الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول في سبب نزولها قولان . أحدهما: أنها نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية ، أخرجه البخاري ، ومسلم ، من حديث ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 116 ] والثاني: أن عمار بن ياسر كان مع خالد بن الوليد في سرية ، فهرب القوم ، ودخل رجل منهم على عمار ، فقال: إني قد أسلمت ، هل ينفعني ، أو أذهب كما ذهب قومي؟ قال عمار: أقم فأنت آمن ، فرجع الرجل ، وأقام فجاء خالد ، فأخذ الرجل ، فقال عمار: إني قد أمنته ، وإنه قد أسلم ، قال: أتجير علي وأنا الأمير؟ فتنازعا ، وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وأطيعوا الرسول طاعة الرسول في حياته: امتثال أمره ، واجتناب نهيه ، وبعد مماته: اتباع سنته .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي أولي الأمر أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنهم الأمراء ، قاله أبو هريرة ، وابن عباس في رواية ، وزيد بن أسلم ، والسدي ، ومقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 117 ] والثاني: أنهم العلماء ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وهو قول جابر بن عبد الله ، والحسن ، وأبي العالية ، وعطاء ، والنخعي ، والضحاك ، ورواه خصيف عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، رواه ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، وبه قال بكر بن عبد الله المزني .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: أنهم أبو بكر ، وعمر ، وهذا قول عكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فإن تنازعتم في شيء قال الزجاج : معناه: اختلفتم . وقال كل فريق: القول القولي . واشتقاق المنازعة: أن كل واحد ينتزع الحجة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فردوه إلى الله والرسول في كيفية هذا الرد قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أن رده إلى الله رده إلى كتابه ، ورده إلى النبي رده إلى سنته ، هذا قول مجاهد ، وقتادة ، والجمهور . قال القاضي أبو يعلى: وهذا الرد يكون من وجهين . أحدهما: إلى المنصوص عليه باسمه ومعناه ، والثاني: الرد إليهما من جهة الدلالة عليه ، واعتباره من طريق القياس ، والنظائر .

                                                                                                                                                                                                                                      والقول الثاني: أن رده إلى الله ورسوله ، أن يقول: من لا يعلم الشيء: الله ورسوله أعلم ، ذكره قوم ، منهم الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي المراد بالتأويل أربعة أقوال . أحدها: أنه الجزاء ، والثواب ، وهو قول مجاهد ، وقتادة . والثاني: أنه العاقبة ، وهو قول السدي ، وابن زيد ، وابن [ ص: 118 ] قتيبة ، والزجاج . والثالث: أنه التصديق ، مثل قوله هذا تأويل رؤياي [يوسف: 100] قاله ابن زيد في رواية . والرابع: أن معناه: ردكم إياه إلى الله ورسوله أحسن من تأويلكم ، ذكره الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية