الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فلم تقتلوهم . الآيتين .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : فلم تقتلوهم قال : لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين قال هذا : قتلت . وهذا قتلت : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى قال : لمحمد صلى الله عليه وسلم حين حصب الكفار .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر عن قتادة في قوله : وما رميت إذ رميت قال : رماهم يوم بدر بالحصباء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : ما وقع من الحصباء شيء إلا في عين رجل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : وما رميت إذ رميت قال : هذا يوم بدر أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حصيات، فرمى بحصاة في ميمنة القوم وحصاة في ميسرة القوم وحصاة بين أظهرهم فقال : شاهت [ ص: 73 ] الوجوه . فانهزموا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن محكول قال : لما كر علي وحمزة على شيبة بن ربيعة غضب المشركون وقالوا : اثنان بواحد فاشتعل القتال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم إنك أمرتني بالقتال ووعدتني النصر ولا خلف لوعدك . وأخذ قبضة من حصى فرمى بها في وجوههم فانهزموا بإذن الله، فذلك قوله : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم والطبراني ، وابن مردويه عن حكيم بن حزام قال : لما كان يوم بدر، سمعنا صوتا وقع من السماء إلى الأرض كأنه صوت حصاة وقعت في طست، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك الحصيات وقال : شاهت الوجوه، فانهزمنا فذلك قول الله : وما رميت إذ رميت الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن جابر قال : سمعت صوت حصيات [ ص: 74 ] وقعن من السماء يوم بدر كأنهن وقعن في طست، فلما اصطف الناس أخذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرمى بهن في وجوه المشركين فانهزموا، فذلك قوله : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : وما رميت إذ رميت . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : ناولني قبضة من حصباء، فناوله فرمى بها في وجوه القوم، فما بقي أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء فنزلت هذه الآية : وما رميت إذ رميت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن محمد بن قيس ومحمد بن كعب القرظي قالا : لما دنا القوم بعضهم من بعض أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم، وقال : شاهت الوجوه، فدخلت في أعينهم كلهم، وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتلونهم ويأسرونهم، وكانت هزيمتهم في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله : وما رميت إذ رميت إلى قوله : سميع عليم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن سعيد بن [ ص: 75 ] المسيب قال : لما كان يوم أحد أخذ أبي بن خلف يركض فرسه، حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترض رجال من المسلمين لأبي بن خلف ليقتلوه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : استأخروا . فاستأخروا، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حربته في يده فرمى بها أبي بن خلف وكسر ضلعا من أضلاعه فرجع أبي بن خلف إلى أصحابه ثقيلا فاحتملوه حين ولوا قافلين، فطفقوا يقولون : لا بأس . فقال أبي حين قالوا ذلك له : والله لو كانت بالناس لقتلتهم ألم يقل : إني أقتلك إن شاء الله؟ فانطلق به أصحابه ينعشونه حتى مات ببعض الطريق فدفنوه . قال ابن المسيب : وفي ذلك أنزل الله : وما رميت إذ رميت الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب والزهري قالا : أنزلت في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبي بن خلف بالحربة وهو في لأمته فخدشه في ترقوته، فجعل يتدأدأ عن فرسه مرارا، حتى كانت وفاته بها بعد أيام قاسى فيها العذاب الأليم موصولا بعذاب البرزخ المتصل بعذاب الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 76 ] وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن الزهري في قوله : وما رميت إذ رميت قال : حيث رمى أبي بن خلف يوم أحد بحربته فقيل له : إن يك إلا جحش، قال : أليس قال : أنا أقتلك؟ والله لو قالها لجميع الخلق لماتوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - يوم ابن أبي الحقيق - دعا بقوس : فأتي بقوس طويلة فقال : جيئوني بقوس غيرها . فجاءوه بقوس كبداء، فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحصن فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق في فراشه فأنزل الله : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن إسحاق ، وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير في قوله : ولكن الله رمى أي لم يكن ذلك برميتك لولا الذي جعل الله من نصرك وما ألقى في صدور عدوك منها حتى هزمتهم : وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا أي : ليعرف المؤمنين من نعمته عليهم في إظهارهم على [ ص: 77 ] عدوهم، مع كثرة عدوهم وقلة عددهم ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا بذلك نعمته .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية