الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 361 ] الحديث السادس عشر عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950389لا تغضب فردد مرارا قال : لا تغضب رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
هذا الحديث خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من طريق أبي الحصين الأسدي ، عن أبي صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، ولم يخرجه مسلم ، لأن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش رواه ، عن أبي صالح ، واختلف عليه في إسناده فقيل : عنه ، عن أبي صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، كقول أبي حصين ، وقيل : عنه ، عن أبي صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين أن هذا هو الصحيح ، وقيل : عنه ، عن أبي صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وأبي سعيد ، وقيل : عنه ، عن أبي صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أو جابر ، وقيل : عنه ، عن أبي صالح ، عن رجل من الصحابة غير مسمى . وخرج الترمذي هذا الحديث من طريق أبي حصين أيضا ولفظه : nindex.php?page=hadith&LINKID=950510جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله علمني شيئا ولا تكثر علي لعلي أعيه ، قال : لا تغضب فردد ذلك مرارا كل ذلك يقول : لا تغضب وفي رواية أخرى لغير الترمذي قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950511قلت : يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة ولا تكثر علي قال : لا تغضب . فهذا الرجل طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيه وصية وجيزة جامعة لخصال [ ص: 362 ] الخير ، ليحفظها عنه خشية أن لا يحفظها لكثرتها ، فوصاه النبي أن لا يغضب ، ثم ردد هذه المسألة عليه مرارا ، والنبي صلى الله عليه وسلم يردد عليه هذا الجواب ، فهذا يدل على أن nindex.php?page=treesubj&link=18759الغضب جماع الشر ، وأن التحرز منه جماع الخير . ولعل هذا الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم هو nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء ، فقد خرج nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950512قلت : يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة ، قال : لا تغضب ولك الجنة . وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس عن عمه جارية بن قدامة nindex.php?page=hadith&LINKID=950513أن رجلا قال : يا رسول الله قل لي قولا ، وأقلل علي لعلي أعقله ، " قال لا تغضب " فأعاد عليه مرارا كل ذلك يقول : " لا تغضب " خرجه الإمام أحمد وفي رواية له أن جارية بن قدامة قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم فذكره . فهذا يغلب على الظن أن السائل هو جارية بن قدامة ، ولكن ذكر الإمام أحمد عن nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى القطان أنه قال : هكذا قال هشام ، يعني : أن هشاما ذكر في الحديث أن جارية سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، قال يحيى : وهم يقولون : إنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذا قال العجلي وغيره : إنه تابعي وليس بصحابي . وخرج الإمام أحمد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن nindex.php?page=showalam&ids=15770حميد بن عبد الرحمن ، عن [ ص: 363 ] رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950514قلت : يا رسول الله أوصني ، قال : لا تغضب قال الرجل : ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ، فإذا الغضب يجمع الشر كله ورواه مالك في " الموطأ " عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن حميد مرسلا . وخرج الإمام أحمد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950515ماذا يباعدني من غضب الله عز وجل ؟ قال : لا تغضب . وقول الصحابي : ففكرت فيما قال النبي صلى الله عليه وسلم فإذا الغضب يجمع الشر كله يشهد لما ذكرناه أن الغضب جماع الشر ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد : الغضب مفتاح كل شر . وقيل nindex.php?page=showalam&ids=16418لابن المبارك : اجمع لنا حسن الخلق في كلمة ، قال : ترك الغضب . وكذا فسر الإمام أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه حسن الخلق بترك الغضب ، وقد روي ذلك مرفوعا ، خرجه nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر المروزي في كتاب " الصلاة " من حديث nindex.php?page=showalam&ids=17366أبي العلاء بن الشخير أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه ، فقال : يا رسول الله أي العمل أفضل ؟ فقال : " حسن الخلق " ثم أتاه عن يمينه ، فقال : يا رسول الله أي العمل أفضل فقال : " حسن الخلق " ، ثم أتاه عن شماله فقال : يا رسول الله ، أي العمل أفضل ؟ قال : حسن الخلق ثم أتاه من بعده ، يعني : من خلفه ، فقال : يا رسول الله أي العمل أفضل ؟ فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " مالك لا تفقه ! حسن الخلق هو أن لا تغضب إن استطعت " . وهذا مرسل . فقوله صلى الله عليه وسلم لمن استوصاه : لا تغضب يحتمل أمرين : [ ص: 364 ] أحدهما : أن يكون مراده الأمر بالأسباب التي توجب حسن الخلق من الكرم والسخاء والحلم والحياء والتواضع والاحتمال وكف الأذى ، والصفح والعفو ، وكظم الغيظ ، والطلاقة والبشر ، ونحو ذلك من الأخلاق الجميلة ، فإن النفس إذا تخلقت بهذه الأخلاق ، وصارت لها عادة أوجب لها ذلك nindex.php?page=treesubj&link=18765دفع الغضب عند حصول أسبابه . والثاني : أن يكون المراد لا تعمل بمقتضى الغضب إذا حصل لك ، بل جاهد نفسك على ترك تنفيذه والعمل بما يأمر به ، فإن الغضب إذا ملك ابن آدم كان الآمر والناهي له ، ولهذا المعنى قال الله عز وجل nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=154ولما سكت عن موسى الغضب [ الأعراف : 154 ] فإذا لم يمتثل الإنسان ما يأمره به غضبه ، وجاهد نفسه على ذلك ، اندفع عنه شر الغضب ، وربما سكن غضبه ، وذهب عاجلا ، فكأنه حينئذ لم يغضب ، وإلى هذا المعنى وقعت الإشارة في القرآن بقوله عز وجل nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=37وإذا ما غضبوا هم يغفرون [ الشورى : 37 ] ، وبقوله عز وجل : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين [ آل عمران : 134 ] .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر من غضب بتعاطي nindex.php?page=treesubj&link=18768أسباب تدفع عنه الغضب ، وتسكنه ، ويمدح من ملك نفسه عند غضبه ففي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950517استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس ، وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلم كلمة لو قالها ، لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " فقالوا للرجل : ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : إني لست بمجنون . وخرج الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 365 ] قال في خطبته : nindex.php?page=hadith&LINKID=950518ألا إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم ، أفما رأيتم إلى حمرة عينيه ، وانتفاخ أوداجه ، فمن أحس من ذلك شيئا فليلزق بالأرض . وخرج الإمام أحمد ، وأبو داود من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950519إذا غضب أحدكم وهو قائم ، فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع . وقد قيل : إن المعنى في هذا أن القائم متهيئ ، للانتقام ، والجالس دونه في ذلك ، والمضطجع أبعد عنه ، فأمره بالتباعد عن حالة الانتقام ، ويشهد لذلك أنه روي من حديث سنان بن سعد عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن حديث الحسن مرسلا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950520الغضب جمرة في قلب الإنسان توقد ألا ترى إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه ، فإذا أحس أحدكم من ذلك شيئا ، فليجلس ، ولا يعدونه الغضب " . والمراد : أنه يحبسه في نفسه ، ولا يعديه إلى غيره بالأذى بالفعل ، ولهذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950521إن المضطجع فيها خير من القاعد ، والقاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي " وإن [ ص: 366 ] كان هذا على وجه ضرب المثال في الإسراع في الفتن ، إلا أن المعنى : أن من كان أقرب إلى الإسراع فيها ، فهو شر ممن كان أبعد عن ذلك . وخرج الإمام أحمد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، عن النبي قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950522إذا غضب أحدكم ، فليسكت ، قالها ثلاثا . وهذا أيضا دواء عظيم للغضب ، لأن الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيرا من السباب وغيره مما يعظم ضرره ، فإذا سكت زال هذا الشر كله عنه ، وما أحسن قول nindex.php?page=showalam&ids=17167مورق العجلي رحمه الله : ما امتلأت غيظا قط ولا تكلمت في غضب قط بما أندم عليه إذا رضيت . وغضب يوما nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز فقال له ابنه عبد الملك رحمهما الله : أنت يا أمير المؤمنين مع ما أعطاك الله وفضلك به تغضب هذا الغضب ؟ فقال له : أوما تغضب ياعبد الملك ؟ فقال عبد الملك : وما يغني عني سعة جوفي إذا لم أردد فيه الغضب حتى لا يظهر ؟ فهؤلاء قوم ملكوا أنفسهم عند الغضب رضي الله عنهم . وخرج الإمام أحمد ، وأبو داود من حديث عروة بن محمد السعدي أنه كلمه رجل فأغضبه ، فقام فتوضأ ، ثم قال : حدثني أبي ، عن جدي عطية ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950523إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خلق من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم ، فليتوضأ " . [ ص: 367 ] وروى أبو نعيم بإسناده عن nindex.php?page=showalam&ids=12150أبي مسلم الخولاني أنه كلم معاوية بشيء وهو على المنبر ، فغضب ثم نزل فاغتسل ، ثم عاد إلى المنبر ، وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=950524إن الغضب من الشيطان ، والشيطان من النار ، والماء يطفئ النار ، فإذا غضب أحدكم فليغتسل . وفي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950525ليس الشديد بالصرعة ، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب . وفي " صحيح مسلم " عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950526ما تعدون الصرعة فيكم ؟ قلنا : الذي لا تصرعه الرجال ، قال : ليس ذلك ، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب . وخرج الإمام أحمد ، وأبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث معاذ بن أنس الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950527من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه ، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء . وخرج الإمام أحمد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950528ما تجرع عبد [ ص: 368 ] جرعة أفضل عند الله من جرعة غيظ يكظمها ابتغاء وجه الله عز وجل ومن حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950529ما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد ، ما كظم عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيمانا وخرج أبو داود معناه من رواية بعض الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950530ملأه الله أمنا وإيمانا " . وقال nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران : جاء رجل إلى سلمان ، فقال : يا أبا عبد الله أوصني ، قال : لا تغضب ، قال أمرتني أن لا أغضب وإنه ليغشاني ما لا أملك ، قال : فإن غضبت ، فاملك لسانك ويدك خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا ، وملك لسانه ويده هو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأمره لمن غضب أن يجلس ، ويضطجع وبأمره له أن يسكت . قال nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز : قد أفلح من عصم من الهوى ، والغضب ، والطمع . وقال الحسن : أربع من كن فيه عصمه الله من الشيطان ، وحرمه على النار : من ملك نفسه عند الرغبة والرهبة والشهوة والغضب . وهذه الأربع التي ذكرها الحسن هي مبدأ الشر كله ، فإن الرغبة في الشيء هي ميل النفس إليه لاعتقاد نفعه ، فمن حصل له رغبة في شيء ، حملته تلك [ ص: 369 ] الرغبة على طلب ذلك الشيء من كل وجه يظنه موصلا إليه ؛ وقد يكون كثير منها محرما ؛ وقد يكون ذلك الشيء المرغوب فيه محرما . والرهبة : هي الخوف من الشيء ، وإذا خاف الإنسان من شيء تسبب في دفعه عنه بكل طريق يظنه دافعا له ، وقد يكون كثير منها محرما . والشهوة : هي ميل النفس إلى ما يلائمها ، وتلتذ به ، وقد تميل كثيرا إلى ما هو محرم كالزنا والسرقة وشرب الخمر ، وإلى الكفر والسحر والنفاق والبدع .
nindex.php?page=treesubj&link=18758والغضب : هو غليان دم القلب طلبا لدفع المؤذي عند خشية وقوعه ، أو طلبا للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعد وقوعه ، وينشأ من ذلك كثير من الأفعال المحرمة كالقتل والضرب وأنواع الظلم والعدوان ؛ وكثير من الأقوال المحرمة كالقذف والسب والفحش ، وربما ارتقى إلى درجة الكفر ، كما جرى nindex.php?page=showalam&ids=15620لجبلة بن الأيهم ، وكالأيمان التي لا يجوز التزامها شرعا ، وكطلاق الزوجة الذي يعقب الندم . والواجب على المؤمن أن تكون شهوته مقصورة على طلب ما أباحه الله له ، وربما تناولها بنية صالحة ، فأثيب عليها ، وأن يكون غضبه دفعا للأذى في الدين له أو لغيره وانتقاما ممن عصى الله ورسوله ، كما قال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=14قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=15ويذهب غيظ قلوبهم [ التوبة : 14 - 15 ] . وهذه nindex.php?page=treesubj&link=18761كانت حال النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان لا ينتقم لنفسه ، ولكن إذا انتهكت [ ص: 370 ] حرمات الله لم يقم لغضبه شيء ولم يضرب بيده خادما ولا امرأة إلا أن يجاهد في سبيل الله . nindex.php?page=hadith&LINKID=950531وخدمه أنس عشر سنين ، فما قال له : " أف " قط ، ولا قال له لشيء فعله : " لم فعلت كذا " ، ولا لشيء لم يفعله : " ألا فعلت كذا " وفي رواية أنه كان إذا لامه بعض أهله قال صلى الله عليه وسلم : " دعوه فلو قضي شيء كان " وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=14687للطبراني قال أنس : nindex.php?page=hadith&LINKID=950533خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، فما دريت شيئا قط وافقه ، ولا شيئا خالفه رضى من الله بما كان . nindex.php?page=hadith&LINKID=950534وسئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : كان خلقه القرآن ، تعني : أنه تأدب بآدابه ، وتخلق بأخلاقه ، فما مدحه القرآن ، كان فيه رضاه ، وما ذمه القرآن ، كان فيه سخطه ، وجاء في رواية عنها ، قالت : كان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويسخط لسخطه . nindex.php?page=treesubj&link=30976وكان صلى الله عليه وسلم لشدة حيائه لا يواجه أحدا بما يكره ، بل تعرف الكراهة في وجهه ، كما في " الصحيح " عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950535nindex.php?page=treesubj&link=30976كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ، فإذا رأى شيئا يكرهه ، عرفناه في وجهه . ولما بلغه nindex.php?page=showalam&ids=10ابن [ ص: 371 ] مسعود قول القائل : nindex.php?page=hadith&LINKID=950536هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ، شق عليه صلى الله عليه وسلم وتغير وجهه ، وغضب ، ولم يزد على أن قال : لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر . nindex.php?page=treesubj&link=18762وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى ، أو سمع ما يكرهه الله ، غضب لذلك ، وقال فيه ، ولم يسكت ، وقد nindex.php?page=hadith&LINKID=950537دخل بيت عائشة فرأى سترا فيه تصاوير ، فتلون وجهه وهتكه ، وقال : إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور . ولما شكي إليه الإمام الذي يطيل بالناس صلاته حتى يتأخر بعضهم عن الصلاة معه ، غضب واشتد غضبه ، ووعظ الناس ، وأمر بالتخفيف . nindex.php?page=hadith&LINKID=950538ولما رأى النخامة في قبلة المسجد ، تغيظ ، وحكها ، وقال : إن أحدكم إذا كان في الصلاة ، فإن الله حيال وجهه ، فلا يتنخمن حيال وجهه في الصلاة . [ ص: 372 ] وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم " nindex.php?page=hadith&LINKID=950539أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا " وهذا عزيز جدا ، وهو أن الإنسان لا يقول سوى الحق سواء غضب أو رضي ، فإن أكثر الناس إذا غضب لا يتوقف فيما يقول . وخرج nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث أنس مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950540ثلاث من أخلاق الإيمان : من إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل ، ومن إذا رضي ، لم يخرجه رضاه من حق ، ومن إذا قدر ، لم يتعاط ما ليس له " . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أنه أخبر عن رجلين ممن كان قبلنا كان أحدهما عابدا ، وكان الآخر مسرفا على نفسه ، وكان العابد يعظه ، فلا ينتهي ، فرآه يوما على ذنب استعظمه ، فقال : والله لا يغفر الله لك ، فغفر للمذنب ، وأحبط عمل العابد " . وقال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : لقد تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته ، فكان nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة يحذر الناس أن يقولوا مثل هذه الكلمة في غضب وقد خرجه الإمام أحمد [ ص: 373 ] وأبو داود ، فهذا غضب لله ، ثم تكلم في حال غضبه لله بما لا يجوز ، وحتم على الله بما لا يعلم ، فأحبط الله عمله ، فكيف بمن تكلم في غضبه لنفسه ، ومتابعة هواه بما لا يجوز . وفي " صحيح مسلم " nindex.php?page=hadith&LINKID=950542عن nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين : أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة ، فضجرت فلعنتها فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : خذوا متاعها ودعوها . وفيه أيضا عن جابر قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950543سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ورجل من الأنصار على ناضح له ، فتلدن عليه بعض التلدن ، فقال له : سر ، لعنك الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انزل عنه ، فلا تصحبنا بملعون ، لا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء ، فيستجيب لكم . فهذا كله يدل على أن nindex.php?page=treesubj&link=19739دعاء الغضبان قد يجاب إذا صادف ساعة إجابة ، وأنه ينهى عن nindex.php?page=treesubj&link=19739الدعاء على نفسه وأهله وماله في الغضب . وأما ما قاله مجاهد في nindex.php?page=treesubj&link=28981قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=11ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم [ يونس : 11 ] ، قال : هو الواصل لأهله وولده وماله إذا غضب عليه ، قال : اللهم لا تبارك فيه ، اللهم العنه ، يقول : لو عجل له ذلك ، لأهلك من دعا عليه ، فأماته . فهذا يدل على أنه لا يستجاب [ ص: 374 ] جميع ما يدعو به الغضبان على نفسه وأهله وماله ، والحديث دل على أنه قد يستجاب لمصادفته ساعة إجابة . وأما ما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض قال : ثلاثة لا يلامون على غضب : الصائم والمريض والمسافر ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس قال : يوحي الله إلى الحافظين اللذين مع ابن آدم : لا تكتبا على عبدي في ضجره شيئا ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=12107أبي عمران الجوني قال : إن المريض إذا جزع فأذنب ، قال الملك الذي على اليمين للملك الذي على الشمال : لا تكتب ، خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا ، فهذا كله لا يعرف له أصل صحيح من الشرع يدل عليه ، والأحاديث التي ذكرناها من قبل تدل على خلافه .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950544إذا غضبت فاسكت يدل على أن nindex.php?page=treesubj&link=18765الغضبان مكلف في حال غضبه بالسكوت ، فيكون حينئذ مؤاخذا بالكلام ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر من غضب أن يتلافى غضبه بما يسكنه من أقوال وأفعال ، وهذا هو عين التكليف له بقطع الغضب ، فكيف يقال : إنه غير مكلف في حال غضبه بما يصدر منه . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح : ما أبكى العلماء بكاء آخر العمر من غضبة يغضبها أحدهم فتهدم عمر خمسين سنة ، أو ستين سنة ، أو سبعين سنة ، ورب غضبة قد أقحمت صاحبها مقحما ما استقاله . خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا . ثم إن من قال من السلف : إن الغضبان إذا كان سبب غضبه مباحا ، كالمرض ، أو السفر ، أو طاعة كالصوم ، لا يلام عليه إنما مراده أنه لا إثم عليه إذا كان مما يقع منه في حال الغضب كثيرا من كلام يوجب تضجرا أو سبا ونحوه كما قال صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950545إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر ، وأغضب كما يغضب [ ص: 375 ] البشر ، فأيما مسلم سببته أو جلدته ، فاجعلها له كفارة . فأما ما كان من كفر ، أو ردة ، أو قتل نفس ، أو أخذ مال بغير حق ونحو ذلك ، فهذا لا يشك مسلم أنهم لم يريدوا أن الغضبان لا يؤاخذ به ، وكذلك nindex.php?page=treesubj&link=11769_7394_16348ما يقع من الغضبان من طلاق وعتاق ، أو يمين ، فإنه يؤاخذ بذلك كله بغير خلاف وفي " مسند الإمام أحمد " ، nindex.php?page=hadith&LINKID=950546عن خويلة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أنها راجعت زوجها ، فغضب ، فظاهر منها وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه وضجر ، وأنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعلت تشكو إليه ما تلقى من سوء خلقه ، فأنزل الله آية الظهار ، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بكفارة الظهار في قصة طويلة ، وخرجها nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي العالية : أن خويلة غضب زوجها فظاهر منها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته بذلك ، وقالت : إنه لم يرد الطلاق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أراك إلا حرمت عليه " ، وذكر القصة بطولها ، وفي آخرها ، قال : فحول الله الطلاق ، فجعله ظهارا . فهذا الرجل ظاهر في حال غضبه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرى حينئذ أن الظهار طلاق ، وقد قال : إنها حرمت عليه بذلك ، يعني : لزمه الطلاق ، فلما جعله الله ظهارا مكفرا ألزمه بالكفارة ، ولم يلغه . وروى مجاهد عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن رجلا قال له : إني طلقت امرأتي ثلاثا وأنا [ ص: 376 ] غضبان ، فقال : nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لا يستطيع أن يحل لك ما حرم الله عليك ، عصيت ربك وحرمت عليك امرأتك خرجه الجوزجاني nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني بإسناد على شرط مسلم .
وخرج القاضي nindex.php?page=showalam&ids=12429إسماعيل بن إسحاق في كتاب " أحكام القرآن " بإسناد صحيح عن عائشة قالت : اللغو في الأيمان ما كان في المراء والهزل والمزاحة ، والحديث الذي لا يعقد عليه القلب ، وأيمان الكفارة على كل يمين حلفت عليها على جد من الأمر في غضب أو غيره : لتفعلن أو لتتركن ، فذلك عقد الأيمان فيها الكفارة وكذا رواه ابن وهب ، عن يونس ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن عروة ، عن عائشة وهذا من أصح الأسانيد ، وهذا يدل على أن الحديث المروي عنها مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950548لا طلاق ولا عتاق في إغلاق " إما أنه غير صحيح ، أو أن تفسيره [ ص: 377 ] بالغضب غير صحيح . وقد صح ، عن غير واحد من الصحابة أنهم أفتوا أن nindex.php?page=treesubj&link=16348_16540يمين الغضبان منعقدة وفيها الكفارة ، وما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مما يخالف ذلك فلا يصح إسناده ، قال الحسن : طلاق السنة أن يطلقها واحدة طاهرا من غير جماع ، وهو بالخيار ما بينه وبين أن تحيض ثلاث حيض ، فإن بدا له أن يراجعها كان أملك بذلك ، فإن كان غضبان ، ففي ثلاث حيض ، أو في ثلاثة أشهر إن كانت لا تحيض ما يذهب غضبه ، وقال الحسن : لقد بين الله لئلا يندم أحد في طلاق كما أمره الله . خرجه القاضي إسماعيل [ ص: 378 ] وقد جعل كثير من العلماء nindex.php?page=treesubj&link=11769_11731الكنايات مع الغضب كالصريح في أنه يقع بها الطلاق ظاهرا ؛ ولا يقبل تفسيرها مع الغضب بغير الطلاق ، ومنهم من جعل nindex.php?page=treesubj&link=11769_11731الغضب مع الكنايات كالنية ، فأوقع بذلك الطلاق في الباطن أيضا ، فكيف يجعل الغضب مانعا من وقوع صريح الطلاق .