بسم الله الرحمن الرحيم كتاب النكاح باب الترغيب في النكاح لقوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء آية
4776 حدثنا أخبرنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر أنه سمع حميد بن أبي حميد الطويل رضي الله عنه يقول أنس بن مالك لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال
كتاب النكاح
- باب الترغيب في النكاح
- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع منكم الباءة فليتزوج
- باب من لم يستطع الباءة فليصم
- باب كثرة النساء
- باب من هاجر أو عمل خيرا لتزويج امرأة فله ما نوى
- باب تزويج المعسر الذي معه القرآن والإسلام
- باب قول الرجل لأخيه انظر أي زوجتي شئت حتى أنزل لك عنها
- باب ما يكره من التبتل والخصاء
- باب نكاح الأبكار
- باب تزويج الثيبات
- باب تزويج الصغار من الكبار
- باب إلى من ينكح وأي النساء خير وما يستحب أن يتخير لنطفه من غير إيجاب
- باب اتخاذ السراري ومن أعتق جاريته ثم تزوجها
- باب من جعل عتق الأمة صداقها
- باب تزويج المعسر
- باب الأكفاء في الدين
- باب الأكفاء في المال وتزويج المقل المثرية
- باب ما يتقى من شؤم المرأة
- باب الحرة تحت العبد
- باب لا يتزوج أكثر من أربع
- باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب
- باب من قال لا رضاع بعد حولين
- باب لبن الفحل
- باب شهادة المرضعة
- باب ما يحل من النساء وما يحرم
- باب وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن
- باب وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف
- باب لا تنكح المرأة على عمتها
- باب الشغار
- باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد
- باب نكاح المحرم
- باب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة آخرا
- باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح
- باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير
- باب قول الله جل وعز ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء
- باب النظر إلى المرأة قبل التزويج
- باب من قال لا نكاح إلا بولي
- باب إذا كان الولي هو الخاطب
- باب إنكاح الرجل ولده الصغار
- باب تزويج الأب ابنته من الإمام
- باب السلطان ولي لقول النبي صلى الله عليه وسلم زوجناكها بما معك من القرآن
- باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها
- باب إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود
- باب تزويج اليتيمة
- باب إذا قال الخاطب للولي زوجني فلانة فقال قد زوجتك بكذا وكذا جاز النكاح
- باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع
- باب تفسير ترك الخطبة
- باب الخطبة
- باب ضرب الدف في النكاح والوليمة
- باب قول الله تعالى وآتوا النساء صدقاتهن نحلة وكثرة المهر وأدنى ما يجوز من الصداق
- باب التزويج على القرآن وبغير صداق
- باب المهر بالعروض وخاتم من حديد
- باب الشروط في النكاح
- باب الشروط التي لا تحل في النكاح
- باب الصفرة للمتزوج
- باب كيف يدعى للمتزوج
- باب الدعاء للنساء اللاتي يهدين العروس وللعروس
- باب من أحب البناء قبل الغزو
- باب من بنى بامرأة وهي بنت تسع سنين
- باب البناء في السفر
- باب البناء بالنهار بغير مركب ولا نيران
- باب الأنماط ونحوها للنساء
- باب النسوة اللاتي يهدين المرأة إلى زوجها ودعائهن بالبركة
- باب الهدية للعروس
- باب استعارة الثياب للعروس وغيرها
- باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله
- باب الوليمة حق
- باب الوليمة ولو بشاة
- باب من أولم على بعض نسائه أكثر من بعض
- باب من أولم بأقل من شاة
- باب حق إجابة الوليمة والدعوة ومن أولم سبعة أيام ونحوه ولم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم يوما ولا يومين
- باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله
- باب من أجاب إلى كراع
- باب إجابة الداعي في العرس وغيره
- باب ذهاب النساء والصبيان إلى العرس
- باب هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة
- باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس
- باب النقيع والشراب الذي لا يسكر في العرس
- باب المداراة مع النساء
- باب الوصاة بالنساء
- باب قوا أنفسكم وأهليكم نارا
- باب حسن المعاشرة مع الأهل
- باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها
- باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعا
- باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها
- باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه
- باب كفران العشير
- باب لزوجك عليك حق
- باب المرأة راعية في بيت زوجها
- باب قول الله تعالى الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض
- باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن
- باب ما يكره من ضرب النساء
- باب لا تطيع المرأة زوجها في معصية
- باب وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا
- باب العزل
- باب القرعة بين النساء إذا أراد سفرا
- باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها وكيف يقسم ذلك
- باب العدل بين النساء
- باب إذا تزوج الثيب على البكر
- باب من طاف على نسائه في غسل واحد
- باب دخول الرجل على نسائه في اليوم
- باب إذا استأذن الرجل نساءه في أن يمرض في بيت بعضهن فأذن له
- باب حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض
- باب المتشبع بما لم ينل وما ينهى من افتخار الضرة
- باب الغيرة
- باب غيرة النساء ووجدهن
- باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف
- باب يقل الرجال ويكثر النساء
- باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم والدخول على المغيبة
- باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس
- باب ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة
- باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة
- باب خروج النساء لحوائجهن
- باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره
- باب ما يحل من الدخول والنظر إلى النساء في الرضاع
- باب لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها
- باب قول الرجل لأطوفن الليلة على نسائي
- باب لا يطرق أهله ليلا إذا أطال الغيبة مخافة أن يخونهم أو يلتمس عثراتهم
- باب طلب الولد
- باب تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة
- باب ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن إلى قوله لم يظهروا على عورات النساء
- باب والذين لم يبلغوا الحلم منكم
- باب طعن الرجل ابنته في الخاصرة عند العتاب
التالي
السابق
[ ص: 5 ] ( بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب النكاح ) كذا للنسفي ، وعن رواية الفربري تأخير البسملة . الضم والتداخل ، وتجوز من قال إنه الضم . وقال و " النكاح " في اللغة الفراء : النكح بضم ثم سكون اسم الفرج ، ويجوز كسر أوله وكثر استعماله في الوطء ، وسمي به العقد لكونه سببه . قال أبو القاسم الزجاجي : هو حقيقة فيهما .
وقال الفارسي : إذا قالوا نكح فلانة أو بنت فلان فالمراد العقد ، وإذا قالوا نكح زوجته فالمراد الوطء . وقال آخرون أصله لزوم شيء لشيء مستعليا عليه ، ويكون في المحسوسات وفي المعاني ، قالوا نكح المطر الأرض ونكح النعاس عينه ونكحت القمح في الأرض إذا حرثتها وبذرته فيها ونكحت الحصاة أخفاف الإبل . وفي الشرع حقيقة في العقد مجاز في الوطء على الصحيح .
والحجة في ذلك كثرة وروده في الكتاب والسنة للعقد حتى قيل إنه لم يرد في القرآن إلا للعقد ولا يرد مثل قوله حتى تنكح زوجا غيره لأن شرط الوطء في التحليل إنما ثبت بالسنة ، وإلا فالعقد لا بد منه لأن قوله حتى تنكح معناه حتى تتزوج أي يعقد عليها ، ومفهومه أن ذلك كاف بمجرده لكن بينت السنة أن لا عبرة بمفهوم الغاية ، بل لا بد بعد العقد من ذوق العسيلة ، كما أنه لا بد بعد ذلك من التطليق ثم العدة . نعم أفاد أن النكاح لم يرد في القرآن إلا للتزويج ، إلا في قوله تعالى أبو الحسين بن فارس وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن المراد به الحلم والله أعلم .
وفي وجه للشافعية - كقول الحنفية - إنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد ، وقيل مقول بالاشتراك على كل منهما ، وبه جزم الزجاجي ، وهذا الذي يترجح في نظري وإن كان أكثر ما يستعمل في العقد ، ورجح بعضهم الأول بأن أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباح ذكره ، فيبعد أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستفظعه لما لا يستفظعه ، فدل على أنه في الأصل للعقد ، وهذا يتوقف على تسليم المدعي أنها كلها كنايات . وقد جمع اسم النكاح ابن القطاع فزادت على الألف .
[ ص: 6 ] قوله ( باب ) لقوله تعالى الترغيب في النكاح فانكحوا ما طاب لكم من النساء زاد الأصيلي " الآية " ووجه الاستدلال أنها صيغة أمر تقتضي الطلب ، وأقل درجاته الندب فثبت الترغيب . وقال وأبو الوقت القرطبي : لا دلالة فيه ، لأن الآية سيقت لبيان ما يجوز الجمع بينه من أعداد النساء . ويحتمل أن يكون انتزع ذلك من الأمر بنكاح الطيب مع ورود النهي عن ترك الطيب ونسبة فاعله إلى الاعتداء في قوله تعالى البخاري لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا وقد اختلف في النكاح ، فقال الشافعية : ليس عبادة ، ولهذا لو نذره لم ينعقد . وقال الحنفية : . والتحقيق أن الصورة التي يستحب فيها النكاح - كما سيأتي بيانه - تستلزم أن يكون حينئذ عبادة ، فمن نفى نظر إليه في حد ذاته ومن أثبت نظر إلى الصورة المخصوصة . ثم ذكر المصنف في الباب حديثين . هو عبادة
حديث أنس ، وهو من المتفق عليه لكن من طريقين إلى أنس .
قوله ( جاء ثلاثة رهط ) كذا في رواية حميد ، وفي رواية ثابت عند مسلم " أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " ولا منافاة بينهما فالرهط من ثلاثة إلى عشرة ، والنفر من ثلاثة إلى تسعة ، وكل منهما اسم جمع لا واحد له من لفظه . ووقع في مرسل عند سعيد بن المسيب عبد الرزاق أن الثلاثة المذكورين هم علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو بن العاص وعند وعثمان بن مظعون ابن مردويه من طريق الحسن العدني " كان علي في أناس ممن أرادوا أن يحرموا الشهوات فنزلت الآية في المائدة " ووقع في " أسباب الواحدي " بغير إسناد " أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبو ذر وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد وسلمان وعبد الله بن عمرو بن العاص ومعقل بن مقرن - في بيت عثمان بن مظعون ، فاتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم ولا يقربوا النساء ويجبوا مذاكيرهم " . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الناس وخوفهم ، فاجتمع عشرة من الصحابة - وهم
فإن كان هذا محفوظا احتمل أن يكون الرهط الثلاثة هم الذين باشروا السؤال فنسب ذلك إليهم بخصوصهم تارة ونسب تارة للجميع لاشتراكهم في طلبه ، ويؤيد أنهم كانوا أكثر من ثلاثة في الجملة ما روى مسلم من طريق سعيد بن هشام أنه " المدينة ، فأراد أن يبيع عقاره فيجعله في سبيل الله ، ويجاهد الروم حتى يموت ، فلقي ناسا بالمدينة فنهوه عن ذلك ، وأخبروه أن رهطا ستة أرادوا ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم ، فلما حدثوه ذلك راجع امرأته وكان قد طلقها " يعني بسبب ذلك ، لكن في عد قدم عبد الله بن [ ص: 7 ] عمرو معهم نظر ، لأن عثمان بن مظعون مات قبل أن يهاجر عبد الله فيما أحسب .
قوله ( يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ) في رواية مسلم عن علقمة " في السر " .
قوله ( كأنهم تقالوها ) بتشديد اللام المضمومة أي استقلوها ، وأصل تقالوها تقاللوها أي رأى كل منهم أنها قليلة .
قوله ( فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قد غفر الله له ) في رواية الحموي " قد غفر له " بضم أوله . والمعنى أن من لم يعلم بحصول ذلك له يحتاج إلى المبالغة في العبادة عسى أن يحصل ، بخلاف من حصل له ، لكن قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك ليس بلازم ، فأشار إلى هذا بأنه أشدهم خشية وذلك بالنسبة لمقام العبودية في جانب الربوبية ، وأشار في حديث والكشميهني عائشة والمغيرة - كما تقدم في صلاة الليل - إلى معنى آخر بقوله . أفلا أكون عبدا شكورا
قوله ( فقال أحدهم أما أنا فأنا أصلي الليل أبدا ) هو قيد لليل لا لأصلي ، وقوله "لا أتزوج أبدا " أكد المصلي ومعتزل النساء بالتأبيد ولم يؤكد الصيام لأنه لا بد له من فطر الليالي وكذا أيام العيد ، ووقع في رواية مسلم " ، وظاهره مما يؤكد زيادة عدد القائلين . لأن ترك أكل اللحم أخص من مداومة الصيام ، واستغراق الليل بالصلاة أخص من ترك النوم على الفراش . ويمكن التوفيق بضروب من التجوز . فقال بعضهم لا أتزوج النساء ، وقال بعضهم لا آكل اللحم ، وقال بعضهم لا أنام على الفراش
قوله ( فجاء إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنتم الذين قلتم ) في رواية مسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وقال : ما بال أقوام قالوا كذا ؟ ويجمع بأنه منع من ذلك عموما جهرا مع عدم تعيينهم وخصوصا فيما بينه وبينهم رفقا بهم وسترا لهم .
قوله ( أما والله ) بتخفيف الميم حرف تنبيه بخلاف قوله في أول الخبر أما أنا فإنها بتشديد الميم للتقسيم .
قوله ( إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ) فيه إشارة إلى رد ما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره ، فأعلمهم أنه مع كونه يبالغ في التشديد في العبادة أخشى لله وأتقى من الذين يشددون وإنما كان كذلك لأن المشدد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره وخير العمل ما داوم عليه صاحبه ، وقد أرشد إلى ذلك في قوله في الحديث الآخر " " وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى ، وتقدم في كتاب العلم شيء منه . المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى
قوله ( لكني ) استدراك من شيء محذوف دل عليه السياق أي أنا وأنتم بالنسبة إلى العبودية سواء ، لكن أنا أعمل كذا .
قوله ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض ، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره ، والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني ، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه ، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم وينام ليتقوى على القيام ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس . [ ص: 8 ] وتكثير النسل . وقوله فليس مني إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه فمعنى " فليس مني " أي على طريقتي ولا يلزم أن يخرج عن الملة وإن كان إعراضا وتنطعا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله فمعنى فليس مني ليس على ملتي لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر . وفي الحديث دلالة على ، وفيه فضل النكاح والترغيب فيه وأنه إذا تعذرت معرفته من الرجال جاز استكشافه من النساء ، وأن تتبع أحوال الأكابر للتأسي بأفعالهم لم يكن ذلك ممنوعا . وفيه من عزم على عمل بر واحتاج إلى إظهاره حيث يأمن الرياء وبيان الأحكام للمكلفين وإزالة الشبهة عن المجتهدين ، وأن تقديم الحمد والثناء على الله عند إلقاء مسائل العلم . المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب
وقال الطبري : فيه الرد على . قال من منع استعمال الحلال من الأطعمة والملابس وآثر غليظ الثياب وخشن المأكل عياض هذا مما اختلف فيه السلف فمنهم من نحا إلى ما قال الطبري ومنهم من عكس واحتج بقوله تعالى أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا قال والحق أن هذه الآية في الكفار وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالأمرين .
قلت : لا يدل ذلك لأحد الفريقين إن كان المراد المداومة على إحدى الصفتين ، والحق أن ملازمة استعمال الطيبات تفضي إلى الترفه والبطر ولا يأمن من الوقوع في الشبهات لأن من اعتاد ذلك قد لا يجده أحيانا فلا يستطيع الانتقال عنه فيقع في المحظور كما أن منع تناول ذلك أحيانا يفضي إلى التنطع المنهي عنه ويرد عليه صريح قوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق كما أن الأخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلا وترك التنفل يفضي إلى إيثار البطالة وعدم النشاط إلى العبادة وخير الأمور الوسط ، وفي قوله إني لأخشاكم لله مع ما انضم إليه إشارة إلى ذلك ، وفيه أيضا إشارة إلى أن ، والله أعلم . العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدرا من مجرد العبادة البدنية
وقال الفارسي : إذا قالوا نكح فلانة أو بنت فلان فالمراد العقد ، وإذا قالوا نكح زوجته فالمراد الوطء . وقال آخرون أصله لزوم شيء لشيء مستعليا عليه ، ويكون في المحسوسات وفي المعاني ، قالوا نكح المطر الأرض ونكح النعاس عينه ونكحت القمح في الأرض إذا حرثتها وبذرته فيها ونكحت الحصاة أخفاف الإبل . وفي الشرع حقيقة في العقد مجاز في الوطء على الصحيح .
والحجة في ذلك كثرة وروده في الكتاب والسنة للعقد حتى قيل إنه لم يرد في القرآن إلا للعقد ولا يرد مثل قوله حتى تنكح زوجا غيره لأن شرط الوطء في التحليل إنما ثبت بالسنة ، وإلا فالعقد لا بد منه لأن قوله حتى تنكح معناه حتى تتزوج أي يعقد عليها ، ومفهومه أن ذلك كاف بمجرده لكن بينت السنة أن لا عبرة بمفهوم الغاية ، بل لا بد بعد العقد من ذوق العسيلة ، كما أنه لا بد بعد ذلك من التطليق ثم العدة . نعم أفاد أن النكاح لم يرد في القرآن إلا للتزويج ، إلا في قوله تعالى أبو الحسين بن فارس وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن المراد به الحلم والله أعلم .
وفي وجه للشافعية - كقول الحنفية - إنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد ، وقيل مقول بالاشتراك على كل منهما ، وبه جزم الزجاجي ، وهذا الذي يترجح في نظري وإن كان أكثر ما يستعمل في العقد ، ورجح بعضهم الأول بأن أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباح ذكره ، فيبعد أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستفظعه لما لا يستفظعه ، فدل على أنه في الأصل للعقد ، وهذا يتوقف على تسليم المدعي أنها كلها كنايات . وقد جمع اسم النكاح ابن القطاع فزادت على الألف .
[ ص: 6 ] قوله ( باب ) لقوله تعالى الترغيب في النكاح فانكحوا ما طاب لكم من النساء زاد الأصيلي " الآية " ووجه الاستدلال أنها صيغة أمر تقتضي الطلب ، وأقل درجاته الندب فثبت الترغيب . وقال وأبو الوقت القرطبي : لا دلالة فيه ، لأن الآية سيقت لبيان ما يجوز الجمع بينه من أعداد النساء . ويحتمل أن يكون انتزع ذلك من الأمر بنكاح الطيب مع ورود النهي عن ترك الطيب ونسبة فاعله إلى الاعتداء في قوله تعالى البخاري لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا وقد اختلف في النكاح ، فقال الشافعية : ليس عبادة ، ولهذا لو نذره لم ينعقد . وقال الحنفية : . والتحقيق أن الصورة التي يستحب فيها النكاح - كما سيأتي بيانه - تستلزم أن يكون حينئذ عبادة ، فمن نفى نظر إليه في حد ذاته ومن أثبت نظر إلى الصورة المخصوصة . ثم ذكر المصنف في الباب حديثين . هو عبادة
حديث أنس ، وهو من المتفق عليه لكن من طريقين إلى أنس .
قوله ( جاء ثلاثة رهط ) كذا في رواية حميد ، وفي رواية ثابت عند مسلم " أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " ولا منافاة بينهما فالرهط من ثلاثة إلى عشرة ، والنفر من ثلاثة إلى تسعة ، وكل منهما اسم جمع لا واحد له من لفظه . ووقع في مرسل عند سعيد بن المسيب عبد الرزاق أن الثلاثة المذكورين هم علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو بن العاص وعند وعثمان بن مظعون ابن مردويه من طريق الحسن العدني " كان علي في أناس ممن أرادوا أن يحرموا الشهوات فنزلت الآية في المائدة " ووقع في " أسباب الواحدي " بغير إسناد " أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبو ذر وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد وسلمان وعبد الله بن عمرو بن العاص ومعقل بن مقرن - في بيت عثمان بن مظعون ، فاتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم ولا يقربوا النساء ويجبوا مذاكيرهم " . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الناس وخوفهم ، فاجتمع عشرة من الصحابة - وهم
فإن كان هذا محفوظا احتمل أن يكون الرهط الثلاثة هم الذين باشروا السؤال فنسب ذلك إليهم بخصوصهم تارة ونسب تارة للجميع لاشتراكهم في طلبه ، ويؤيد أنهم كانوا أكثر من ثلاثة في الجملة ما روى مسلم من طريق سعيد بن هشام أنه " المدينة ، فأراد أن يبيع عقاره فيجعله في سبيل الله ، ويجاهد الروم حتى يموت ، فلقي ناسا بالمدينة فنهوه عن ذلك ، وأخبروه أن رهطا ستة أرادوا ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم ، فلما حدثوه ذلك راجع امرأته وكان قد طلقها " يعني بسبب ذلك ، لكن في عد قدم عبد الله بن [ ص: 7 ] عمرو معهم نظر ، لأن عثمان بن مظعون مات قبل أن يهاجر عبد الله فيما أحسب .
قوله ( يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ) في رواية مسلم عن علقمة " في السر " .
قوله ( كأنهم تقالوها ) بتشديد اللام المضمومة أي استقلوها ، وأصل تقالوها تقاللوها أي رأى كل منهم أنها قليلة .
قوله ( فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قد غفر الله له ) في رواية الحموي " قد غفر له " بضم أوله . والمعنى أن من لم يعلم بحصول ذلك له يحتاج إلى المبالغة في العبادة عسى أن يحصل ، بخلاف من حصل له ، لكن قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك ليس بلازم ، فأشار إلى هذا بأنه أشدهم خشية وذلك بالنسبة لمقام العبودية في جانب الربوبية ، وأشار في حديث والكشميهني عائشة والمغيرة - كما تقدم في صلاة الليل - إلى معنى آخر بقوله . أفلا أكون عبدا شكورا
قوله ( فقال أحدهم أما أنا فأنا أصلي الليل أبدا ) هو قيد لليل لا لأصلي ، وقوله "لا أتزوج أبدا " أكد المصلي ومعتزل النساء بالتأبيد ولم يؤكد الصيام لأنه لا بد له من فطر الليالي وكذا أيام العيد ، ووقع في رواية مسلم " ، وظاهره مما يؤكد زيادة عدد القائلين . لأن ترك أكل اللحم أخص من مداومة الصيام ، واستغراق الليل بالصلاة أخص من ترك النوم على الفراش . ويمكن التوفيق بضروب من التجوز . فقال بعضهم لا أتزوج النساء ، وقال بعضهم لا آكل اللحم ، وقال بعضهم لا أنام على الفراش
قوله ( فجاء إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنتم الذين قلتم ) في رواية مسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وقال : ما بال أقوام قالوا كذا ؟ ويجمع بأنه منع من ذلك عموما جهرا مع عدم تعيينهم وخصوصا فيما بينه وبينهم رفقا بهم وسترا لهم .
قوله ( أما والله ) بتخفيف الميم حرف تنبيه بخلاف قوله في أول الخبر أما أنا فإنها بتشديد الميم للتقسيم .
قوله ( إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ) فيه إشارة إلى رد ما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره ، فأعلمهم أنه مع كونه يبالغ في التشديد في العبادة أخشى لله وأتقى من الذين يشددون وإنما كان كذلك لأن المشدد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره وخير العمل ما داوم عليه صاحبه ، وقد أرشد إلى ذلك في قوله في الحديث الآخر " " وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى ، وتقدم في كتاب العلم شيء منه . المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى
قوله ( لكني ) استدراك من شيء محذوف دل عليه السياق أي أنا وأنتم بالنسبة إلى العبودية سواء ، لكن أنا أعمل كذا .
قوله ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض ، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره ، والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني ، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه ، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم وينام ليتقوى على القيام ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس . [ ص: 8 ] وتكثير النسل . وقوله فليس مني إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه فمعنى " فليس مني " أي على طريقتي ولا يلزم أن يخرج عن الملة وإن كان إعراضا وتنطعا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله فمعنى فليس مني ليس على ملتي لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر . وفي الحديث دلالة على ، وفيه فضل النكاح والترغيب فيه وأنه إذا تعذرت معرفته من الرجال جاز استكشافه من النساء ، وأن تتبع أحوال الأكابر للتأسي بأفعالهم لم يكن ذلك ممنوعا . وفيه من عزم على عمل بر واحتاج إلى إظهاره حيث يأمن الرياء وبيان الأحكام للمكلفين وإزالة الشبهة عن المجتهدين ، وأن تقديم الحمد والثناء على الله عند إلقاء مسائل العلم . المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب
وقال الطبري : فيه الرد على . قال من منع استعمال الحلال من الأطعمة والملابس وآثر غليظ الثياب وخشن المأكل عياض هذا مما اختلف فيه السلف فمنهم من نحا إلى ما قال الطبري ومنهم من عكس واحتج بقوله تعالى أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا قال والحق أن هذه الآية في الكفار وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالأمرين .
قلت : لا يدل ذلك لأحد الفريقين إن كان المراد المداومة على إحدى الصفتين ، والحق أن ملازمة استعمال الطيبات تفضي إلى الترفه والبطر ولا يأمن من الوقوع في الشبهات لأن من اعتاد ذلك قد لا يجده أحيانا فلا يستطيع الانتقال عنه فيقع في المحظور كما أن منع تناول ذلك أحيانا يفضي إلى التنطع المنهي عنه ويرد عليه صريح قوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق كما أن الأخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلا وترك التنفل يفضي إلى إيثار البطالة وعدم النشاط إلى العبادة وخير الأمور الوسط ، وفي قوله إني لأخشاكم لله مع ما انضم إليه إشارة إلى ذلك ، وفيه أيضا إشارة إلى أن ، والله أعلم . العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدرا من مجرد العبادة البدنية