الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما رتب - سبحانه وتعالى - الثواب العظيم على الموافقة؛ رتب العقاب الشديد على المخالفة والمشاققة؛ ووكل المخالف إلى نفسه؛ بقوله (تعالى): ومن يشاقق الرسول ؛ أي: الكامل في الرسلية؛ فيكون بقلبه؛ أو شيء من فعله؛ في جهة غير جهته؛ على وجه المقاهرة؛ وعبر بالمضارع رحمة منه - سبحانه - بتقييد الوعيد بالاستمرار؛ وأظهر القاف؛ إشارة إلى تعليقه بالمجاهرة؛ ولأن السياق لأهل الأوثان؛ وهم مجاهرون؛ وقد جاهر سارق الدرعين؛ الذي كان سببا لنزول الآية؛ في آخر قصته؛ كما مضى. [ ص: 402 ] ولما كان في سياق تعليم الشريعة؛ التي لم تكن معلومة قبل الإيحاء بها؛ لا في سياق الملة المعلومة بالعقل؛ أتى بـ "من"؛ تقييدا للتهديد بما بعد الإعلام بذلك؛ فقال: من بعد ما ؛ ولو حذفت لفهم اختصاص الوعيد بمن استغرق زمان البعد بالمشاققة؛ ولما كان ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - في غاية الظهور؛ قال: تبين له الهدى ؛ أي: الدليل؛ الذي هو سببه؛ ولما كان المخالف للإجماع لا يكفر؛ إلا بمنابذة المعلوم بالضرورة؛ عبر بعد التبين بالاتباع؛ فقال: ويتبع غير سبيل ؛ أي: طريق؛ المؤمنين ؛ أي: الذين صار الإيمان لهم صفة راسخة؛ والمراد الطريق المعنوي - وجه الشبه الحركة البدنية الموصلة إلى المطلوب في الحسي؛ والنفسانية في مقدمات الدليل الموصل إلى المطلوب في المعنوي -؛ نوله ؛ أي: بعظمتنا في الدنيا؛ والآخرة؛ ما تولى ؛ أي: نكله إلى ما اختار لنفسه؛ وعالج فيه فطرته الأولى؛ خذلانا منا له؛ ونصله ؛ أي: في الآخرة؛ جهنم ؛ أي: تلقاه بالكراهة؛ والغلظة؛ والعبوسة؛ كما تجهم أولياءنا؛ وشاققهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير: "فهو صائر إليها؛ لا محالة"؛ بين حالها في ذلك؛ فقال: وساءت مصيرا ؛ وهذه الآية دالة على أن الإجماع حجة؛ لأنه لا يتوعد إلا على مخالفة الحق؛ وكذا حديث: "لا تزال طائفة من أمتي [ ص: 403 ] قائمة بأمر الله - وفي رواية: ظاهرين على الحق - حتى يأتي أمر الله"؛ رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة - رضي الله (تعالى) عنهم - ثوبان؛ والمغيرة؛ وجابر بن سمرة؛ وجابر بن عبد الله؛ ومعاوية؛ وأنس؛ وأبو هريرة؛ بعض أحاديثهم في الصحيحين؛ وبعضها في السنن؛ وبعضها في المسانيد؛ وبعضها في المعاجيم؛ وغير ذلك; ووجه الدلالة أن الطائفة التي شهد لها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحق؛ في جملة أهل الإجماع؛ والله - سبحانه وتعالى - الموفق.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية