الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: إن إلينا إيابهم تعليل لتعذيبه تعالى إياهم بالعذاب الأكبر وإياب مصدر آب؛ أي: رجع؛ أي: إن إلينا رجوعهم بالموت والبعث لا إلى أحد سوانا لا استقلالا ولا اشتراكا، وجمع الضمير فيه وفيما بعده باعتبار معنى «من» كما أن إفراده فيما سبق باعتبار لفظها. وقرأ أبو جعفر وشيبة: «إيابهم» بتشديد الياء قال البطليوسي في كتاب المثلثات: هذه القراءة تحتمل تأويلين: أحدهما أن يكون «إياب» بالتشديد فعالا من أوب على زنة فعل ككذب كذابا، وأصله أواب فلم يعتد بالواو الأولى حاجزا لضعفها بالسكون فأبدل من الواو الثانية ياء لانكسار الهمزة فصار في التقدير أويابا ثم قلبت الأولى ياء أيضا لاجتماع ياء وواو وسكون إحداهما، ولأن الواو الأولى إذا لم تمنع من انقلاب الثانية فهي أجدر بالانقلاب، والثاني أن يكون فيعالا وأصله أيوابا فأعل إعلال سيد، وفعله على هذا أيب على وزن فيعل كحوقل حيقالا من الإياب، وأصله أيوب فأعل كما ذكرنا، والوجه الأول أقيس؛ لأنهم قالوا في مصدره: التأويب والتفعيل مصدر فعل لا فيعل ومع ذلك فقد قالوا: هو سريع الأوبة والأيبة؛ فكأنهم آثروا الياء لخفتها. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر هذين الوجهين الزمخشري إلا أنه في الأول منهما يجوز أن يكون أصله أوابا فعالا من أوب ثم قيل: إيوابا كديوان في دوان. ثم فعل به ما فعل بأصل سيد، وظاهره أن الواو الأولى هي التي قلبت أولا ياء، واعترض بأن المقرر أن الواو الأولى إذا كانت موضوعة على الإدغام وجاء ما قبلها مكسورا لا تقلب ياء لأجل الكسر كما في اخرواط مصدر اخروط وإن ديوانا إذا كان مذكورا للقياس عليه لا للتنظير لا يصلح لذلك لنصهم على شذوذه وكأن البطليوسي عدل إلى ما عدل لذلك. وفي الكشف: لو جعل مصدر فاعل من الأوب فقد جاء فيه فيعال حتى قال بعضهم إن فعالا مخفف عنه لكان أظهر لأن فيعل لا يثبت إلا بثبت، والأول كالمنقاس، ومعنى الفاعلة حينئذ إما المبالغة وإما مسابقة بعضهم بعضا في الأوب، وأما جعله فعالا على ما قرر الزمخشري فأبعد إلى آخر كلامه، وكونه من فاعل جوزه ابن عطية أيضا لكنه قال: ويصح أن يكون من آوب فيجيء إيوابا سهلت همزته وكان اللازم في الإدغام يردها أوابا لكن استحسنت فيه الياء على غير قياس فاعترضه أبو حيان بأن قوله: «وكان اللازم إلخ» ليس بصحيح، بل اللازم إذا اعتبر الإدغام أن يكون إيابا؛ لأنه قد اجتمعت ياء وهي المبدلة من الهمزة بالتسهيل وواو وهي عين الكلمة وإحداهما ساكنة فتقلب الواو ياء وتدغم فيها الياء فيصير إيابا فلا تغفل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية