إسلام ويب - جامع العلوم والحكم - الحديث الثاني عشر من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه- الجزء رقم1
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950035nindex.php?page=treesubj&link=19081من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه حديث حسن ، رواه الترمذي وغيره .
هذا الحديث خرجه الترمذي ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من رواية nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، عن قرة بن عبد الرحمن ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن أبي سلمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنهم ، وقال الترمذي : غريب ، وقد حسنه الشيخ المصنف رحمه الله ، لأن رجال إسناده ثقات ، وقرة بن عبد الرحمن بن حيويل وثقه قوم وضعفه آخرون ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : هذا الحديث محفوظ عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري بهذا الإسناد من رواية الثقات ، وهذا موافق لتحسين الشيخ له ، وأما أكثر الأئمة ، فقالوا : ليس هو بمحفوظ بهذا الإسناد وإنما هو محفوظ عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن علي بن حسين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، كذلك رواه الثقات ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، منهم مالك في الموطأ ، ويونس ، ومعمر ، وإبراهيم بن سعد إلا أنه قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950387من إيمان المرء تركه ما لا يعنيه " وممن قال : إنه لا يصح إلا عن علي بن حسين مرسلا nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=17336ويحيى بن معين ، [ ص: 288 ] nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري ، nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ، وقد خلط الضعفاء في إسناده على nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري تخليطا فاحشا ، والصحيح فيه المرسل ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16452عبد الله بن عمر العمري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن علي بن حسين ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فوصله وجعله من مسند الحسين بن علي ، وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في " مسنده " من هذا الوجه ، والعمري ليس بالحافظ ، وخرجه أيضا من وجه آخر عن الحسين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وضعفه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " تاريخه " من هذا الوجه أيضا ، وقال : لا يصح إلا عن علي بن حسين مرسلا ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخر وكلها ضعيفة .
وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الأدب ، وقد حكى nindex.php?page=showalam&ids=12795الإمام أبو عمرو بن الصلاح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12502أبي محمد بن أبي زيد إمام المالكية في زمانه أنه قال : جماع آداب الخير وأزمته تتفرع من أربعة أحاديث : قول النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=950388من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت وقوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950035nindex.php?page=treesubj&link=19081من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وقوله صلى الله عليه وسلم للذي اختصر له في الوصية : nindex.php?page=hadith&LINKID=950389لا تغضب وقوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950390المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه .
ومعنى هذا الحديث : أن من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه من قول وفعل ، واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال ؛ ومعنى يعنيه : أنه تتعلق عنايته به ، ويكون من مقصده ومطلوبه ، والعناية : شدة الاهتمام بالشيء ، يقال عناه يعنيه : إذا اهتم به وطلبه ، وليس المراد أنه يترك ما لا عناية له به ولا إرادة بحكم الهوى وطلب النفس ، بل بحكم الشرع والإسلام ولهذا جعله من حسن الإسلام ، فإذا حسن إسلام المرء ، ترك ما لا يعنيه في الإسلام من الأقوال [ ص: 289 ] والأفعال ، فإن الإسلام يقتضي فعل الواجبات كما سبق ذكره في شرح حديث جبريل عليه السلام .
وإن الإسلام الكامل الممدوح يدخل فيه ترك المحرمات ، كما قال صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950103المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده وإذا حسن الإسلام ، اقتضى ترك ما لا يعني كله من المحرمات والمشتبهات والمكروهات ، وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها ، فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامه ، وبلغ إلى درجة الإحسان ، وهو أن يعبد الله تعالى كأنه يراه ، فإن لم يكن يراه ، فإن الله يراه ، فمن عبد الله على استحضار قربه ومشاهدته بقلبه ، أو على استحضار قرب الله منه واطلاعه عليه ، فقد حسن إسلامه ، ولزم من ذلك أن يترك كل ما لا يعنيه في الإسلام ، ويشتغل بما يعنيه فيه ، فإنه يتولد من هذين المقامين nindex.php?page=treesubj&link=19677_19530الاستحياء من الله وترك كل ما يستحيا منه كما وصى صلى الله عليه وسلم رجلا أن يستحيي من الله كما يستحيي من رجل من صالحي عشيرته لا يفارقه . وفي " المسند " nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950391الاستحياء من الله تعالى أن تحفظ الرأس وما حوى ، وتحفظ البطن وما وعى ، ولتذكر الموت والبلى ، فمن فعل ذلك ، فقد استحيا من الله حق الحياء " . [ ص: 290 ] قال بعضهم : استحي من الله على قدر قربه منك ، وخف الله على قدر قدرته عليك .
وقال بعض العارفين : إذا تكلمت ، فاذكر سمع الله لك ، وإذا سكت ، فاذكر نظره إليك .
وأكثر ما يراد بترك ما لا يعني nindex.php?page=treesubj&link=27140_19137_19140حفظ اللسان من لغو الكلام كما أشير إلى ذلك في الآيات الأولى التي هي في سورة ( ق ) .
[ ص: 291 ] وفي " المسند " من حديث الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950392إن من حسن إسلام المرء قلة الكلام فيما لا يعنيه .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=14203الخرائطي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل ، فقال : يا رسول الله إني مطاع في قومي فما آمرهم ؟ قال له : مرهم بإفشاء السلام ، وقلة الكلام إلا فيما يعنيهم .
وفي " صحيح nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان " عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان في صحف إبراهيم عليه الصلاة والسلام : وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن تكون له ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يتفكر فيها في صنع الله ، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب ، وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا لثلاث : تزود لمعاد ، أو مرمة لمعاش ، أو لذة في غير محرم ؛ وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه ، ومن حسب كلامه من عمله ، قل كلامه إلا فيما يعنيه .
قال nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز رحمه الله : من عد كلامه من عمله ، قل كلامه إلا فيما يعنيه . وهو كما قال ، فإن كثيرا من الناس لا يعد كلامه من عمله ، فيجازف فيه ، ولا يتحرى ، وقد خفي هذا على nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل حتى nindex.php?page=hadith&LINKID=950394سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أنؤاخذ بما نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ؟ .
وخرج الترمذي ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث أم حبيبة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950395كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وذكر الله عز وجل .
وخرج الترمذي من حديث أنس قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950396توفي رجل من أصحابه - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - فقال رجل : أبشر بالجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا تدري ، فلعله تكلم بما لا يعنيه أو بخل بما لا يغنيه وقد روي معنى هذا الحديث من وجوه [ ص: 293 ] متعددة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي بعضها : أنه قتل شهيدا .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=13890أبو القاسم البغوي في " معجمه " من حديث شهاب بن مالك وكان وفد على النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وقالت له امرأة : يا رسول الله ألا تسلم علينا ؟ فقال : إنك من قبيل يقللن الكثير ، وتمنع ما لا يغنيها ، وتسأل عما لا يعنيها .
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا : " أكثر الناس ذنوبا أكثرهم كلاما فيما لا يعنيه " .
قال nindex.php?page=showalam&ids=16717عمرو بن قيس الملائي : مر رجل بلقمان والناس عنده ، فقال له : ألست عبد بني فلان ؟ قال بلى ، قال : الذي كنت ترعى عند جبل كذا وكذا ؟ قال : بلى ، فقال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال صدق الحديث وطول السكوت عما لا يعنيني .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : كان في بني إسرائيل رجلان بلغت بهما عبادتهما أن مشيا على الماء ، فبينما هما يمشيان في البحر إذ هما برجل يمشي على الهواء ، [ ص: 294 ] فقالا له : يا عبد الله بأي شيء أدركت هذه المنزلة ؟ قال : بيسير من الدنيا : فطمت نفسي عن الشهوات ، وكففت لساني عما لا يعنيني ، ورغبت فيما دعاني إليه ، ولزمت الصمت ، فإن أقسمت على الله ، أبر قسمي ، وإن سألته أعطاني .
دخلوا على بعض الصحابة في مرضه ووجهه يتهلل ، فسألوه ، عن سبب تهلل وجهه ، فقال ما من عمل أوثق عندي من خصلتين : كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني ، وكان قلبي سليما للمسلمين .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=17167مورق العجلي : أمر أنا في طلبه منذ كذا وكذا سنة لم أقدر عليه ولست بتارك طلبه أبدا ، قالوا : وما هو ؟ قال : الكف عما لا يعنيني . رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=12310أسد بن موسى ، حدثنا أبو معشر عن nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول من يدخل عليكم رجل من أهل الجنة فدخل nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام ، فقام إليه ناس ، فأخبروه ، وقالوا : أخبرنا بأوثق عملك في نفسك ، قال : إن عملي لضعيف ، وأوثق ما أرجو به سلامة الصدر ، وتركي ما لا يعنيني .
وروى أبو عبيدة عن الحسن قال : من علامة إعراض الله تعالى ، عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل بن عبد الله التستري : من تكلم فيما [ ص: 295 ] لا يعنيه ، حرم الصدق ، وقال معروف : كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله عز وجل .
وهذا الحديث يدل على أن ترك ما لا يعني المرء من حسن إسلامه ، فإذا ترك ما لا يعنيه ، وفعل ما يعنيه كله ، فقد كمل حسن إسلامه ، وقد جاءت الأحاديث nindex.php?page=treesubj&link=28632_30496_30524بفضل من حسن إسلامه وأنه تضاعف حسناته ، وتكفر سيئاته ، والظاهر أن كثرة المضاعفة تكون بحسب حسن الإسلام ، ففي " صحيح مسلم " ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950400إذا أحسن أحدكم إسلامه ، فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها حتى يلقى الله عز وجل فالمضاعفة للحسنة بعشر أمثالها لابد منه ، والزيادة على ذلك تكون بحسب إحسان الإسلام ، وإخلاص النية والحاجة إلى ذلك العمل وفضله ، كالنفقة في الجهاد ، وفي الحج ، وفي الأقارب ، وفي اليتامى والمساكين ، وأوقات الحاجة إلى النفقة ، ويشهد لذلك ما روي عن عطية ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : نزلت : nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=160من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [ الأنعام : 160 ] في الأعراب ، قيل له : فما للمهاجرين ؟ قال : ما هو أكثر ، ثم تلا قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما [ النساء : 40 ] .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من حديث أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950401إذا أسلم [ ص: 296 ] العبد فحسن إسلامه ، كتب الله له كل حسنة كان أزلفها ، ومحيت عنه كل سيئة كان أزلفها ، ثم كان بعد ذلك القصاص ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله ، وفي رواية أخرى : " وقيل له : ائتنف العمل " .
والمراد بالحسنات والسيئات التي كان أزلفها : ما سبق منه قبل الإسلام ، وهذا يدل على أنه يثاب بحسناته في الكفر إذا أسلم وتمحى عنه سيئاته إذا أسلم ، لكن بشرط أن يحسن إسلامه ، ويتقي تلك السيئات في حال إسلامه ، وقد نص على ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، ويدل على ذلك ما في " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950402قلنا : يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية ؟ قال : أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ بها ، ومن أساء أخذ بعمله في الجاهلية والإسلام .
وفي " صحيح مسلم " nindex.php?page=hadith&LINKID=950403عن nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما أسلم : أريد أن أشترط ، قال : " تشترط ماذا " قلت : أن يغفر لي ، قال : " أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ؟ " وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ولفظه : " أن الإسلام يجب ما كان قبله من الذنوب " وهذا محمول على الإسلام الكامل الحسن جمعا بينه وبين حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود الذي قبله .
وفي " صحيح مسلم " أيضا nindex.php?page=hadith&LINKID=950404عن nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام قال : قلت : يا رسول الله أرأيت أمورا كنت أصنعها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم ، أفيها أجر ؟ فقال رسول صلى الله عليه وسلم : أسلمت على ما أسلفت من خير وفي رواية له : [ ص: 297 ] قال : فقلت : والله لا أدع شيئا صنعته في الجاهلية إلا صنعت في الإسلام مثله ، وهذا يدل على أن حسنات الكافر إذا أسلم يثاب عليها كما دل عليه حديث أبي سعيد المتقدم .
قال : وقال الحسن وأبو مالك وغيرهما : هي في أهل الشرك خاصة ليس هي في أهل الإسلام . قلت : إنما يصح هذا القول على أن يكون التبديل في الآخرة كما سيأتي ، وأما إن قيل : إنه في الدنيا ، فالكافر إذا أسلم والمسلم إذا تاب في ذلك سواء ، بل المسلم إذا تاب ، فهو أحسن حالا من الكافر إذا أسلم .
قال : وقال آخرون : التبديل في الآخرة : جعلت لهم مكان كل سيئة حسنة ، منهم عمرو بن ميمون ، ومكحول ، nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب ، وعلي بن الحسين قال : وأنكره أبو العالية ، ومجاهد ، وخالد سبلان ، وفيه موضع إنكار ، ثم ذكر ما حاصله [ ص: 298 ] أنه يلزم من ذلك أن يكون من كثرت سيئاته أحسن حالا ممن قلت سيئاته حيث يعطي مكان كل سيئة حسنة ، ثم قال : ولو قال قائل : إنما ذكر الله أن يبدل السيئات حسنات ولم يذكر العدد كيف تبدل ، فيجوز أن معنى تبدل : أن من عمل سيئة واحدة وتاب منها يبدله الله مائة ألف حسنة ، ومن عمل ألف سيئة أن تبدل ألف حسنة ، فيكون حينئذ من قلت سيئاته أحسن حالا .
وفي " صحيح مسلم " من حديث أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950405إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة ، وآخر أهل النار خروجا منها ، رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه ، وارفعوا عنه كبارها ، فتعرض عليه صغار ذنوبه ، فيقال له : عملت يوم كذا وكذا ، كذا وكذا ، وعملت يوم كذا وكذا ، كذا وكذا ، فيقول : نعم ، لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه ، فيقال له : فإن لك مكان كل سيئة حسنة ، فيقول : يا رب قد عملت أشياء لا أراها هاهنا قال : فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه .
فإذا بدلت السيئات بالحسنات في حق من عوقب على ذنوبه بالنار ، ففي حق من محيت سيئاته بالإسلام والتوبة النصوح أولى ، لأن محوها بذلك أحب إلى الله من محوها بالعقاب .
وخرج الحاكم من طريق nindex.php?page=showalam&ids=14553الفضل بن موسى عن أبي العنبس ، عن أبيه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليتمنين أقوام أنهم أكثروا من السيئات قالوا : بم يا رسول الله ؟ قال : الذين بدل الله سيئاتهم حسنات ، وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم من طريق سليمان بن داود الزهري عن أبي العنبس ، عن أبيه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة موقوفا ، وهو أشبه من المرفوع ، ويروى مثل هذا ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري أيضا ويخالف قوله المشهور : إن التبديل في الدنيا [ ص: 300 ] وأما ما ذكره الحربي في التبديل ، وأن من قلت سيئاته يزاد في حسناته ، ومن كثرت سيئاته يقلل من حسناته ، فحديث أبي ذر صريح في رد هذا ، وأنه يعطى مكان كل سيئة حسنة .
وأما قوله : يلزم من ذلك أن يكون من كثرت سيئاته أحسن حالا ممن قلت سيئاته ، فيقال : إنما التبديل في حق من ندم على سيئاته ، وجعلها نصب عينيه ، فكلما ذكرها ازداد خوفا ، ووجلا ، وحياء من الله ، ومسارعة إلى الأعمال الصالحة المكفرة كما قال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ( الفرقان : 70 ) وما ذكرناه كله داخل في العمل الصالح ومن كانت هذه حاله ، فإنه يتجرع من مرارة الندم والأسف على ذنوبه أضعاف ما ذاق من حلاوتها عند فعلها ، ويصير كل ذنب من ذنوبه سببا لأعمال صالحة ماحية له ، فلا يستنكر بعد هذا تبديل هذه الذنوب حسنات .
وقد وردت أحاديث صريحة في أن nindex.php?page=treesubj&link=28632_30496_30524الكافر إذا أسلم ، وحسن إسلامه ، تبدلت سيئاته في الشرك حسنات ، فخرج nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث عبد الرحمن بن [ ص: 301 ] جبير بن نفير ، nindex.php?page=hadith&LINKID=950407عن أبي فروة شطب أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها ، ولم يترك حاجة ولا داجة ، فهل له من توبة ؟ فقال : " أسلمت ؟ " فقال : نعم ، قال : " فافعل الخيرات ، واترك السيئات ، فيجعلها الله لك خيرات كلها " قال : وغدراتي وفجراتي ؟ قال : " نعم " قال : فما زال يكبر حتى توارى .
وخرجه من وجه آخر بإسناد ضعيف عن أبي نفيل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم نحوه من حديث مكحول مرسلا ، وخرج البزار الحديث الأول وعنده : عن أبي طويل شطب الممدود أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره بمعناه ، وكذا خرجه أبو القاسم البغوي في " معجمه " وذكر أن الصواب عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير مرسلا أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم طوي شطب ، والشطب في اللغة : الممدود ، فصحفه بعض الرواة ، وظنه اسم رجل .