الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وما تنقم منا أي وما تكره منا شيئا ، ولا تطعن علينا إلا لأنا آمنا . ربنا أفرغ علينا صبرا قال مجاهد: على القطع والصلب حتى لا نرجع كفارا وتوفنا مسلمين أي: مخلصين على دين موسى .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: أتذر موسى وقومه هذا إغراء من الملإ لفرعون . وفيما أرادوا بالفساد في الأرض قولان . أحدهما: قتل أبناء القبط ، واستحياء نسائهم ، كما فعلوا ببني إسرائيل ، قاله مقاتل . والثاني: دعاؤهم الناس إلى مخالفة فرعون وترك عبادته . [ ص: 244 ] قوله تعالى: ويذرك جمهور القراء على نصب الراء; وقرأ الحسن برفعها . قاله الزجاج : من نصب "ويذرك" نصبه على جواب الاستفهام بالواو; والمعنى: أيكون منك أن تذر موسى وأن يذرك؟ ومن رفعه جعله مستأنفا ، فيكون المعنى: أتذر موسى وقومه ، وهو يذرك وآلهتك؟ والأجود أن يكون معطوفا على "أنذر" فيكون المعنى: أتذر موسى ، وأيذرك موسى؟ أي: أتطلق له هذا؟

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وآلهتك قال ابن عباس : كان فرعون قد صنع لقومه أصناما صغارا ، وأمرهم بعبادتها ، وقال أنا ربكم ورب هذه الأصنام ، فذلك قوله: أنا ربكم الأعلى [النازعات:24] . وقال غيره: كان قومه يعبدون تلك الأصنام تقربا إليه . وقال الحسن: كان يعبد تيسا في السر . وقيل: كان يعبد البقر سرا . وقيل: كان يجعل في عنقه شيئا يعبده . وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وأبو العالية ، وابن محيصن: "والإهتك" بكسر الهمزة وقصرها وفتح اللام وبألف بعدها . قال الزجاج : المعنى: ويذرك وربوبيتك وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: الإلاهة: العبادة; فالمعنى: ويذرك وعبادة الناس إياك . قال ابن قتيبة: من قرأ: "وإلاهتك" أراد: ويذرك والشمس التي تعبد ، وقد كان في العرب قوم يعبدون الشمس ويسمونها آلهة . قال الأعشى:


                                                                                                                                                                                                                                      فما أذكر الرهبة حتى انقلبت قبيل الآلهة منها قريبا



                                                                                                                                                                                                                                      يعني الشمس . والرهب: ناقته . يقول: اشتغلت بهذه المرأة عن ناقتي إلى هذا الوقت .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: سنقتل أبناءهم قرأ أبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: "سنقتل" و"يقتلون أبناءكم" [الأعراف: 141] بالتشديد ، [ ص: 245 ] وخفضهما نافع . وقرأ ابن كثير: "سنقتل" خفيفة ، "ويقتلون" مشددة . وإنما عدل عن قتل موسى إلى قتل الأبناء لعلمه أنه لا يقدر عليه . وإنا فوقهم قاهرون أي: عالون بالملك والسلطان . فشكا بنو إسرائيل إعادة القتل على أبنائهم ، فقال موسى: استعينوا بالله واصبروا على ما يفعل بكم إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده وقرأ الحسن ، وهبيرة عن حفص عن عاصم: "يورثها" بالتشديد . فأطعمهم موسى أن يعطيهم الله أرض فرعون وقومه بعد إهلاكهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: والعاقبة للمتقين فيها قولان . أحدهما: الجنة . والثاني: النصر والظفر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية