الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ فدى ]

                                                          فدى : فديته فدى وفداء وافتديته ; قال الشاعر :


                                                          فلو كان ميت يفتدى لفديته بما لم تكن عنه النفوس تطيب



                                                          وإنه لحسن الفدية . والمفاداة : أن تدفع رجلا وتأخذ رجلا . والفداء : أن تشتريه ، فديته بمالي فداء وفديته بنفسي . وفي التنزيل العزيز : وإن يأتوكم أسارى تفادوهم قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر أسارى بألف ، تفدوهم بغير ألف ، وقرأ نافع وعاصم والكسائي ويعقوب الحضرمي أسارى تفادوهم بألف فيهما ، وقرأ حمزة ( أسرى تفدوهم ) بغير ألف فيهما ; قال أبو معاذ : من قرأ تفدوهم فمعناه تشتروهم من العدو وتنقذوهم ، وأما تفادوهم فيكون معناه تماكسون من هم في أيديهم في الثمن ويماكسونكم . قال ابن بري : قال الوزير ابن المغربي : فدى إذا أعطى مالا أخذ رجلا ، وأفدى إذا أعطى رجلا وأخذ مالا ، وفادى إذا أعطى رجلا وأخذ رجلا ; وقد تكرر في الحديث ذكر الفداء ; الفداء ، بالكسر والمد والفتح مع القصر : فكاك الأسير ; يقال : فداه يفديه فداء وفدى وفاداه يفاديه مفاداة إذا أعطى فداءه وأنقذه . وفداه بنفسه وفداه إذا قال له : جعلت فداك . والفدية : الفداء . وروى الأزهري عن نصير قال : يقال فاديت الأسير وفاديت الأسارى ، قال : هكذا تقوله العرب ، ويقولون : فديته بأبي وأمي وفديته بمالي كأنه اشتريته وخلصته به إذا لم يكن أسيرا ، وإذا كان أسيرا مملوكا قلت : فاديته ، وكان أخي أسيرا ففاديته ; كذا تقوله العرب ; وقال نصيب :


                                                          ولكنني فاديت أمي بعدما     علا الرأس منها كبرة ومشيب



                                                          قال : وإذا قلت فديت الأسير فهو أيضا جائز بمعنى فديته مما كان فيه أي خلصته منه ، وفاديت أحسن في هذا المعنى . وقوله عز وجل : وفديناه بذبح عظيم أي جعلنا الذبح فداء له وخلصناه به من الذبح . الجوهري : الفداء إذا كسر أوله يمد ويقصر ، وإذا فتح فهو مقصور ; قال ابن بري : شاهد القصر قول الشاعر :


                                                          فدى لك عمي إن زلجت وخالي



                                                          يقال : قم ، فدى لك أبي ، ومن العرب من يكسر : فداء ، بالتنوين ، إذا جاور لام الجر خاصة فيقول فداء لك لأنه نكرة ، يريدون به معنى الدعاء ; وأنشد الأصمعي للنابغة :


                                                          مهلا ! فداء لك الأقوام كلهم     وما أثمر من مال ومن ولد



                                                          ويقال : فداه وفاداه إذا أعطى فداءه فأنقذه ، وفداه بنفسه وفداه يفديه إذا قال له : جعلت فداك . وتفادوا أي فدى بعضهم بعضا . وافتدى منه بكذا وتفادى فلان من كذا إذا تحاماه وانزوى عنه ، وقال ذو الرمة :


                                                          مرمين من ليث عليه مهابة     تفادى الليوث الغلب منه تفاديا



                                                          والفدية والفدى والفداء ، كله بمعنى . قال الفراء : العرب تقصر الفداء وتمده ، يقال : هذا فداؤك وفداك ، وربما فتحوا الفاء إذا قصروا ، فقالوا : فداك وقال في موضع آخر : من العرب من يقول فدى لك فيفتح الفاء ، وأكثر الكلام كسر أولها ومدها ; وقال النابغة وعنى بالرب النعمان بن المنذر :


                                                          فدى لك من رب طريفي وتالدي



                                                          قال ابن الأنباري : فداء إذاكسرت فاؤه مد ، وإذا فتحت قصر ; قال الشاعر :


                                                          مهلا فداء لك يا فضاله     أجره الرمح ولا تهاله



                                                          وأنشد الأصمعي :


                                                          فدى لك والدي وفدتك نفسي     ومالي إنه منكم أتاني



                                                          فكسر وقصر ; قال ابن الأثير : وقول الشاعر :


                                                          فاغفر فداء لك ما اقتفينا



                                                          قال : إطلاق هذا اللفظ مع الله تعالى محمول على المجاز والاستعارة ، لأنه إنما يفدى من المكاره من تلحقه ، فيكون المراد بالفداء التعظيم والإكبار لأن الإنسان لا يفدي إلا من يعظمه فيبذل نفسه له ، ويروى : فداء ، بالرفع على الابتداء ، والنصب على المصدر ; وقول الشاعر أنشده ابن الأعرابي :


                                                          يلقم لقما ويفدي زاده     يرمي بأمثال القطا فؤاده



                                                          قال : يبقي زاده ويأكل من مال غيره ; قال ومثله :


                                                          جدح جوين من سويق ليس له



                                                          وقوله تعالى : فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك إنما أراد فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه فحلق فعليه فدية ، فحذف الجملة من الفعل والفاعل والمفعول للدلالة عليه . وأفداه الأسير : قبل منه فديته ; ومنه قوله ، صلى الله عليه وسلم ، لقريش حين أسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان : لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا ; يعني سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان . والفداء ، ممدود ، بالفتح : الأنبار ، وهو جماعة الطعام من الشعير والتمر والبر ونحوه . والفداء : الكدس من البر ، وقيل : هو مسطح التمر بلغة عبد القيس ; وأنشد يصف قرية بقلة الميرة :


                                                          كأن فداءها إذ جردوه     وطافوا حوله سلك يتيم



                                                          شبه طعام هذه القرية حين جمع بعد الحصاد بسلك قد ماتت أمه ، فهو يتيم ; يريد أنه قليل حقير ، ويروى سلف يتيم . والسلف : ولد الحجل ، وقال ابن خالويه في جمعه الأفداء ، وقال في تفسيره : التمر المجموع . قال شمر : الفداء والجوخان واحد ، وهو موضع التمر الذي ييبس فيه ، قال : وقال بعض بني مجاشع الفداء : التمر ما لم يكنز ; وأنشد :


                                                          منحتني من أخبث الفداء     عجر النوى قليلة اللحاء



                                                          ابن الأعرابي : أفدى الرجل إذا باع ، وأفدى إذا عظم بدنه . وفداء [ ص: 144 ] كل شيء حجمه ، وألفه ياء لوجود ( ف د ي ) وعدم ( ف د و ) . الأزهري : قال أبو زيد في كتاب الهاء والفاء إذا تعاقبا : يقال للرجل إذا حدث بحديث فعدل عنه قبل أن يفرغ إلى غيره : خذ على هديتك وفديتك أي خذ فيما كنت فيه ولا تعدل عنه ; هكذا رواه أبو بكر عن شمر وقيده في كتابه ، بالقاف ، وقديتك ، بالقاف ، هو الصواب .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية