الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وعي

                                                          وعي : الوعي : حفظ القلب الشيء . وعى الشيء والحديث يعيه وعيا وأوعاه : حفظه وفهمه وقبله ، فهو واع ، وفلان أوعى من فلان أي أحفظ وأفهم . وفي الحديث : نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ، فرب مبلغ أوعى من سامع . الأزهري : الوعي الحافظ الكيس الفقيه . وفي حديث أبي أمامة : لا يعذب الله قلبا وعى القرآن ; قال ابن الأثير : أي عقله إيمانا به وعملا ، فأما من حفظ ألفاظه وضيع حدوده فإنه غير واع له ; وقول الأخطل :


                                                          وعاها من قواعد بيت رأس شوارف لاحها مدر وغار

                                                          إنما معناه حفظها ، أي حفظ هذه الخمر ، وعنى بالشوارف الخوابي القديمة . الأزهري عن الفراء في قوله تعالى : والله أعلم بما يوعون ; قال : الإيعاء ما يجمعون في صدورهم من التكذيب والإثم . قال : والوعي لو قيل ، والله أعلم بما يوعون ، لكان صوابا ، ولكن لا يستقيم في القراءة . الجوهري ، والله أعلم بما يوعون أي يضمرون في قلوبهم من التكذيب ، وأذن واعية . الأزهري : يقال أوعى جدعه واستوعاه إذا استوعبه . وفي الحديث : في الأنف إذا استوعي جدعه الدية ; حكاه الأزهري في ترجمة وعوع . وأوعى فلان جدع أنفه واستوعاه [ ص: 246 ] إذا استوعبه . وتقول : استوعى فلان من فلان حقه إذا أخذه كله . وفي الحديث : فاستوعى له حقه ; قال ابن الأثير : استوفاه كله مأخوذ من الوعاء . ووعى العظم وعيا : برأ على عثم ; قال :


                                                          كأنما كسرت سواعده     ثم وعى جبرها وما التأما

                                                          قال أبو زيد : إذا جبر العظم بعد الكسر على عثم ، وهو الاعوجاج ، قيل : وعى يعي وعيا ، وأجر يأجر أجرا ويأجر أجورا . ووعى العظم إذا انجبر بعد الكسر ; قال أبو زيد :


                                                          خبعثنة في ساعديه تزايل     تقول وعى من بعد ما قد تجبرا

                                                          هذا البيت كذا في التهذيب ، ورأيته في حواشي ابن بري : من بعد ما قد تكسرا ; وقال الحطيئة :


                                                          حتى وعيت كوعي عظ     م الساق لأأمه الجبائر

                                                          ووعت المدة في الجرح وعيا : اجتمعت . ووعى الجرح وعيا : سال قيحه . والوعي : القيح والمدة . وبرئ جرحه على وعي أي نغل . قال أبو زيد : إذا سال القيح من الجرح قيل وعى الجرح يعي وعيا ، قال : والوعي هو القيح ، ومثله المدة . وقال الليث في وعي الكسر ، والمدة مثله ، قال : وقال أبو الدقيش إذا وعت جايئته يعني مدته . قال الأصمعي : يقال بئس واعي اليتيم ووالي اليتيم ، وهو الذي يقوم عليه . ويقال : لا وعي لك عن ذلك الأمر أي لا تماسك دونه ; قال ابن أحمر :


                                                          تواعدن أن لا وعي عن فرج راكس     فرحن ولم يغضرن عن ذاك مغضرا

                                                          يقال تغضرت عن كذا إذا انصرفت عنه . وما لي عنه وعي أي بد . وقال النضر : أنه لفي وعي رجال أي في رجال كثيرة . والوعاء والإعاء على البدل والوعاء ، كل ذلك : ظرف الشيء ، والجمع أوعية ، ويقال لصدر الرجل وعاء علمه واعتقاده تشبيها بذلك . ووعى الشيء في الوعاء وأوعاه : جمعه فيه ; قال أبو محمد الحذلمي :


                                                          تأخذه بدمنه فتوعيه

                                                          أي تجمع الماء في أجوافها . الأزهري : أوعى الشيء في الوعاء يوعيه إيعاء بالألف ، فهو موعى . الجوهري : يقال أوعيت الزاد والمتاع إذا جعلته في الوعاء ; قال عبيد بن الأبرص :


                                                          الخير يبقى وإن طال الزمان به     والشر أخبث ما أوعيت من زاد

                                                          وفي الحديث : الاستحياء من الله حق الحياء ، أن لا تنسوا المقابر والبلى والجوف وما وعى أي ما جمع من الطعام والشراب حتى يكونا من حلهما . وفي حديث الإسراء : ذكر في كل سماء أنبياء قد سماهم فأوعيت منهم إدريس في الثانية ; قال ابن الأثير : هكذا روي ، فإن صح فيكون معناه أدخلته في وعاء قلبي ; يقال : أوعيت الشيء في الوعاء إذا أدخلته فيه ; قال : ولو روي وعيت بمعنى حفظت لكان أبين وأظهر . وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاءين من العلم ; أراد الكناية عن محل العلم وجمعه ، فاستعار له الوعاء . وفي الحديث : لا توعي فيوعى عليك ، أي لا تجمعي وتشحي بالنفقة فيشح عليك وتجازي بتضييق رزقك . الأزهري : إذا أمرت من الوعي قلت عه ، الهاء عماد للوقوف لخفتها ، لأنه لا يستطاع الابتداء والوقوف معا على حرف واحد . والوعي والوعى ، بالتحريك : الجلبة والأصوات ، وقيل : الأصوات الشديدة ; قال الهذلي :


                                                          كأن وعى الخموش بجانبيه     وعى ركب أميم ذوي زياط

                                                          وقال يعقوب : عينه بدل من غين وغى ، أو غين وغى بدل منه ، وقيل : الوعى جلبة صوت الكلاب في الصيد . الأزهري الوعى جلبة أصوات الكلاب والصيد ، قال : ولم أسمع له فعلا . والواعية : كالوعى ، الأزهري : الواعية والوعى والوغى كلها الصوت . والواعية : الصارخة ، وقيل : الواعية الصراخ على الميت لا فعل له . وفيحديث مقتل كعب بن الأشرف أو أبي رافع : حتى سمعنا الواعية ; قال ابن الأثير : هو الصراخ على الميت ونعيه ، ولا يبنى منه فعل ; وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          إني نذير لك من عطيه     قرمش لزاده وعيه

                                                          لم يفسر الوعية ، قال ابن سيده : وأرى أنه مستوعب لزاده يوعيه في بطنه كما يوعى المتاع ، هذا إن كان من صفة عطية ، وإن كان من صفة الزاد فمعناه أنه يدخره حتى يخنز كما يخنز القيح في القرح .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية