الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ فطر ]

                                                          فطر : فطر الشيء يفطره فطرا فانفطر وفطره : شقه . وتفطر الشيء : تشقق . والفطر : الشق ، وجمعه فطور . وفي التنزيل العزيز : هل ترى من فطور وأنشد ثعلب :


                                                          شققت القلب ثم ذررت فيه هواك فليم فالتأم الفطور



                                                          وأصل الفطر : الشق ; ومنه قوله تعالى : إذا السماء انفطرت أي انشقت . وفي الحديث : قام رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حتى تفطرت قدماه أي انشقتا . يقال : تفطرت وانفطرت ، بمعنى ; ومنه أخذ فطر الصائم لأنه يفتح فاه . ابن سيده : تفطر الشيء وفطر وانفطر . وفي التنزيل العزيز : السماء منفطر به ذكر على النسب كما قالوا دجاجة معضل . وسيف فطار : فيه صدوع وشقوق ; قال عنترة :


                                                          وسيفي كالعقيقة وهو كمعي     سلاحي لا أفل ولا فطارا



                                                          ابن الأعرابي : الفطاري من الرجال الفدم الذي لا خير عنده ولا شر ، مأخوذ من السيف الفطار الذي لا يقطع . وفطر ناب البعير يفطر فطرا : شق وطلع ، فهو بعير فاطر ; وقول هميان :


                                                          آمل أن يحملني أميري     على علاة لأمة الفطور



                                                          يجوز أن يكون الفطور فيه الشقوق أي أنها ملتئمة ما تباين من غيرها فلم يلتئم ، وقيل : معناه شديدة عند فطور نابها موثقة . وفطر الناقة والشاة يفطرها فطرا : حلبها بأطراف أصابعه ، وقيل : هو أن يحلبها كما تعقد بالإبهامين والسبابتين . الجوهري : الفطر حلب الناقة بالسبابة والإبهام ، والفطر : القليل من اللبن حين يحلب . التهذيب : والفطر شيء قليل من اللبن يحلب ساعتئذ ; تقول : ما حلبنا إلا فطرا ; قال المرار :


                                                          عاقر لم يحتلب منها فطر



                                                          أبو عمرو : الفطير اللبن ساعة يحلب . والفطر : المذي ; شبه بالفطر في الحلب . يقال : فطرت الناقة أفطرها فطرا ، وهو الحلب بأطراف الأصابع . ابن سيده : الفطر المذي ، شبه بالحلب لأنه لا يكون إلا بأطراف الأصابع فلا يخرج اللبن إلا قليلا ، وكذلك المذي يخرج قليلا ، وليس المني كذلك ; وقيل : الفطر مأخوذ من تفطرت قدماه دما أي سالتا ، وقيل : سمي فطرا لأنه شبه بفطر ناب البعير لأنه يقال : فطر نابه طلع ، فشبه طلوع هذا من الإحليل بطلوع ذلك . وسئل عمر ، رضي الله عنه ، عن المذي فقال : ذلك الفطر ; كذا رواه أبو عبيد بالفتح ، ورواه ابن شميل : ذلك الفطر ، بضم الفاء ; قال ابن الأثير : يروى بالفتح والضم ، فالفتح من مصدر فطر ناب البعير فطرا إذا شق اللحم وطلع فشبه به خروج المذي في قلته ، أو هو مصدر فطرت الناقة أفطرها إذا حلبتها بأطراف الأصابع ، وأما الضم فهو اسم ما يظهر من اللبن على حلمة الضرع . وفطر نابه إذا بزل ; قال الشاعر :


                                                          حتى نهى رائضه عن فره     أنياب عاس شاقئ عن فطره



                                                          وانفطر الثوب إذا انشق ، وكذلك تفطر . وتفطرت الأرض بالنبات إذا تصدعت . وفي حديث عبد الملك : كيف تحلبها مصرا أم فطرا ؟ هو أن تحلبها بإصبعين بطرف الإبهام . والفطر : ما تفطر من النبات ، والفطر أيضا : جنس من الكمء أبيض عظام لأن الأرض تنفطر عنه ، واحدته فطرة . والفطر : العنب إذا بدت رءوسه لأن القضبان تتفطر . والتفاطير : أول نبات الوسمي ، ونظيره التعاشيب والتعاجيب وتباشير الصبح ولا واحد لشيء من هذه الأربعة . والتفاطير [ ص: 197 ] والنفاطير : بثر تخرج في وجه الغلام والجارية ; قال :


                                                          نفاطير الجنون بوجه سلمى     قديما لا تفاطير الشباب



                                                          واحدتها نفطور . وفطر أصابعه فطرا : غمزها . وفطر الله الخلق يفطرهم : خلقهم وبدأهم . والفطرة : الابتداء والاختراع . وفي التنزيل العزيز : الحمد لله فاطر السماوات والأرض قال ابن عباس ، رضي الله عنهما : ما كنت أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها أي أنا ابتدأت حفرها . وذكر أبو العباس أنه سمع ابن الأعرابي يقول : أنا أول من فطر هذا أي ابتدأه . والفطرة ، بالكسر : الخلقة ; أنشد ثعلب :


                                                          هون عليك ! فقد نال الغنى رجل     في فطرة الكلب لا بالدين والحسب



                                                          والفطرة : ما فطر الله عليه الخلق من المعرفة به . وقد فطره يفطره ، بالضم ، فطرا أي خلقه . الفراء في قوله تعالى : فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله قال : نصبه على الفعل ، وقال أبو الهيثم : الفطرة الخلقة التي يخلق عليها المولود في بطن أمه ; قال : وقوله تعالى : الذي فطرني فإنه سيهدين أي خلقني ، وكذلك قوله تعالى : وما لي لا أعبد الذي فطرني . قال : وقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : كل مولود يولد على الفطرة ; يعني الخلقة التي فطر عليها في الرحم من سعادة أو شقاوة ، فإذا ولده يهوديان هوداه في حكم الدنيا ، أو نصرانيان نصراه في الحكم ، أو مجوسيان مجساه في الحكم ، وكان حكمه حكم أبويه حتى يعبر عنه لسانه ، فإن مات قبل بلوغه مات على ما سبق له من الفطرة التي فطر عليها ، فهذه فطرة المولود ; قال : وفطرة ثانية وهي الكلمة التي يصير بها العبد مسلما وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله جاء بالحق من عنده ، فتلك الفطرة للدين ; والدليل على ذلك حديث البراء بن عازب ، رضي الله عنه ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم : أنه علم رجلا أن يقول إذا نام وقال : فإنك إن مت من ليلتك مت على الفطرة . قال : وقوله : فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها فهذه فطرة فطر عليها المؤمن . قال : وقيل : فطر كل إنسان على معرفته بأن الله رب كل شيء وخالقه ، والله أعلم . قال : وقد يقال كل مولود يولد على الفطرة التي فطر الله عليها بني آدم حين أخرجهم من صلب آدم كما قال تعالى : وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى . وقال أبو عبيد : بلغني عن ابن المبارك أنه سئل عن تأويل هذا الحديث فقال : تأويله الحديث الآخر : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، سئل عن أطفال المشركين فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين ; يذهب إلى أنهم إنما يولدون على ما يصيرون إليه من إسلام أو كفر . قال أبو عبيد : وسألت محمد بن الحسن عن تفسير هذا الحديث فقال : كان هذا في أول الإسلام قبل نزول الفرائض ; يذهب إلى أنه لو كان يولد على الفطرة ثم مات قبل أن يهوده أبوان ما ورثهما ولا ورثاه لأنه مسلم وهما كافران ; قال أبو منصور : غبا على محمد بن الحسن معنى الحديث فذهب إلى أن قول رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : كل مولود يولد على الفطرة ، حكم من النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قبل نزول الفرائض . ثم نسخ ذلك الحكم من بعد ; قال : وليس الأمر على ما ذهب إليه لأن معنى قوله : كل مولود يولد على الفطرة خبر أخبر به النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عن قضاء سبق من الله للمولود ، وكتاب كتبه الملك بأمر الله جل وعز من سعادة أو شقاوة ، والنسخ لا يكون في الأخبار إنما النسخ في الأحكام ; قال : وقرأت بخط شمر في تفسير هذين الحديثين : أن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي روى حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم : كل مولود يولد على الفطرة " الحديث " ثم قرأ أبو هريرة بعدما حدث بهذا الحديث : فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله . قال إسحاق : ومعنى قول النبي ، صلى الله عليه وسلم ، على ما فسر أبو هريرة حين قرأ : فطرة الله وقوله : لا تبديل يقول : لتلك الخلقة التي خلقهم عليها إما لجنة أو لنار حين أخرج من صلب آدم كل ذرية هو خالقها إلى يوم القيامة ، فقال : هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار ، فيقول كل مولود يولد على تلك الفطرة ، ألا ترى غلام الخضر ، عليه السلام ؟ قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : طبعه الله يوم طبعه كافرا وهو بين أبوين مؤمنين فأعلم الله الخضر ، عليه السلام ، بخلقته التي خلقه لها ، ولم يعلم موسى ، عليه السلام ، ذلك فأراه الله تلك الآية ليزداد علما إلى علمه ; قال : وقوله : فأبواه يهودانه وينصرانه ، يقول : بالأبوين يبين لكم ما تحتاجون إليه في أحكامكم من المواريث وغيرها ، يقول : إذا كان الأبوان مؤمنين فاحكموا لولدهما بحكم الأبوين في الصلاة والمواريث والأحكام ، وإن كانا كافرين فاحكموا لولدهما بحكم الكفر . . . أنتم في المواريث والصلاة ، وأما خلقته التي خلق لها فلا علم لكم بذلك ، ألا ترى أن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، حين كتب إليه نجدة في قتل صبيان المشركين ، كتب إليه : إن علمت من صبيانهم ما علم الخضر من الصبي الذي قتله فاقتلهم ؟ أراد به أنه لا يعلم علم الخضر أحد في ذلك لما خصه الله به كما خصه بأمر السفينة والجدار ، وكان منكرا في الظاهر فعلمه الله علم الباطن ، فحكم بإرادة الله تعالى في ذلك ; قال أبو منصور : وكذلك أطفال قوم نوح ، عليه السلام ، الذين دعا على آبائهم وعليهم بالغرق ، إنما استجاز الدعاء عليهم بذلك وهم أطفال لأن الله عز وجل أعلمه أنهم لا يؤمنون حيث قال له : لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فأعلمه أنهم فطروا على الكفر . قال أبو منصور : والذي قاله إسحاق هو القول الصحيح الذي دل عليه الكتاب ثم السنة ; وقال أبو إسحاق في قول الله عز وجل : فطرة الله التي فطر الناس عليها منصوب بمعنى اتبع فطرة الله ، لأن معنى قوله : فأقم وجهك اتبع الدين القيم اتبع فطرة الله أي خلقة الله التي خلق عليها البشر . قال : وقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : كل مولود يولد على الفطرة ، معناه أن الله فطر الخلق على الإيمان به على ما جاء في الحديث : إن الله أخرج من صلب آدم ذريته كالذر ، وأشهدهم على أنفسهم بأنه خالقهم ، وهو قوله تعالى : وإذ أخذ ربك من بني آدم إلى قوله : قالوا بلى شهدنا قال : وكل مولود هو من تلك الذرية التي شهدت بأن الله خالقها ، فمعنى فطرة [ ص: 198 ] الله أي دين الله التي فطر الناس عليها ; قال الأزهري : والقول ما قال إسحاق بن إبراهيم في تفسير الآية ومعنى الحديث ، قال : والصحيح في قوله : فطرة الله التي فطر الناس عليها اعلم فطرة الله التي فطر الناس عليها من الشقاء والسعادة ، والدليل على ذلك قوله تعالى : لا تبديل لخلق الله أي لا تبديل لما خلقهم له من جنة أو نار ; والفطرة : ابتداء الخلقة هاهنا ; كما قال إسحاق . ابن الأثير في قوله : كل مولود يولد على الفطرة ، قال : الفطر الابتداء والاختراع ، والفطرة منه الحالة ، كالجلسة والركبة ، والمعنى أنه يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيء لقبول الدين ، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها ، وإنما يعدل عنه من يعدل لآفة من آفات البشر والتقليد ، ثم مثل بأولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لآبائهم والميل إلى أديانهم عن مقتضى الفطرة السليمة ; وقيل : معناه كل مولود يولد على معرفة الله تعالى والإقرار به فلا تجد أحدا إلا وهو يقر بأن له صانعا ، وإن سماه بغير اسمه ، ولو عبد معه غيره ، وتكرر ذكر الفطرة في الحديث . وفي حديث حذيفة : على غير فطرة محمد ; أراد دين الإسلام الذي هو منسوب إليه . وفي الحديث : عشر من الفطرة أي من السنة ; يعني سنن الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام ، التي أمرنا أن نقتدي بهم فيها . وفي حديث علي ، رضي الله عنه : وجبار القلوب على فطراتها أي على خلقها ، جمع فطر ، وفطر جمع فطرة ، وهي جمع فطرة ككسرة وكسرات ، بفتح طاء الجميع . يقال فطرات وفطرات وفطرات . ابن سيده : وفطر الشيء أنشأه ، وفطر الشيء بدأه ، وفطرت إصبع فلان أي ضربتها فانفطرت دما . والفطر للصائم ، والاسم الفطر ، والفطر : نقيض الصوم ، وقد أفطر وفطر وأفطره وفطره تفطيرا . قال سيبويه : فطرته فأفطر ، نادر . ورجل فطر . والفطر : القوم المفطرون . وقوم فطر ، وصف بالمصدر ، ومفطر من قوم مفاطير ; عن سيبويه ، مثل موسر ومياسير ; قال أبو الحسن : إنما ذكرت مثل هذا الجمع لأن حكم مثل هذا أن يجمع بالواو والنون في المذكر ، وبالألف والتاء في المؤنث . والفطور : ما يفطر عليه ، وكذلك الفطوري ، كأنه منسوب إليه . وفي الحديث : إذا أقبل الليل وأدبر النهار فقد أفطر الصائم أي دخل في وقت الفطر وحان له أن يفطر ، وقيل : معناه أنه قد صار في حكم المفطرين ، وإن لم يأكل ولم يشرب . ومنه الحديث : أفطر الحاجم والمحجوم أي تعرضا للإفطار ، وقيل : حان لهما أن يفطرا ، وقيل : هو على جهة التغليظ لهما والدعاء عليهما . وفطرت المرأة العجين حتى استبان فيه الفطر ، والفطير : خلاف الخمير ، وهو العجين الذي لم يختمر . وفطرت العجين أفطره فطرا إذا أعجلته عن إدراكه . تقول : عندي خبز خمير وحيس فطير أي طري . وفي حديث معاوية : ماء نمير وحيس فطير أي طري قريب حديث العمل . ويقال : فطرت الصائم فأفطر ، ومثله بشرته فأبشر . وفي الحديث : أفطر الحاجم والمحجوم . وفطر العجين يفطره ويفطره ، فهو فطير إذا اختبزه من ساعته ولم يخمره ، والجمع فطرى ، مقصورة . الكسائي : خمرت العجين وفطرته ، بغير ألف ، وخبز فطير وخبزة فطير ، كلاهما بغير هاء ; عن اللحياني ، وكذلك الطين . وكل ما أعجل عن إدراكه : فطير . الليث : فطرت العجين والطين ، وهو أن تعجنه ثم تختبزه من ساعته ، وإذا تركته ليختمر فقد خمرته ، واسمه الفطير . وكل شيء أعجلته عن إدراكه ، فهو فطير . يقال : إياي والرأي الفطير ; ومنه قولهم : شر الرأي الفطير . وفطر جلده فهو فطير ، وأفطره : لم يروه من دباغ ; عن ابن الأعرابي . ويقال : قد أفطرت جلدك إذا لم تروه من الدباغ . والفطير من السياط : المحرم الذي لم يجد دباغه . وفطر من أسمائهم : محدث ، وهو فطر بن خليفة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية