الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 139 ] ( وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون ( 60 ) وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ( 61 ) . ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون ( 62 ) .

                                                                                                                                                                                                                                      ( وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة ) أيحسبون أن الله لا يؤاخذهم به ولا يعاقبهم عليه ، ( إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون ) .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله عز وجل : ( وما تكون ) يا محمد ، ( في شأن ) عمل من الأعمال ، وجمعه شئون ، ( وما تتلو منه ) من الله ، ( من قرآن ) نازل ، وقيل : " منه " أي من الشأن من قرآن ، نزل فيه ، ثم خاطبه وأمته فقال : ( ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه ) أي : تدخلون وتخوضون فيه ، الهاء عائدة إلى العمل ، والإفاضة : الدخول في العمل . وقال ابن الأنباري : تندفعون فيه . وقيل : تكثرون فيه . والإفاضة : الدفع بكثرة .

                                                                                                                                                                                                                                      ( وما يعزب عن ربك ) يغيب عن ربك ، وقرأ الكسائي " يعزب " بكسر الزاي ، وقرأ الآخرون بضمها ، وهما لغتان . ( من مثقال ذرة ) أي : مثقال ذرة ، و " من " صلة ، والذرة هي : النملة الحميراء الصغيرة . ( في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ) أي : من الذرة ، ( ولا أكبر ) قرأ حمزة ويعقوب : برفع الراء فيهما ، عطفا على موضع المثقال قبل دخول " من " ، وقرأ الآخرون : بنصبهما ، إرادة للكسرة ، عطفا على الذرة في الكسر . ( إلا في كتاب مبين ) وهو اللوح المحفوظ .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) واختلفوا فيمن يستحق هذا الاسم . قال بعضهم : هم الذين ذكرهم الله تعالى فقال :

                                                                                                                                                                                                                                      ( الذين آمنوا وكانوا يتقون ) وقال قوم : هم المتحابون في الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن أبي حسين [ ص: 140 ] عن شهر بن حوشب ، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء لقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة " ، قال : وفي ناحية القوم أعرابي فجثا على ركبتيه ورمى بيديه ثم قال : حدثنا يا رسول الله عنهم من هم؟ قال : فرأيت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم البشر ، فقال : " هم عباد من عباد الله من بلدان شتى وقبائل لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها ، ولا دنيا يتباذلون بها ، يتحابون بروح الله ، يجعل الله وجوههم نورا ، ويجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الرحمن ، يفزع الناس ولا يفزعون ، ويخاف الناس ولا يخافون " .

                                                                                                                                                                                                                                      ورواه عبد الله بن المبارك عن عبد الحميد بن بهرام قال : حدثنا شهر بن حوشب ، حدثني عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : من أولياء الله؟ فقال : الذين إذا رءوا ذكر الله " .

                                                                                                                                                                                                                                      ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى : " إن أوليائي من عبادي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم " .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية