحِ الْإِيمَانِ، عِيَاذًا بِاللَّهِ تَعَالَى.
(فَإِنْ قِيلَ): مِنْ أَيْنَ يُسْتَفَادُ
nindex.php?page=treesubj&link=19709_19722قَبُولُ التَّوْبَةِ قَبْلَ حُضُورِ الْمَوْتِ؟
(قُلْنَا) يُسْتَفَادُ مِنَ الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَافِرَةِ فِي ذَلِكَ لَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17مِنْ قَرِيبٍ بِمَا أَوَّلُوهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآيَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=18وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19722_19723وَقْتَ الِاحْتِضَارِ هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي لَا تُقْبَلُ فِيهِ التَّوْبَةُ، فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ فِي حَيِّزِ الْقَبُولِ.
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=665830إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ .
وَرَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنُ مَاجَهْ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14724أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=687471مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ تِيبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِيَوْمٍ تِيبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَاعَةٍ تِيبَ عَلَيْهِ.
(قَالَ أَيُّوبُ ): فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَقَالَ: إِنَّمَا أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَرَوَى نَحْوَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16000وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13507وَابْنُ مَرْدُويَهْ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَاْلَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661880مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ .
وَرَوَى
[ ص: 1156 ] nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمُ مَرْفُوعًا:
nindex.php?page=hadith&LINKID=702835مَنْ تَابَ إِلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يُغَرْغِرَ قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنُ مَاجَهْ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=680753التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَيْ: يَقْبَلُ تَوْبَتَهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا