الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون

                                                                                                                                                                                                                                      ويوم نحشرهم جميعا منصوب على الظرفية بمضمر مؤخر ، قد حذف إيذانا بضيق العبارة عن شرحه وبيانه ، وإيماء إلى عدم استطاعة السامعين لسماعه ، لكمال فظاعة ما يقع فيه من الطامة والداهية التامة ، كأنه قيل : ويوم نحشرهم جميعا .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم نقول لهم ما نقول كان من الأحوال والأهوال ما لا يحيط به دائرة المقال ، وتقدير صيغة الماضي للدلالة على التحقق ، ولحسن موقع عطف قوله تعالى : ثم لم تكن ... إلخ عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : منصوب على المفعولية بمضمر مقدم ; أي : واذكر لهم للتخويف والتحذير ويوم نحشرهم ... إلخ . وقيل : وليتقوا ، أو ليحذروا يوم نحشرهم ... إلخ .

                                                                                                                                                                                                                                      والضمير للكل ، وجميعا حال منه ، وقرئ : ( يحشرهم جميعا ثم يقول ) بالياء فيهما .

                                                                                                                                                                                                                                      للذين أشركوا ; أي : نقول لهم خاصة ، للتوبيخ والتقريع على رءوس الأشهاد .

                                                                                                                                                                                                                                      أين شركاؤكم ; أي : آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله سبحانه ، وإضافتها إليهم لما أن شركتها ليست إلا بتسميتهم وتقولهم الكاذب .

                                                                                                                                                                                                                                      كما ينبئ عنه قوله تعالى : الذين كنتم تزعمون ; أي : تزعمونها شركاء ، فحذف المفعولان معا ، وهذا السؤال المنبئ عن غيبة الشركاء مع عموم الحشر لها ; لقوله تعالى : احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله ، وغير ذلك من النصوص إنما يقع بعد ما جرى بينها وبينهم من التبرؤ من الجانبين ، وتقطع ما بينهم من الأسباب والعلائق ، حسبما يحكيه قوله تعالى : فزيلنا بينهم ... إلخ ، ونحو ذلك من الآيات الكريمة ، إما بعدم حضورها حينئذ في الحقيقة بإبعادها من ذلك الموقف ، وإما بتنزيل [ ص: 120 ] عدم حضورها بعنوان الشركة والشفاعة منزلة عدم حضورها في الحقيقة ; إذ ليس السؤال عنها من حيث ذواتها ، بل إنما هو من حيث إنها شركاء ، كما يعرب عنه الوصف بالموصول ، ولا ريب في أن عدم الوصف يوجب عدم الموصوف من حيث هو موصوف ، فهي من حيث هي شركاء غائبة لا محالة ، وإن كانت حاضرة من حيث ذواتها ، أصناما كانت أو غيرها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما ما يقال من أنه يحال بينها وبينهم في وقت التوبيخ ، ليفقدوهم في الساعة التي علقوا بها الرجاء فيها ، فيروا مكان خزيهم وحسرتهم ، فربما يشعر بعدم شعورهم بحقيقة الحال ، وعدم انقطاع حبال رجائهم عنها بعد ، وقد عرفت أنهم شاهدوها قبل ذلك ، وانصرمت عروة أطماعهم عنها بالكلية على أنها معلومة لهم ، من حين الموت والابتلاء بالعذاب في البرزخ ، وإنما الذي يحصل يوم الحشر الانكشاف الجلي ، واليقين القوي المترتب على المحاضرة والمحاورة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية