الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وعد

                                                          وعد : وعده الأمر وبه عدة ووعدا وموعدا وموعدة وموعودا وموعودة ، وهو من المصادر التي جاءت على مفعول ومفعولة كالمحلوف والمرجوع والمصدوقة والمكذوبة ; قال ابن جني : ومما جاء من المصادر مجموعا معملا قوله :


                                                          مواعيد عرقوب أخاه بيثرب

                                                          والوعد من المصادر المجموعة ، قالوا : الوعود ; حكاه ابن جني . وقوله : ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ; أي إنجاز هذا الوعد ، أرونا ذلك ; قال الأزهري : الوعد والعدة يكونان مصدرا واسما ، فأما العدة فتجمع عدات ، والوعد لا يجمع . وقال الفراء : وعدت عدة ، ويحذفون الهاء إذا أضافوا ; وأنشد :


                                                          إن الخليط أجدوا البين فانجردوا     وأخلفوك عدى الأمر الذي وعدوا

                                                          وقال ابن الأنباري وغيره : الفراء يقول : عدة وعدى ; وأنشد :


                                                          وأخلفوك عدى الأمر

                                                          وقال أراد عدة الأمر ، فحذف الهاء عند الإضافة ، قال : ويكتب بالياء .

                                                          قال الجوهري : والعدة الوعد والهاء عوض من الواو ، ويجمع على عدات ولا يجمع الوعد والنسبة إلى عدة عدي وإلى زنة زني ، فلا ترد الواو كما تردها في شية . والفراء يقول : عدوي وزنوي كما يقال شيوي ; قال أبو بكر : العامة تخطئ وتقول أوعدني فلان موعدا أقف عليه . وقوله تعالى : وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ، ويقرأ : وعدنا . قرأ أبو عمرو : وعدنا ، بغير ألف ، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي واعدنا ، بالألف ; قال أبو إسحاق : اختار جماعة من أهل اللغة ، وإذ وعدنا ، بغير ألف ، وقالوا : إنما اخترنا هذا ; لأن المواعدة إنما تكون من الآدميين فاختاروا وعدنا ، وقالوا دليلنا قول الله - عز وجل - : إن الله وعدكم وعد الحق ، وما أشبهه ; قال : وهذا الذي ذكره ليس مثل هذا . وأما واعدنا هذا فجيد ; لأن الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة ، فهو من الله وعد ، ومن موسى قبول واتباع فجرى مجرى المواعدة . قال الأزهري : من قرأ وعدنا ، فالفعل لله تعالى ، ومن قرأ واعدنا فالفعل من الله تعالى ومن موسى . قال ابن سيده : وفي التنزيل : وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ، وقرئ ووعدنا ; قال ثعلب : فواعدنا من اثنين ووعدنا من واحد ، وقال :


                                                          فواعديه سرحتي مالك     أو الربى بينهما أسهلا

                                                          قال أبو معاذ : واعدت زيدا إذا وعدك ووعدته . ووعدت زيدا إذا كان الوعد منك خاصة . والموعد : موضع التواعد ، وهو الميعاد ويكون الموعد مصدر وعدته ، ويكون الموعد وقتا للعدة . والموعدة أيضا : اسم للعدة . والميعاد : لا يكون إلا وقتا أو موضعا . والوعد : مصدر حقيقي . والعدة : اسم يوضع موضع المصدر وكذلك الموعدة . قال الله - عز وجل - : إلا عن موعدة وعدها إياه ، والميعاد والمواعدة : وقت الوعد وموضعه . قال الجوهري : وكذلك الموعد ; لأن ما كان فاء الفعل منه واوا أو ياء ثم سقطتا في المستقبل نحو يعد ويزن ويهب ويضع ويئل ، فإن المفعل منه مكسور في الاسم والمصدر جميعا ، ولا تبال أمنصوبا كان يفعل منه أو مكسورا بعد أن تكون الواو منه ذاهبة ، إلا أحرفا جاءت نوادر ، قالوا : دخلوا موحد موحد ، وفلان ابن مورق ، وموكل اسم رجل أو موضع ، وموهب اسم رجل ، وموزن موضع ; هذا سماع والقياس فيه الكسر ، فإن كانت الواو من يفعل منه ثابتة نحو يوجل ويوجع ويوسن ففيه الوجهان ، فإن أردت به المكان والاسم كسرته ، وإن أردت به المصدر نصبت قلت موجل وموجل وموجع وموجع ، فإن كان مع ذلك معتل الآخر فالفعل منه منصوب ، ذهبت الواو في يفعل أو ثبتت كقولك المولى والموفى والموعى ، من يلي ويفي ويعي . قال ابن بري : قوله في استثنائه إلا أحرفا جاءت نوادر ، قالوا دخلوا موحد موحد ، قال : موحد ليس من هذا الباب ، وإنما هو معدول عن واحد ، فيمتنع من الصرف للعدل والصفة كأحاد ، ومثله [ ص: 242 ] مثنى وثناء ، ومثلث وثلاث ، ومربع ورباع . قال : وقال سيبويه : موحد فتحوه لأنه ليس بمصدر ولا مكان ، وإنما هو معدول عن واحد ، كما أن عمر معدول عن عامر . وقد تواعد القوم واتعدوا ، والاتعاد : قبول الوعد ، وأصله الاوتعاد ، قلبوا الواو تاء ثم أدغموا . وناس يقولون : ائتعد يأتعد ، فهو مؤتعد ، بالهمز ، كما قالوا يأتسر في ائتسار الجزور . قال ابن بري : صوابه إيتعد ياتعد ، فهو موتعد ، من غير همز ، وكذلك إيتسر ياتسر فهو موتسر ، بغير همز ، وكذلك ذكره سيبويه وأصحابه يعلونه على حركة ما قبل الحرف المعتل فيجعلونه ياء إن انكسر ما قبلها ، وألفا إن انفتح ما قبلها ، وواوا إذا انضم ما قبلها ; قال : ولا يجوز بالهمز لأنه لا أصل له في باب الوعد واليسر ; وعلى ذلك نص سيبويه وجميع النحويين البصريين . وواعده الوقت والموضع وواعده فوعده : كان أكثر وعدا منه . وقال مجاهد في قوله تعالى : ما أخلفنا موعدك بملكنا ; قال : الموعد العهد ; وكذلك قوله تعالى : فأخلفتم موعدي ; قال : عهدي . وقوله - عز وجل - : وفي السماء رزقكم وما توعدون ; قال : رزقكم المطر ، وما توعدون : الجنة . قال قتادة في قوله تعالى : واليوم الموعود ; إنه يوم القيامة . وفرس واعد : يعدك جريا بعد جري . وأرض واعدة : كأنها تعد بالنبات . وسحاب واعد : كأنه يعد بالمطر . ويوم واعد : يعد بالحر ; قال الأصمعي : مررت بأرض بني فلان غب مطر وقع بها فرأيتها واعدة إذا رجي خيرها وتمام نبتها في أول ما يظهر النبت ; قال سويد بن كراع :


                                                          رعى غير مذعور بهن وراقه     لعاع تهاداه الدكادك واعد

                                                          ويقال للدابة والماشية إذا رجي خيرها وإقبالها : واعد ; وقال الراجز :


                                                          كيف تراها واعدا صغارها     يسوء شناء العدى كبارها

                                                          ويقال : يومنا يعد بردا . ويوم واعد إذا وعد أوله بحر أو برد . وهذا غلام تعد مخايله كرما ، وشيمه تعد جلدا وصرامة . والوعيد والتوعد : التهدد ، وقد أوعده وتوعده . قال الجوهري : الوعد يستعمل في الخير والشر ، قال ابن سيده : وفي الخير الوعد والعدة ، وفي الشر الإيعاد والوعيد ، فإذا قالوا أوعدته بالشر أثبتوا الألف مع الباء ; وأنشد لبعض الرجاز :


                                                          أوعدني بالسجن والأداهم     رجلي ورجلي شثنة المناسم

                                                          قال الجوهري : تقديره أوعدني بالسجن وأوعد رجلي بالأداهم ورجلي شثنة أي قوية على القيد . قال الأزهري : كلام العرب وعدت الرجل خيرا ووعدته شرا ، وأوعدته خيرا وأوعدته شرا ، فإذا لم يذكروا الخير قالوا : وعدته ولم يدخلوا ألفا ، وإذا لم يذكروا الشر قالوا : أوعدته ، ولم يسقطوا الألف ; وأنشد لعامر بن الطفيل :


                                                          وإني إن أوعدته أو وعدته     لأخلف إيعادي وأنجز موعدي

                                                          وإذا أدخلوا الباء لم يكن إلا في الشر ، كقولك : أوعدته بالضرب ; وقال ابن الأعرابي : أوعدته خيرا ، وهو نادر ; وأنشد :


                                                          يبسطني مرة ويوعدني     فضلا طريفا إلى أياديه

                                                          قال الأزهري : هو الوعد والعدة في الخير والشر ; قال القطامي :


                                                          ألا عللاني كل حي معلل     ولا تعداني الخير والشر مقبل

                                                          وهذا البيت ذكره الجوهري :


                                                          ولا تعداني الشر والخير مقبل

                                                          ويقال : اتعدت الرجل إذا أوعدته ; قال الأعشى :


                                                          فإن تتعدني أتعدك بمثلها

                                                          وقال بعضهم : فلان يتعد إذا وثق بعدتك ; وقال :


                                                          إني ائتممت أبا الصباح فاتعدي     واستبشري بنوال غير منزور

                                                          أبو الهيثم : أوعدت الرجل أوعده إيعادا وتوعدته توعدا واتعدت اتعادا . ووعيد الفحل : هديره إذا هم أن يصول . وفي الحديث : دخل حائطا من حيطان المدينة فإذا فيه جملان يصرفان ويوعدان ; وعيد فحل الإبل هديره إذا أراد أن يصول ; وقد أوعد يوعد إيعادا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية