الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون

                                                                                                                                                                                                بياتا : نصب على الظرف، بمعنى: وقت بيات.

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: هلا قيل: ليلا أو نهارا ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: لأنه أريد: إن أتاكم عذابه وقت بيات فبيتكم وأنتم ساهون نائمون لا تشعرون، كما يبيت العدو المباغت، والبيات بمعنى: التبييت، كالسلام بمعنى: التسليم، وكذلك قوله: نهارا : معناه: في وقت أنتم فيه مشتغلون بطلب المعاش والكسب; ونحوه: بياتا وهم نائمون [الأعراف: 98]، ضحى وهم يلعبون [الأعراف: 98]، الضمير في "منه": للعذاب، والمعنى: أن العذاب كله مكروه مر المذاق موجب للنفار، فأي شيء يستعجلون منه وليس شيء منه يوجب الاستعجال، ويجوز أن يكون معناه: التعجب، كأنه قيل: أي شيء هول شديد يستعجلون منه، ويجب أن تكون "من": للبيان في هذا الوجه، وقيل: الضمير في "منه": لله تعالى.

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: بم تعلق الاستفهام ؟ وأين جواب الشرط؟

                                                                                                                                                                                                قلت: تعلق بـ"أرأيتم"; لأن المعنى: أخبروني ماذا يستعجل منه المجرمون، وجواب الشرط محذوف، وهو: تندموا على الاستعجال، أو تعرفوا الخطأ فيه. [ ص: 149 ] فإن قلت: فهلا قيل: ماذا تستعجلون منه؟

                                                                                                                                                                                                قلت: أريدت الدلالة على موجب ترك الاستعجال وهو الإجرام; لأن من حق المجرم أن يخاف التعذيب على إجرامه، ويهلك فزعا من مجيئه وإن أبطأ، فضلا أن يستعجله، ويجوز أن يكون: ماذا يستعجل منه المجرمون : جوابا للشرط; كقولك: إن أتيتك ماذا تطعمني؟ بما تتعلق الجملة بـ"أرأيتم"، وأن يكون: أثم إذا ما وقع آمنتم به : جواب الشرط، و ماذا يستعجل منه المجرمون : اعتراضا، والمعنى: إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان، ودخول حرف الاستفهام على "ثم"، كدخوله على الواو والفاء في قوله: أفأمن أهل القرى [الأعراف: 97]، أوأمن أهل القرى [الأعراف: 98] . آلآن : على إرادة القول، أي: قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب: آلآن آمنتم به، وقد كنتم به تستعجلون : يعني: وقد كنتم به تكذبون; لأن استعجالهم كان على جهة التكذيب والإنكار، وقرئ: "آلان" بحذف الهمزة بعد اللام، وإلقاء حركتها على اللام، ثم قيل للذين ظلموا : عطف على "قيل" المضمر قبل "آلآن" .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية