الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب النهس وانتشال اللحم

                                                                                                                                                                                                        5089 حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا حماد حدثنا أيوب عن محمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال تعرق رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفا ثم قام فصلى ولم يتوضأ وعن أيوب وعاصم عن عكرمة عن ابن عباس قال انتشل النبي صلى الله عليه وسلم عرقا من قدر فأكل ثم صلى ولم يتوضأ

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب النهش وانتشال اللحم ) النهش بفتح النون وسكون الهاء بعدها شين معجمة أو مهملة ، وهما بمعنى عند الأصمعي وبه جزم الجوهري ، وهو القبض على اللحم بالفم وإزالته عن العظم وغيره ، وقيل بالمعجمة هذا وبالمهملة تناوله بمقدم الفم ، وقيل النهس بالمهملة للقبض على اللحم ونتره عند الأكل ، قال شيخنا في " شرح الترمذي " الأمر فيه محمول على الإرشاد ، فإنه علله بكونه أهنأ وأمرأ أي أشد هناء ومراءة ، ويقال هنئ صار هنيئا ومرئ صار مريئا وهو أن لا يثقل على المعدة وينهضم عنها ، قال : ولم يثبت النهي عن قطع اللحم بالسكين بل ثبت الحز من الكتف ، فيختلف باختلاف اللحم كما إذا عسر نهشه بالسن قطع بالسكين ، وكذا إذا لم تحضر السكين ، وكذا يختلف بحسب العجلة والتأني والله أعلم . والانتشال بالمعجمة التناول والقطع والاقتلاع ، يقال نشلت اللحم من المرق أخرجته منه ، ونشلت اللحم إذا أخذت بيدك عضوا فتركت ما عليه ، وأكثر ما يستعمل في أخذ اللحم قبل أن ينضج ، ويسمى اللحم نشيلا ، وقال الإسماعيلي : ذكر الانتشال مع النهش ، والانتشال التناول والاستخراج ، ولا يسمى نهشا حتى يتناول من اللحم . قلت : فحاصله أن النهش بعد الانتشال ، ولم يقع في شيء من الطريقين اللذين ساقهما البخاري بلفظ النهش وإنما ذكره بالمعنى حيث قال " تعرق كتفا " أي تناول اللحم الذي عليه بفمه ، وهذا هـو النهش كما تقدم ، ولعل البخاري أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف الحديث الذي سأذكره في الباب الذي يلي الباب الذي بعد هذا في النهي عن قطع اللحم بالسكين .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( عن محمد ) هو ابن سيرين . ووقع منسوبا في رواية الإسماعيلي ، قال ابن بطال : لا يصح لابن سيرين سماع من ابن عباس ولا من ابن عمر . قلت : سبق إلى ذلك يحيى بن معين ، وكذا قال عبد الله بن أحمد عن أبيه : لم يسمع محمد بن سيرين من ابن عباس ، يقول : بلغنا . وقال ابن المديني قال شعبة : أحاديث محمد بن سيرين عن عبد الله بن عباس إنما سمعها من عكرمة ، لقيه أيام المختار . قلت : وكذا قال خالد الحذاء : كل شيء يقول ابن سيرين " ثبت عن ابن عباس " سمعه من عكرمة اهـ .

                                                                                                                                                                                                        واعتماد البخاري في هذا المتن إنما هـو على السند الثاني ، وقد ذكرت أن ابن الطباع أدخل في الأول عكرمة بين ابن سيرين وابن عباس ، وكأن البخاري أشار بإيراد السند الثاني إلى ما ذكرت من أن ابن سيرين لم يسمع من ابن عباس قلت : وما له في البخاري عن ابن عباس غير هذا الحديث ، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن عيسى بن الطباع عن حماد بن زيد فأدخل بين محمد بن سيرين وابن عباس عكرمة ، وإنما صح عنده لمجيئه بالطريق الأخرى الثانية فأورده على الوجه الذي سمعه .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 457 ] قوله ( تعرق رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفا ) في رواية عطاء بن يسار عن ابن عباس كما تقدم في الطهارة " أكل كتفا " وعند مسلم من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس " أتي النبي صلى الله عليه وسلم بهدية خبز ولحم فأكل ثلاث لقم " الحديث ، فأفادت تعيين جهة اللحم ومقدار ما أكل منه .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وعن أيوب ) هو معطوف على السند الذي قبله ، وأخطأ من زعم أنه معلق . وقد أورده أبو نعيم في " المستخرج " من طريق الفضل بن الحباب عن الحجبي وهو عبد الله بن عبد الوهاب شيخ البخاري فيه بالسند المذكور ، حاصله أن الحديث عند حماد بن زيد عن أيوب بسندين على لفظين : أحدها عن ابن سيرين باللفظ الأول ، والثاني عنه عن عكرمة وعاصم الأحول باللفظ الثاني ، ومفاد الحديثين واحد وهو ترك إيجاب الوضوء مما مست النار ، قال الإسماعيلي : وصله إبراهيم بن زياد وأحمد بن إبراهيم الموصلي وعارم ويحيى بن غيلان والحوضي كلهم عن حماد بن زيد ، وأرسله محمد بن عبيد بن حساب فلم يذكر فيه ابن عباس . قلت : ووصله صحيح اتفاقا لأنهم أكثر وأحفظ وقد وصلوا وأرسل فالحكم لهم عليه ، وقد وصله آخرون غير من سمي عن حماد بن زيد ، والله أعلم




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية