الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم ( 255 ) )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " ولا يئوده حفظهما " ولا يشق عليه ولا يثقله .

يقال منه : " قد آدني هذا الأمر فهو يؤودني أودا وإيادا " ويقال : " ما آدك فهو لي آئد " يعني بذلك : ما أثقلك فهو لي مثقل .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

5799 - حدثنا المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : [ ص: 404 ] حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " ولا يئوده حفظهما " يقول : لا يثقل عليه .

5800 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يثقل عليه حفظهما .

5801 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولا يئوده حفظهما " لا يثقل عليه لا يجهده حفظهما .

5802 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الحسن وقتادة في قوله : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يثقل عليه شيء .

5803 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال : حدثنا يوسف بن خالد السمتي قال : حدثنا نافع بن مالك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يثقل عليه حفظهما .

5804 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن أبي زائدة وحدثنا يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قالا جميعا : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يثقل عليه .

5805 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح ، عن عبيد ، عن الضحاك مثله .

5806 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعته يعني خلادا يقول : سمعت أبا عبد الرحمن المديني يقول في هذه الآية : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يكبر عليه .

5807 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى بن [ ص: 405 ] ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يكرثه .

5808 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يثقل عليه .

5809 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ولا يئوده حفظهما " يقول : لا يثقل عليه حفظهما .

5810 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يعز عليه حفظهما .

قال أبو جعفر : " والهاء " " والميم " " والألف " في قوله : " حفظهما " من ذكر " السموات والأرض " . فتأويل الكلام : وسع كرسيه السموات والأرض ، ولا يثقل عليه حفظ السموات والأرض .

وأما تأويل قوله : " وهو العلي " فإنه يعني : والله العلي .

" والعلي " " الفعيل " من قولك : " علا يعلو علوا " إذا ارتفع ، " فهو عال وعلي " " والعلي " ذو العلو والارتفاع على خلقه بقدرته .

وكذلك قوله : " العظيم " ذو العظمة ، الذي كل شيء دونه ، فلا شيء أعظم منه كما : -

5811 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " العظيم " الذي قد كمل في عظمته . [ ص: 406 ]

قال أبو جعفر : واختلف أهل البحث في معنى قوله : .

" وهو العلي " .

فقال بعضهم : يعني بذلك ; وهو العلي عن النظير والأشباه ، وأنكروا أن يكون معنى ذلك : " وهو العلي المكان " . وقالوا : غير جائز أن يخلو منه مكان ، ولا معنى لوصفه بعلو المكان ؛ لأن ذلك وصفه بأنه في مكان دون مكان .

وقال آخرون : معنى ذلك : وهو العلي على خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه ؛ لأنه - تعالى ذكره - فوق جميع خلقه وخلقه دونه ، كما وصف به نفسه أنه على العرش ، فهو عال بذلك عليهم .

وكذلك اختلفوا في معنى قوله : " العظيم " .

فقال بعضهم : معنى " العظيم " في هذا الموضع : المعظم ، صرف " المفعل " إلى " فعيل " كما قيل للخمر المعتقة : " خمر عتيق " كما قال الشاعر : .


وكأن الخمر العتيق من الإس فنط ممزوجة بماء زلال



وإنما هي " معتقة " . قالوا : فقوله " العظيم " معناه : المعظم الذي يعظمه خلقه ويهابونه ويتقونه . قالوا : وإنما يحتمل قول القائل : " هو عظيم " أحد معنيين : أحدهما : ما وصفنا من أنه معظم ، والآخر : أنه عظيم في المساحة والوزن . قالوا : وفي بطول القول بأن يكون معنى ذلك : أنه عظيم في المساحة والوزن صحة القول بما قلنا . [ ص: 407 ]

وقال آخرون : بل تأويل قوله : " العظيم " هو أن له عظمة هي له صفة .

وقالوا : لا نصف عظمته بكيفية ، ولكنا نضيف ذلك إليه من جهة الإثبات وننفي عنه أن يكون ذلك على معنى مشابهة العظم المعروف من العباد ؛ لأن ذلك تشبيه له بخلقه ، وليس كذلك . وأنكر هؤلاء ما قاله أهل المقالة التي قدمنا ذكرها ، وقالوا : لو كان معنى ذلك أنه " معظم " لوجب أن يكون قد كان غير عظيم قبل أن يخلق الخلق ، وأن يبطل معنى ذلك عند فناء الخلق ؛ لأنه لا معظم له في هذه الأحوال .

وقال آخرون : بل قوله : إنه " العظيم " وصف منه نفسه بالعظم . وقالوا : كل ما دونه من خلقه فبمعنى الصغر لصغرهم عن عظمته .

التالي السابق


الخدمات العلمية