nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40nindex.php?page=treesubj&link=28975_30364_29703إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما .
استئناف بعد أن وصف حالهم ، وأقام الحجة عليهم ، وأراهم تفريطهم مع سهولة أخذهم بالحيطة لأنفسهم لو شاءوا ، بين أن الله منزه عن الظلم القليل ، بله الظلم الشديد ، فالكلام تعريض بوعيد محذوف هو من جنس العقاب ، وأنه في حقهم عدل ، لأنهم استحقوه بكفرهم ، وقد دلت على ذلك المقدر أيضا مقابلته بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40وإن تك حسنة ولما كان المنفي الظلم ، على أن مثقال ذرة تقدير لأقل ظلم ، فدل على أن المراد أن الله لا يؤاخذ المسيء بأكثر من جزاء سيئته .
وانتصب مثقال ذرة بالنيابة عن المفعول المطلق ، أي لا يظلم ظلما مقدرا بمثقال ذرة ، والمثقال ما يظهر به الثقل ، فلذلك صيغ على وزن اسم الآلة ، والمراد به المقدار .
والذرة تطلق على بيضة النملة ، وعلى ما يتطاير من التراب عند النفخ ، وهذا أحقر ما يقدر به ، فعلم انتفاء ما هو أكثر منه بالأولى . وقرأ
نافع وابن كثير وأبو جعفر " حسنة " بالرفع على أن " تك " مضارع كان التامة ، أي إن توجد حسنة . وقرأه الجمهور بنصب ( حسنة ) على الخبرية لـ " تك " على اعتبار كان ناقصة ، واسم كان المستتر عائد إلى مثقال ذرة ، وجيء بفعل الكون بصيغة فعل المؤنث مراعاة للفظ " ذرة " الذي أضيف إليه ( مثقال ) لأن لفظ " مثقال " مبهم لا يميزه إلا لفظ ذرة فكان كالمستغنى عنه .
[ ص: 56 ] والمضاعفة إضافة الضعف بكسر الضاد أي المثل ، يقال : ضاعف وضعف وأضعف ، وهي بمعنى واحد على التحقيق عند أيمة اللغة ، مثل
أبي علي الفارسي . وقال
أبو عبيدة ( ضاعف ) يقتضي أكثر من ضعف واحد و ( ضعف ) يقتضي ضعفين . ورد بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=30يضاعف لها العذاب ضعفين . وأما دلالة إحدى الصيغ الثلاث على مقدار التضعيف فيؤخذ من القرائن لحكمة الصيغة ، وقرأ الجمهور : يضاعفها ، وقرأه
ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو جعفر : ( يضعفها ) بدون ألف بعد العين وبتشديد العين .
والأجر العظيم ما يزاد على الضعف ، ولذلك أضافه الله تعالى إلى ضمير الجلالة ، فقال " من لدنه " إضافة تشريف . وسماه أجرا لكونه جزاء على العمل الصالح ، وقد روي أن هذا نزل في ثواب الهجرة .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40nindex.php?page=treesubj&link=28975_30364_29703إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةٌ يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا .
اسْتِئْنَافٌ بَعْدَ أَنْ وَصَفَ حَالَهُمْ ، وَأَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ ، وَأَرَاهُمْ تَفْرِيطَهُمْ مَعَ سُهُولَةِ أَخْذِهِمْ بِالْحَيْطَةِ لِأَنْفُسِهِمْ لَوْ شَاءُوا ، بَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الظُّلْمِ الْقَلِيلِ ، بَلْهَ الظُّلْمِ الشَّدِيدِ ، فَالْكَلَامُ تَعْرِيضٌ بِوَعِيدٍ مَحْذُوفٍ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْعِقَابِ ، وَأَنَّهُ فِي حَقِّهِمْ عَدْلٌ ، لِأَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوهُ بِكُفْرِهِمْ ، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْمُقَدَّرِ أَيْضًا مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40وَإِنْ تَكُ حَسَنَةٌ وَلَمَّا كَانَ الْمَنْفِيُّ الظُّلْمَ ، عَلَى أَنَّ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ تَقْدِيرٌ لِأَقَلِّ ظُلْمٍ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُ الْمُسِيءَ بِأَكْثَرِ مِنْ جَزَاءِ سَيِّئَتِهِ .
وَانْتَصَبَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ بِالنِّيَابَةِ عَنِ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ ، أَيْ لَا يَظْلِمُ ظُلْمًا مُقَدَّرًا بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ ، وَالْمِثْقَالُ مَا يَظْهَرُ بِهِ الثِّقَلُ ، فَلِذَلِكَ صِيغَ عَلَى وَزْنِ اسْمِ الْآلَةِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمِقْدَارُ .
وَالذَّرَّةُ تُطْلَقُ عَلَى بَيْضَةِ النَّمْلَةِ ، وَعَلَى مَا يَتَطَايَرُ مِنَ التُّرَابِ عِنْدَ النَّفْخِ ، وَهَذَا أَحْقَرُ مَا يُقَدَّرُ بِهِ ، فُعُلِمَ انْتِفَاءُ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى . وَقَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ " حَسَنَةٌ " بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ " تَكُ " مُضَارِعُ كَانَ التَّامَّةِ ، أَيْ إِنْ تُوجَدْ حَسَنَةٌ . وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِنَصْبِ ( حَسَنَةً ) عَلَى الْخَبَرِيَّةِ لِـ " تَكُ " عَلَى اعْتِبَارِ كَانَ نَاقِصَةً ، وَاسْمُ كَانَ الْمُسْتَتِرُ عَائِدٌ إِلَى مِثْقَالِ ذَرَّةٍ ، وَجِيءَ بِفِعْلِ الْكَوْنِ بِصِيغَةِ فِعْلِ الْمُؤَنَّثِ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ " ذَرَّةٍ " الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ ( مِثْقَالُ ) لِأَنَّ لَفْظَ " مِثْقَالَ " مُبْهَمٌ لَا يُمَيِّزُهُ إِلَّا لَفْظُ ذَرَّةٍ فَكَانَ كَالْمُسْتَغْنَى عَنْهُ .
[ ص: 56 ] وَالْمُضَاعَفَةُ إِضَافَةُ الضِّعْفِ بِكَسْرِ الضَّادِ أَيِ الْمَثَلِ ، يُقَالُ : ضَاعَفَ وَضَعَّفَ وَأَضْعَفَ ، وَهِيَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ عَلَى التَّحْقِيقِ عِنْدَ أَيِمَّةِ اللُّغَةِ ، مِثْلِ
أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ . وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ ( ضَاعَفَ ) يَقْتَضِي أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفٍ وَاحِدٍ وَ ( ضَعَّفَ ) يَقْتَضِي ضِعْفَيْنِ . وَرُدَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=30يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ . وَأَمَّا دَلَالَةُ إِحْدَى الصِّيَغِ الثَّلَاثِ عَلَى مِقْدَارِ التَّضْعِيفِ فَيُؤْخَذُ مِنَ الْقَرَائِنِ لِحِكْمَةِ الصِّيغَةِ ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : يُضَاعِفْهَا ، وَقَرَأَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ ، وَابْنُ عَامِرٍ ، وَأَبُو جَعْفَرٍ : ( يُضَعِّفْهَا ) بِدُونِ أَلِفٍ بَعْدَ الْعَيْنِ وَبِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ .
وَالْأَجْرُ الْعَظِيمُ مَا يُزَادُ عَلَى الضِّعْفِ ، وَلِذَلِكَ أَضَافَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ ، فَقَالَ " مِنْ لَدُنْهُ " إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ . وَسَمَّاهُ أَجْرًا لِكَوْنِهِ جَزَاءً عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذَا نَزَلَ فِي ثَوَابِ الْهِجْرَةِ .