الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كره

                                                          كره : الأزهري : ذكره الله عز وجل الكره والكره في غير موضع من كتابه العزيز ، واختلف القراء في فتح الكاف وضمها ، فروي عن أحمد بن يحيى أنه قال قرأ نافع وأهل المدينة في سورة البقرة : وهو كره لكم بالضم ، في هذا الحرف خاصة وسائر القرآن بالفتح ، وكان عاصم يضم هذا الحرف أيضا ، واللذين في الأحقاف : حملته أمه كرها ووضعته كرها ، ويقرأ سائرهن بالفتح ، وكان الأعمش وحمزة والكسائي يضمون هذه الحروف الثلاثة ، والذي في النساء : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ثم قرءوا كل شيء سواها بالفتح ، قال : وقال بعض أصحابنا نختار ما عليه أهل الحجاز أن جميع ما في القرآن بالفتح ، إلا الذي في البقرة خاصة فإن القراء أجمعوا عليه . قال أحمد بن يحيى : بين ولا أعلم الأحرف التي ضمها هؤلاء وبين التي فتحوها فرقا في العربية ولا في سنة تتبع ، ولا أرى الناس اتفقوا على الحرف الذي في سورة البقرة خاصة إلا أنه اسم ، وبقية القرآن مصادر ، وقد أجمع كثير من أهل اللغة أن الكره والكره لغتان ، فبأي لغة وقع فجائز ، إلا الفراء فإنه زعم أن الكره ما أكرهت نفسك عليه ، والكره ما أكرهك غيرك عليه ; تقول : جئتك كرها وأدخلتني كرها ، وقال الزجاج في قوله تعالى : وهو كره لكم ; يقال : كرهت الشيء كرها وكرها وكراهة وكراهية ، قال : وكل ما في كتاب الله عز وجل من الكره فالفتح فيه جائز إلا في هذا الحرف الذي في الآية ، فإن أبا عبيد ذكر أن القراء مجمعون على ضمه ، قال : ومعنى كراهيتهم القتال أنهم إنما كرهوه على جنس غلظه عليهم ومشقته ، لا أن المؤمنين يكرهون فرض الله ، لأن الله تعالى لا يفعل إلا ما فيه الحكمة والصلاح . وقال الليث في الكره والكره : إذا ضموا أو خفضوا قالوا كره ، وإذا فتحوا قالوا كرها ، تقول : فعلته على كره [ ص: 58 ] وهو كره ، وتقول : فعلته كرها ، قال : والكره المكروه ; قال الأزهري : والذي قاله أبو العباس والزجاج فحسن جميل ، وما قاله الليث فقد قاله بعضهم ، وليس عند النحويين بالبين الواضح . الفراء : الكره ، بالضم ، المشقة . يقال : قمت على كره أي على مشقة . قال : ويقال أقامني فلان على كره ، بالفتح ، إذا أكرهك عليه . قال ابن بري : يدل على صحة قول الفراء قوله سبحانه : وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها ; ولم يقرأ أحد بضم الكاف . وقال سبحانه وتعالى : كتب عليكم القتال وهو كره لكم : ولم يقرأ أحد بفتح الكاف فيصير الكره ، بالفتح ، فعل المضطر ، والكره ، بالضم ، فعل المختار . ابن سيده : الكره الإباء والمشقة تكلفها فتحتملها ، والكره ، بالضم ، المشقة تحتملها من غير أن تكلفها . يقال : فعل ذلك كرها وعلى كره . وحكى يعقوب : أقامني على كره وكره ، وقد كرهه كرها وكرها وكراهة وكراهية ومكرها ومكرهة ; قال :


                                                          ليلة غمى طامس هلالها أوغلتها ومكره إيغالها



                                                          وأنشد ثعلب :


                                                          تصيد بالحلو الحلال ، ولا ترى     على مكره يبدو بها فيعيب



                                                          يقول : لا تتكلم بما يكره فيعيبها . وفي الحديث : إسباغ الوضوء على المكاره ، ابن الأثير : جمع مكره وهو ما يكرهه الإنسان ويشق عليه . والكره ، بالضم والفتح : المشقة ، المعنى أن يتوضأ مع البرد الشديد والعلل التي يتأذى معها بمس الماء ، ومع إعوازه والحاجة إلى طلبه والسعي في تحصيله أو ابتياعه بالثمن الغالي ، وما أشبه ذلك من الأسباب الشاقة . وفي حديث عبادة : بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنشط والمكره ; يعني المحبوب والمكروه ، وهما مصدران . وفي حديث الأضحية : هذا يوم اللحم فيه مكروه ، يعني أن طلبه في هذا اليوم شاق . قال ابن الأثير : كذا قال أبو موسى ، وقيل : معناه أن هذا اليوم يكره فيه ذبح شاة للحم خاصة ، إنما تذبح للنسك وليس عندي إلا شاة لحم لا تجزي عن النسك ، هكذا جاء في مسلم اللحم فيه مكروه ، والذي جاء في البخاري هذا يوم يشتهى فيه اللحم ، وهو ظاهر . وفي الحديث : خلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ; أراد بالمكروه هاهنا الشر لقوله : وخلق النور يوم الأربعاء ، والنور خير ، وإنما سمي الشر مكروها ؛ لأنه ضد المحبوب . ابن سيده : واستكرهه ككرهه . وفي المثل : أساء كاره ما عمل ، وذلك أن رجلا أكرهه آخر على عمل فأساء عمله ، يضرب هذا للرجل يطلب الحاجة فلا يبالغ فيها ; وقول الخثعمية :


                                                          رأيت لهم سيماء قوم كرهتهم     وأهل الغضى قوم علي كرام



                                                          إنما أراد كرهتهم لها أو من أجلها . وشيء كره : مكروه ، قال :


                                                          وحملقت حولي حتى احولا     مأقان كرهان لها واقبلا



                                                          وكذلك شيء كريه ومكروه . وأكرهه عليه فتكارهه . وتكره الأمر : كرهه . وأكرهته : حملته على أمر هو له كاره ، وجمع المكروه مكاره . وامرأة مستكرهة : غصبت نفسها فأكرهت على ذلك . وكره إليه الأمر تكريها : صيره كريها إليه ، نقيض حببه إليه ، وما كان كريها ولقد كره كراهة ; وعليه توجه ما أنشده ثعلب من قول الشاعر :


                                                          حتى اكتسى الرأس قناعا أشهبا     أملح ، لا لذا ولا محببا
                                                          أكره جلباب لمن تجلببا



                                                          إنما هو من كره لا من كرهت ؛ لأن الجلباب ليس بكاره ، فإذا امتنع أن يحمل على كره إذ الكره إنما هو للحيوان لم يحمل إلا على كره الذي هو للحيوان وغيره . وأمر كريه : مكروه . ووجه كره وكريه : قبيح ، وهو من ذلك ؛ لأنه يكره . وأتيتك كراهين أن تغضب أي كراهية أن تغضب . وجئتك على كراهين أي كره ; قال الحطيئة :

                                                          مصاحبة على الكراهين فارك

                                                          أي على الكراهة وهي لغة . اللحياني : أتيتك كراهين ذلك وكراهية ذلك بمعنى واحد . والكريهة : النازلة والشدة في الحرب ، وكذلك كرائه نوازل الدهر . وذو الكريهة : السيف الذي يمضي على الضرائب الشداد لا ينبو عن شيء منها . قال الأصمعي : من أسماء السيوف ذو الكريهة ، وهو الذي يمضي في الضرائب . الأزهري : ويقال للأرض الصلبة الغليظة مثل القف وما قاربه كرهة . ورجل ذو مكروهة أي شدة ; قال :


                                                          وفارس في غمار الموت منغمس     إذا تألى على مكروهة صدقا



                                                          ورجل كره : متكره . وجمل كره : شديد الرأس ; وأنشد :


                                                          كره الحجاجين شديد الأرآد



                                                          والكرهاء : أعلى النقرة ، هذلية ، أراد نقرة القفا . والكرهاء : الوجه والرأس أجمع .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية