الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ادعوا ربكم تضرعا وخفية الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس : ادعوا ربكم تضرعا وخفية قال : السر ، إنه لا يحب المعتدين في الدعاء ، ولا في غيره .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن قتادة قال : التضرع : علانية ، والخفية : سر .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 426 ] وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : ادعوا ربكم تضرعا يعني : مستكينا وخفية ، يعني : في خفض وسكون في حاجاتكم من أمر الدنيا والآخرة ، إنه لا يحب المعتدين يقول : لا تدعوا على المؤمن والمؤمنة بالشر ؛ اللهم اخزه ، والعنه ، ونحو ذلك ؛ فإن ذلك عدوان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أبي مجلز في قوله : إنه لا يحب المعتدين قال : لا تسألوا منازل الأنبياء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن زيد بن أسلم قال : كان يرى أن الجهر بالدعاء الاعتداء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وأبو الشيخ ، عن قتادة : إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض إلى قوله : تبارك الله رب العالمين قال : لما أنبأكم الله بقدرته وعظمته وجلاله بين لكم كيف تدعونه على تفئة ذلك ، فقال : ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ، قال : تعلموا أن في بعض الدعاء اعتداء ، فاجتنبوا العدوان ، والاعتداء إن اسطعتم ، ولا قوة إلا بالله ، قال : وذكر لنا أن مجالد بن مسعود أخا بني سليم سمع قوما يعجون في دعائهم ، فمشى إليهم فقال : أيها القوم لقد أصبتم فضلا على من كان قبلكم ، أو لقد هلكتم ، فجعلوا يتسللون رجلا رجلا حتى تركوا بقعتهم التي كانوا فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 427 ] قال : وذكر لنا أن ابن عمر أتى على قوم يرفعون أيديهم فقال : ما يتناول هؤلاء القوم ؟ فوالله لو كانوا على أطول جبل في الأرض ما ازدادوا من الله قربا ، قال قتادة : وإن الله إنما يتقرب إليه بطاعته ، فما كان من دعائكم الله فليكن في سكينة ووقار ، وحسن سمت وزي وهدي وحسن دعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والحاكم ، والبيهقي ، عن عبد الله بن مغفل ، أنه سمع ابنه يقول : اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها ، فقال : أي بني ، سل الله الجنة ، وتعوذ به من النار ؛ فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطيالسي ، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، وأبو داود ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن سعد بن أبي وقاص ، أنه سمع ابنا [ ص: 428 ] له يدعو ويقول : اللهم إني أسألك الجنة ، ونعيمها وإستبرقها ونحو هذا ، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها ، فقال : لقد سألت الله خيرا وتعوذت به من شر كل كثير ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء " ، وقرأ هذه الآية : ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ، وإن بحسبك أن تقول : اللهم إني أسألك الجنة ، وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار ، وما قرب إليها من قول أو عمل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن الربيع في الآية قال : إياك أن تسأل ربك أمرا قد نهيت عنه ، أو ما لا ينبغي لك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المبارك ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن الحسن قال : لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ، وما سمع لهم صوت ، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم ، وذلك أن الله يقول : ادعوا ربكم تضرعا وخفية [ ص: 429 ] وذلك أن الله ذكر عبدا صالحا فرضي له قوله فقال : إذ نادى ربه نداء خفيا [مريم : 3] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ابن جريج في الآية قال : إن من الدعاء اعتداء ؛ يكره رفع الصوت ، والنداء ، والصياح بالدعاء ، ويؤمر بالتضرع والاستكانة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية