الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8799 ) فصل : فأما بيع الدين الذي على المكاتب من نجومه ، فلا يصح . وبهذا قال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو ثور . وقال عطاء ، وعمرو بن دينار ، ومالك : يصح ; لأن السيد يملكها في ذمة المكاتب ، فجاز بيعها ، كسائر أمواله . ولنا ، أنه دين غير مستقر ، فلم يجز بيعه ، كدين السلم ، ودليل عدم الاستقرار ، أنه معرض للسقوط بعجز المكاتب ، ولأنه لا يملك السيد إجبار العبد على أدائه ، ولا إلزامه بتحصيله ، فلم يجز بيعه ، كالعدة بالتبرع ، ولأنه غير مقبوض ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض فإن باعه ، فالبيع باطل ، وليس للمشتري مطالبة المكاتب بتسليمه إليه ، ولا الرجوع بالثمن على البائع ، إن كان دفعه إليه . فإن سلم المكاتب إلى المشتري نجومه ، ففيه وجهان ; أحدهما ، يعتق ; لأن البيع تضمن الإذن في القبض ، فأشبه قبض الوكيل .

                                                                                                                                            والثاني ، لا يعتق ; لأنه لم يستنبه في القبض ، وإنما قبض لنفسه بحكم البيع الفاسد ، فكان القبض أيضا فاسدا ، ولم يعتق ، بخلاف وكيله ، فإنه استنابه . ولو صرح بالإذن فليس بمستنيب له في القبض ، وإنما إذنه بحكم المعاوضة ، فلا فرق بين التصريح وعدمه . فإن قلنا : يعتق بالأداء برئ المكاتب من مال الكتابة ، ويرجع السيد على المشتري بما قبضه ; لأنه كالنائب عنه . فإن كان من جنس الثمن ، وكان قد تلف ، تقاصا بقدر أقلهما ، ورجع ذو الفضل بفضله . وإن قلنا : لا يعتق بذلك . فمال الكتابة باق على المكاتب ، ويرجع المكاتب على المشتري بما دفعه إليه ، ويرجع المشتري على البائع . فإن سلمه المشتري إلى البائع ، لم يصح التسليم ; لأنه قبضه بغير إذن المكاتب ، فأشبه ما لو أخذه من ماله بغير إذنه . فإن كان من غير جنس مال الكتابة تراجعا بما لكل واحد منهما على الآخر .

                                                                                                                                            وإن باعه ما أخذه بماله في ذمته ، وكان مما يجوز البيع فيه ، جاز إذا كان ما قبضه السيد ، باقيا ، وإن كان قد تلف ، ووجبت قيمته ، وكانت من جنس مال الكتابة ، تقاصا ، وإن كان المقبوض من جنس مال الكتابة ، فتحاسبا به ، جاز .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية