الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وإذ يرفع إبراهيم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : القواعد أساس البيت .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 654 ] وأخرج أحمد، وعبد بن حميد ، والبخاري ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والجندي، وابن مردويه ، والحاكم ، والبيهقي في “ الدلائل “ عن سعيد بن جبير أنه قال : سلوني يا معشر الشباب، فإني قد أوشكت أن أذهب من بين أظهركم . فأكثر الناس مسألته فقال له رجل : أصلحك الله أرأيت المقام؟ أهو كما نتحدث؟ قال : وما كنت تتحدث؟ قال : كنا نقول : أن إبراهيم حين جاء عرضت عليه امرأة إسماعيل النزول، فأبى أن ينزل فجاءت بهذا الحجر، فقال : ليس كذلك، فقال سعيد بن جبير : قال ابن عباس : إن أول ما اتخذ النساء المناطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل فقالت : يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها، قالت له : آلله أمرك بهذا؟ قال : نعم، قالت : إذن لا يضيعنا . ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى [ ص: 655 ] إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه قال : ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون [ إبراهيم : 37 ] وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت، وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى- أو قال : يتلبط- فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس بينهما . فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت : صه . تريد نفسها ثم تسمعت، فسمعت أيضا فقالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث - فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه - أو قال بجناحه - حتى ظهر الماء فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهي [ ص: 656 ] تفور بعدما تغرف، قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم - أو قال - لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا . فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك : لا تخافي الضيعة فإن ههنا بيتا لله عز وجل يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية، تأتيه السيول، فتأخذ عن يمينه وعن شماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم، أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائرا عائفا فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على الماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا . قال : وأم إسماعيل عند الماء . فقالوا : أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت : نعم، ولكن لا حق لكم في الماء . قالوا : نعم، قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس . فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوجوه امرأة [ ص: 657 ] منهم، وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل زوجته عنه، فقالت : خرج يبتغي لنا . ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت : نحن بشر، نحن في ضيق وشدة . وشكت إليه قال : إذا جاء زوجك، فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه .

                                                                                                                                                                                                                                      فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا، فقال : هل جاءكم من أحد؟ قالت : نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة، قال : فهل أوصاك بشيء؟ قالت : نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول : غير عتبة بابك . قال : ذاك أبي، وأمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك، فطلقها وتزوج منهم أخرى .

                                                                                                                                                                                                                                      فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد ذلك، فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت : خرج يبتغي لنا . قال : كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت : نحن بخير وسعة . وأثنت على الله، فقال : ما طعامكم؟ قالت : اللحم . قال : فما شرابكم؟ قالت : الماء . قال : اللهم بارك لهم في اللحم والماء .

                                                                                                                                                                                                                                      قال النبي صلى الله عليه وسلم : ولم يكن لهم يومئذ حب، ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال : فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه . قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومريه يثبت عتبة بابه . فلما جاء إسماعيل قال : [ ص: 658 ] هل أتاكم من أحد؟ قالت : نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة -وأثنت عليه- فسألني عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير، قال : أما أوصاك بشيء؟ قالت : نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك . قال : ذاك أبي وأنت العتبة، وأمرني أن أمسكك .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا تحت دوحة قريبا من زمزم، فما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الولد بالوالد، والوالد بالولد ثم قال : يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال : فاصنع ما أمرك، قال : وتعينني ؟ قال : وأعينك، قال : فإن الله يأمرني أن أبني ههنا بيتا . وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها . قال : فعند ذلك رفع القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر، فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم


                                                                                                                                                                                                                                      قال معمر : وسمعت رجلا يقول : كان إبراهيم يأتيهم على البراق . قال معمر : وسمعت رجلا يذكر أنهما حين التقيا بكيا حتى أجابتهما الطير .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد في " الطبقات " عن أبي جهم بن حذيفة بن غانم قال : أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم يأمره بالمسير إلى بلده الحرام، فركب إبراهيم [ ص: 659 ] البراق وجعل إسماعيل أمامه وهو ابن ستين، وهاجر خلفه، ومعه جبريل عليه السلام يدله على موضع البيت، حتى قدم به مكة، فأنزل إسماعيل وأمه إلى جانب البيت، ثم انصرف إبراهيم إلى الشام، ثم أوحى الله إلى إبراهيم أن يبني البيت، وهو يومئذ ابن مائة سنة، وإسماعيل يومئذ ابن ثلاثين فبناه معه، وتوفي إسماعيل بعد أبيه، فدفن داخل الحجر مما يلي الكعبة مع أمه هاجر، وولي نابت بن إسماعيل البيت بعد أبيه مع أخواله جرهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الديلمي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت الآية، قال جاءت سحابة على تربيع البيت لها رأس يتكلم : ارتفاع البيت على تربيعي . فرفعاه على تربيعه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وإسحاق بن راهويه في " مسنده "، وعبد بن حميد والحارث بن أبي أسامة، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والأزرقي، والحاكم وصححه، والبيهقي في “ الدلائل “ من طريق خالد بن عرعرة، عن علي بن [ ص: 660 ] أبي طالب، أن رجلا قال له : ألا تخبرني عن البيت أهو أول بيت وضع في الأرض؟ قال : لا ولكنه أول بيت وضع للناس فيه البركة والهدى ومقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنا . ثم حدث أن إبراهيم لما أمر ببناء البيت ضاق به ذرعا، فلم يدر كيف يبنيه، فأرسل الله إليه السكينة - وهي ريح خجوج ولها رأسان - فتطوقت له على موضع البيت كالحجفة، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة، فبنى إبراهيم، فلما بلغ موضع الحجر قال لإسماعيل : اذهب فالتمس لي حجرا أضعه ههنا، فذهب إسماعيل يطوف في الجبال، فنزل جبريل بالحجر فوضعه، فجاء إسماعيل فقال : من أين هذا الحجر؟ قال : جاء به من لم يتكل على بنائي ولا بنائك، فلبث ما شاء الله أن يلبث ثم انهدم، فبنته العمالقة، ثم انهدم، فبنته جرهم، ثم انهدم فبنته قريش، فلما أرادوا أن يضعوا الحجر تشاحوا في وضعه، فقالوا : أول من يخرج من هذا الباب فهو يضعه . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل باب بني شيبة فأمر بثوب فبسط فأخذ الحجر فوضعه في وسطه، وأمر من كل فخذ من أفخاذ قريش رجلا يأخذ بناحية الثوب، فرفعوه فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فوضعه في موضعه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 661 ] وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والأزرقي، والحاكم من طريق سعيد بن المسيب، عن علي، قال : أقبل إبراهيم على إرمينية ومعه السكينة تدل على موضع البيت، كما تتبوأ العنكبوت بيتها، فحفر من تحت السكينة، فأبدى عن قواعد البيت ما يحرك القاعدة منها دون ثلاثين رجلا، قلت : يا أبا محمد فإن الله يقول : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت قال : كان ذلك بعد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : يرفع إبراهيم القواعد قال : القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والجندي، عن عطاء قال : قال آدم : أي رب، ما لي لا أسمع أصوات الملائكة؟ قال : لخطيئتك ولكن اهبط إلى الأرض فابن لي بيتا، ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف ببيتي الذي في السماء، فزعم الناس أنه بناه من خمسة أجبل، من حراء ولبنان وطور زيتا [ ص: 662 ] وطور سيناء والجودي، فكان هذا بناء آدم حتى بناه إبراهيم بعد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال : لما أهبط الله آدم من الجنة قال : إني مهبط معك بيتا يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي . فلما كان زمن الطوفان رفعه الله إليه، فكانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه، حتى بوأه الله بعد لإبراهيم وأعلمه مكانه، فبناه من خمسة أجبل ؛ حراء ولبنان وثبير وجبل الطور، وجبل الخمر؛ وهو جبل ببيت المقدس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ في “ العظمة “ عن ابن عباس قال : وضع البيت على أركان الماء، على أربعة أركان، قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الأرض من تحت البيت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، والأزرقي في " تاريخ مكة " والجندي عن مجاهد قال : خلق الله موضع البيت الحرام من قبل أن يخلق شيئا من الأرض بألفي سنة، وأركانه في الأرض السابعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن علباء بن أحمر أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان قواعد البيت من خمسة أجبل فقال : ما لكما [ ص: 663 ] ولأرضي؟ فقالا : نحن عبدان مأموران أمرنا ببناء هذه الكعبة . قال : فهاتا بالبينة على ما تدعيان، فقام خمسة أكبش فقلن : نحن نشهد أن إبراهيم وإسماعيل عبدان مأموران، أمرا ببناء هذه الكعبة . فقال : قد رضيت وسلمت . ثم مضى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن الحرم حرم بحياله إلى العرش، وذكر لنا أن البيت هبط مع آدم حين هبط، قال الله له : أهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي . فطاف آدم حوله ومن كان بعده من المؤمنين، حتى إذا كان زمن الطوفان حين أغرق الله قوم نوح رفعه وطهره، فلم تصبه عقوبة أهل الأرض، فتتبع منه آدم أثرا فبناه على أساس قديم كان قبله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال : بني البيت من أربعة أجبل، من حراء وطور زيتا وطور سيناء ولبنان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في “ الدلائل “ عن السدي قال : خرج آدم من الجنة ومعه حجر في يده وورق في الكف الآخر، فبث الورق في الهند، فمنه ما ترون من الطيب، وأما الحجر فكان ياقوتة بيضاء يستضاء بها، فلما بنى إبراهيم البيت فبلغ موضع الحجر قال لإسماعيل : ائتني بحجر أضعه ههنا، فأتاه بحجر من الجبل فقال : غير هذا، فرده مرارا لا يرضى ما يأتيه به، فذهب مرة، وجاء جبريل عليه [ ص: 664 ] السلام بحجر من الهند الذي خرج به آدم من الجنة، فوضعه، فلما جاء إسماعيل قال : من جاءك بهذا؟ قال : من هو أنشط منك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الثعلبي قال : سمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن حبيب يقول : سمعت أبا بكر محمد بن محمد بن أحمد القطان البلخي -وكان عالما بالقرآن- يقول : كان إبراهيم عليه السلام يتكلم بالسريانية، وإسماعيل عليه السلام يتكلم بالعربية، وكل واحد منهما يعرف ما يقول صاحبه ولا يمكنه التفوه به، فكان إبراهيم يقول لإسماعيل عليه السلام : هل لي كبيبا - يعني ناولني حجرا - ويقول له إسماعيل : هاك الحجر فخذه، قال : فبقي موضع حجر، فذهب إسماعيل يبغيه، فجاء جبريل عليه السلام بحجر من السماء فأتى إسماعيل وقد ركب إبراهيم الحجر في موضعه، فقال : يا أبه من أتاك بهذا في موضعه؟ قال : أتاني به من لم يتكل على بنائك . فأتما البيت، فذلك قوله عز وجل : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن ابن شهاب قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلم أجمرت امرأة الكعبة، فطارت شرارة من مجمرتها في ثياب الكعبة، فاحترقت فهدموها، حتى إذا بنوها فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن، أي القبائل تلي رفعه؛ فقالوا : تعالوا نحكم أول من يطلع علينا، فطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام، عليه وشاح نمرة، فحكموه فأمر بالركن، فوضع في ثوب، ثم [ ص: 665 ] أخرج سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية من الثوب، ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن فكان هو يضعه، ثم طفق لا يزداد على السن إلا رضا، حتى دعوه الأمين قبل أن ينزل عليه الوحي، فطفقوا لا ينحرون جزورا إلا التمسوه فيدعو لهم فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الوليد الأزرقي في " تاريخ مكة " عن سعيد بن المسيب قال : قال كعب الأحبار : كانت الكعبة غثاء على الماء قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بأربعين سنة ومنها دحيت الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : خلق الله هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرضين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : لما كان العرش على الماء قبل أن يخلق الله السماوات والأرض، بعث الله تعالى ريحا هفافة فصفقت الريح الماء، فأبرزت عن حشفة في موضع البيت كأنها قبة، فدحا الله الأرض من تحتها، فمادت ثم مادت، فأوتدها الله بالجبال، فكان أول جبل وضع فيه أبو قبيس؛ فلذلك سميت أم القرى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : كان البيت على أربعة أركان في [ ص: 666 ] الماء قبل أن تخلق السماوات والأرض، فدحيت الأرض من تحته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : دحيت الأرض من تحت الكعبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن علي بن الحسين، أن رجلا سأله : ما بدء هذا الطواف بهذا البيت؟ لم كان وأنى كان وحيث كان؟ فقال : بدء هذا الطواف بهذا البيت، فإن الله تعالى قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة فقالت الملائكة : أي رب، أخليفة من غيرنا ممن يفسد فيها ويسفك الدماء ويتحاسدون ويتباغضون ويتباغون؟ أي رب، اجعل ذلك الخليفة منا، فنحن لا نفسد فيها، ولا نسفك الدماء، ولا نتباغض، ولا نتحاسد، ولا نتباغى، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ونطيعك ولا نعصيك، قال الله تعالى إني أعلم ما لا تعلمون [ البقرة : 30 ] قال : فظنت الملائكة أن ما قالوا رد على ربهم عز وجل وأنه قد غضب عليهم من قولهم، فلاذوا بالعرش، ورفعوا رءوسهم، وأشاروا بالأصابع يتضرعون ويبكون، إشفاقا لغضبه، فطافوا بالعرش ثلاث ساعات، فنظر الله إليهم، فنزلت الرحمة عليهم، فوضع الله سبحانه تحت العرش بيتا على أربع أساطين من زبرجد، وغشاهن بياقوتة حمراء، وسمى البيت الضراح ثم قال الله للملائكة : طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش . فطافت [ ص: 667 ] الملائكة بالبيت وتركوا العرش، فصار أهون عليهم وهو البيت المعمور الذي ذكره الله، يدخله كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبدا، ثم إن الله تعالى بعث ملائكته فقال : ابنوا لي بيتا في الأرض بمثاله وقدره . فأمر الله سبحانه من في الأرض من خلقه أن يطوفوا بهذا البيت كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ليث بن معاذ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا البيت خامس خمسة عشر بيتا؛ سبعة منها في السماء، وسبعة منها إلى تخوم الأرض السفلى، وأعلاها الذي يلي العرش؛ البيت المعمور لكل بيت منها حرم كحرم هذا البيت، لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض إلى تخوم الأرض السفلى، ولكل بيت من أهل السماء ومن أهل الأرض من يعمره كما يعمر هذا البيت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن عمرو بن يسار المكي قال : بلغني أن الله إذا أراد أن يبعث ملكا من الملائكة لبعض أموره في الأرض، استأذنه ذلك الملك في الطواف ببيته، فهبط الملك مهلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، والأزرقي عن وهب بن منبه، قال : لما تاب الله على [ ص: 668 ] آدم أمره أن يسير إلى مكة فطوى له المفاوز والأرض فصار كل مفازة يمر بها خطوة، وقبض له ما كان فيها من مخاض أو بحر فجعله له خطوة، فلم يضع قدمه في شيء من الأرض، إلا صار عمرانا وبركة حتى انتهى إلى مكة، وكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه وحزنه، لما كان به من عظم المصيبة، حتى إن كانت الملائكة لتبكي لبكائه وتحزن لحزنه، فعزاه الله بخيمة من خيام الجنة، وضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة، وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة، فيها ثلاثة قناديل من ذهب، فيها نور يلتهب من نور الجنة، ونزل معها يومئذ الركن وهو يومئذ ياقوتة بيضاء من ربض الجنة، وكان كرسيا لآدم يجلس عليه، فلما صار آدم بمكة حرسه الله وحرس له تلك الخيمة بالملائكة، كانوا يحرسونها ويذودون عنها سكان الأرض، وساكنها يومئذ الجن والشياطين، ولا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة؛ لأنه من نظر إلى شيء من الجنة وجبت له، والأرض يومئذ طاهرة نقية طيبة لم تنجس ولم يسفك فيها الدم، ولم يعمل فيها بالخطايا، فلذلك جعلها الله مسكن الملائكة وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون .

                                                                                                                                                                                                                                      وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفا واحدا مستديرين بالحرم كله، الحل من خلفهم والحرم كله من أمامهم، [ ص: 669 ] ولا يجوزهم جني ولا شيطان ومن أجل مقام الملائكة حرم الحرم حتى اليوم، ووضعت أعلامه حيث كان مقام الملائكة وحرم الله على حواء دخول الحرم والنظر إلى خيمة آدم؛ من أجل خطيئتها التي أخطأت في الجنة، فلم تنظر إلى شيء من ذلك حتى قبضت، وإن آدم إذا أراد لقاءها ليلة، ليلم بها للولد خرج من الحرم كله حتى يلقاها، فلم تزل خيمة آدم مكانها حتى قبض الله آدم، ورفعها إليه، وبنى بنو آدم بها من بعدها مكانها بيتا بالطين والحجارة، فلم يزل معمورا يعمرونه ومن بعدهم حتى كان زمن نوح فنسفه الغرق وخفي مكانه، فلما بعث الله إبراهيم خليله طلب الأساس الأول الذي وضع بنو آدم في موضع الخيمة، فلم يزل يحفر حتى وصل إلى القواعد التي وضع بنو آدم في موضع الخيمة، فلما وصل إليها ظلل الله له مكان البيت بغمامة فكانت حفاف البيت الأول، ثم لم تزل راكدة على حفافه تظل إبراهيم وتهديه مكان القواعد حتى رفع القواعد قامة، ثم انكشفت الغمامة، فذلك قوله عز وجل وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت [ الحج : 26 ] للغمامة التي ركدت على الحفاف لتهديه مكان القواعد، فلم يزل بحمد الله مذ رفعه الله معمورا . قال وهب بن منبه : وقرأت في كتاب من كتب الأول ذكر فيه أمر الكعبة فوجد فيه : أن [ ص: 670 ] ليس من ملك بعثه الله إلى الأرض إلا أمره بزيارة البيت، فينقض من عند العرش محرما ملبيا حتى يستلم الحجر، ثم يطوف سبعا بالبيت ويصلي في جوفه ركعتين، ثم يصعد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الجندي في " فضائل مكة " عن وهب بن منبه قال : ما بعث الله ملكا قط ولا سحابة فيمر حيث بعث حتى يطوف بالبيت، ثم يمضي حيث أمر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في “ الدلائل “ عن ابن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بعث الله جبريل إلى آدم وحواء ، فقال لهما : ابنيا لي بيتا، فخط لهما جبريل ، فجعل آدم يحفر وحواء تنقل حتى أجابه الماء، نودي من تحته : حسبك يا آدم . فلما بنياه أوحى الله إليه : أن يطوف به، وقيل له : أنت أول الناس، وهذا أول بيت . ثم تناسخت القرون حتى حجة نوح ثم تناسخت القرون حتى رفع إبراهيم القواعد منه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن إسحاق ، والأزرقي ، والبيهقي في “ الدلائل “ عن عروة قال : ما من نبي إلا وقد حج البيت، إلا ما كان من هود وصالح، ولقد حجه نوح ، فلما كان في الأرض ما كان من الغرق، أصاب البيت ما أصاب الأرض، وكان البيت ربوة حمراء، فبعث الله عز وجل هودا، فتشاغل بأمر قومه حتى قبضه الله [ ص: 671 ] إليه، فلم يحجه حتى مات، فلما بوأه الله لإبراهيم عليه السلام حجه ثم لم يبق نبي بعده إلا حجه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في “ الزهد “ عن مجاهد قال : حج البيت سبعون نبيا، منهم موسى بن عمران، عليه عباءتان قطوانيتان، ومنهم يونس، يقول : لبيك كاشف الكرب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي ، وأبو الشيخ في “ العظمة “، وابن عساكر عن ابن عباس قال : لما أهبط الله آدم إلى الأرض من الجنة، كان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وهو مثل الفلك من رعدته فطأطأ الله منه إلى ستين ذراعا، فقال : يا رب ما لي لا أسمع أصوات الملائكة ولا حسهم؟ قال : خطيئتك يا آدم ، ولكن اذهب فابن لي بيتا فطف به، واذكرني حوله كنحو ما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي . فأقبل آدم يتخطى فطويت له الأرض، وقبض الله له المفاوز، فصارت كل مفازة يمر بها خطوة، وقبض الله ما كان فيها من مخاض أو بحر، فجعله له خطوة، ولم يقع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمرانا وبركة، حتى [ ص: 672 ] انتهى إلى مكة فبنى البيت الحرام، وإن جبريل عليه السلام ضرب بجناحه الأرض، فأبرز عن أس ثابت على الأرض السابعة، فقذفت فيه الملائكة الصخر، ما يطيق الصخرة منها ثلاثون رجلا، وإنه بناه من خمسة أجبل، من لبنان، وطور زيتا، وطور سيناء، والجودي، وحراء، حتى استوى على وجه الأرض، فكان أول من أسس البيت وصلى فيه وطاف آدم عليه السلام، حتى بعث الله الطوفان، فكان غضبا ورجسا، فحيثما انتهى الطوفان ذهب ريح آدم عليه السلام، ولم يقرب الطوفان أرض السند والهند فدرس موضع البيت في الطوفان، حتى بعث الله إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فرفعا قواعده وأعلامه، ثم بنته قريش بعد ذلك، وهو بحذاء البيت المعمور، لو سقط ما سقط إلا عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : لما أهبط الله آدم إلى الأرض أهبطه إلى موضع البيت الحرام، وهو مثل الفلك من رعدته، ثم أنزل عليه الحجر الأسود وهو يتلألأ من شدة بياضه، فأخذه آدم فضمه إليه أنسا به، ثم نزل عليه العصا فقيل له : تخط يا آدم فتخطى، فإذا هو بأرض الهند والسند فمكث بذلك ما شاء الله، ثم استوحش إلى الركن، فقيل له : احجج .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 673 ] فحج فلقيته الملائكة فقالوا : بر حجك يا آدم ، ولقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن أبان، أن البيت أهبط ياقوتة واحدة أو درة واحدة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان البيت من ياقوتة حمراء ويقولون : من زمردة خضراء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن عطاء بن أبي رباح قال : لما بنى ابن الزبير الكعبة أمر العمال أن يبلغوا في الأرض، فبلغوا صخرا أمثال الإبل الخلف، قال زيد : فاحفروا، فلما زادوا بلغوا هواء من نار يلقاهم، فقال : ما لكم ؟ قالوا : لسنا نستطيع أن نزيد؛ رأينا أمرا عظيما، فقال لهم : ابنوا عليه، قال عطاء : يرون أن ذلك الصخر مما بنى آدم عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن عبيد الله بن أبي زياد قال : لما أهبط الله آدم من الجنة قال : يا آدم ابن لي بيتا بحذاء بيتي الذي في السماء تتعبد فيه أنت وولدك كما يتعبد ملائكتي حول عرشي . فهبطت عليه الملائكة فحفر حتى بلغ الأرض السابعة، فقذفت فيه الملائكة الصخر حتى أشرف على وجه الأرض، [ ص: 674 ] وهبط آدم بياقوتة حمراء مجوفة لها أربعة أركان بيض، فوضعها على الأساس فلم تزل الياقوتة كذلك حتى كان زمن الغرق فرفعها الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال : حدثت أن " آدم عليه السلام خرج حتى قدم مكة ، فبنى البيت، فلما فرغ من بنائه، قال : أي رب، إن لكل أجير أجرا، وإن لي أجرا، قال : نعم، فسلني، قال : أي رب، تردني من حيث أخرجتني، قال : نعم، ذلك لك، قال : أي رب، ومن خرج إلى هذا البيت من ذريتي يقر على نفسه بمثل الذي قررت به من ذنوبي، أن تغفر له . قال : نعم، ذلك لك " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي وأبو الشيخ في " العظمة "، عن محمد بن المنكدر ، قال : كان أول شيء عمله آدم حين أهبط من السماء، طاف بالبيت، فلقيته الملائكة، فقالوا : بر نسكك يا آدم ، طفنا بهذا البيت قبلك بألفي سنة " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال : أخبرني سعيد أن آدم عليه السلام حج على رجليه سبعين حجة ماشيا، وأن الملائكة لقيته بالمأزمين فقالوا : بر حجك يا آدم ، أما إنا قد حججنا قبلك بألفي عام .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 675 ] وأخرج الأزرقي عن مقاتل يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أن آدم عليه السلام قال : أي رب إني أعرف شقوتي لا أرى شيئا من نورك يعبد، فأنزل الله عليه البيت المعمور على عرض البيت، وموضعه من ياقوت الجنة، ولكن طوله ما بين السماء والأرض، وأمره أن يطوف به، فأذهب عنه الهم الذي كان قبل ذلك، ثم رفع على عهد نوح عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي من طريق ابن جريج عن مجاهد ، قال : بلغني أنه لما خلق الله السماوات والأرض كان أول شيء وضعه فيها البيت الحرام، وهو يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان : أحدهما شرقي، والآخر غربي، فجعله مستقبل البيت المعمور، فلما كان زمن الغرق رفع في ديباجتين، فهو فيهما إلى يوم القيامة، واستودع الله الركن أبا قبيس . قال : وقال ابن عباس : " كان ذهبا فرفع في زمان الغرق . قال ابن جريج، قال جويبر : كان بمكة البيت المعمور، فرفع زمان الغرق، فهو في السماء . " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 676 ] وأخرج الأزرقي ، عن عروة بن الزبير قال : بلغني أن البيت وضع لآدم عليه السلام يطوف به، ويعبد الله عنده، وأن نوحا قد حجه، وجاءه، وعظمه قبل الغرق، فلما أصاب الأرض من الغرق، حين أهلك الله قوم نوح ، أصاب البيت ما أصاب الأرض من الغرق، فكان ربوة حمراء، معروف مكانها، فبعث الله هودا إلى عاد، فتشاغل بأمر قومه، حتى هلك ولم يحجه، ثم بعث الله صالحا إلى ثمود، فتشاغل حتى هلك، ولم يحجه، ثم بوأه الله لإبراهيم عليه السلام، فحجه، وعلم مناسكه، ودعا إلى زيارته، ثم لم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم إلا حجه " .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج الأزرقي عن أبي قلابة، قال " قال الله لآدم : إني مهبط معك بيتي، يطاف حوله، كما يطاف حول عرشي، ويصلى عنده، كما يصلى عند عرشي، فلم يزل حتى كان زمن الطوفان، فرفع، حتى بوئ لإبراهيم مكانه، فبناه من خمسة أجبل من حراء، وثبير، ولبنان، والطور، والجبل الأحمر " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الجندي عن معمر قال : إن سفينة نوح طافت بالبيت سبعا، حتى إذا أغرق الله قوم نوح رفعه وبقي أساسه، فبوأه الله لإبراهيم فبناه بعد ذلك، وذلك قوله تعالى : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل واستودع الركن أبا قبيس حتى إذا كان بناء إبراهيم نادى أبو قبيس إبراهيم فقال : يا إبراهيم هذا الركن، فحفر عنه فجعله في البيت حين بناه إبراهيم عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 677 ] وأخرج الأصبهاني في " ترغيبه "، وابن عساكر عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أوحى الله إلى آدم أن يا آدم ، حج هذا البيت قبل أن يحدث بك حدث قال : وما يحدث علي يا رب؟ قال : ما لا تدري وهو الموت . قال : وما الموت؟ قال : سوف تذوق . قال : ومن أستخلف في أهلي؟ قال : اعرض ذلك على السماوات والأرض والجبال، فعرض على السماوات فأبت، وعرض على الأرض فأبت، وعرض على الجبال فأبت، وقبله ابنه قاتل أخيه، فخرج آدم من أرض الهند حاجا، فما نزل منزلا أكل فيه وشرب إلا صار عمرانا بعده وقرى حتى قدم مكة فاستقبلته الملائكة بالبطحاء فقالوا : السلام عليك يا آدم ، بر حجك، أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والبيت يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان، من يطوف يرى من في جوف البيت، ومن في جوف البيت يرى من يطوف، فقضى آدم نسكه فأوحى الله إليه : يا آدم قضيت نسكك؟ قال : نعم يا رب . قال : فسل حاجتك تعط . قال : حاجتي أن تغفر لي ذنبي وذنب ولدي . قال : أما ذنبك يا آدم فقد غفرناه حين وقعت بذنبك، وأما ذنب ولدك فمن عرفني وآمن بي وصدق رسلي وكتابي غفرنا له ذنبه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن خزيمة ، وأبو الشيخ في “ العظمة “ والديلمي [ ص: 678 ] عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن آدم أتى هذا البيت ألف أتية لم يركب قط فيهن، من الهند على رجليه، من ذلك ثلاثمائة حجة وسبعمائة عمرة، وأول حجة حجها آدم وهو واقف بعرفات أتاه جبريل ، فقال : يا آدم بر نسكك أما إنا قد طفنا بهذا البيت قبل أن تخلق بخمسين ألف سنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : أول من طاف بالبيت الملائكة، وإن ما بين الحجر إلى الركن اليماني لقبور من قبور الأنبياء، كان النبي إذا آذاه قومه خرج من بين أظهرهم فعبد الله فيها حتى يموت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي ، والبيهقي في " شعب الإيمان " عن وهب بن منبه ، أن آدم لما هبط إلى الأرض استوحش فيها لما رأى من سعتها، ولم ير فيها أحدا غيره، فقال : يا رب ! أما لأرضك هذه عامر يسبحك فيها، ويقدس لك غيري ؟ قال الله : إني سأجعل فيها من ذريتك من يسبح بحمدي، ويقدس لي، وسأجعل فيها بيوتا، ترفع لذكري، فيسبحني فيها خلقي، وسأبوؤك فيها بيتا أختاره لنفسي، وأختصه بكرامتي، وأوثره على بيوت الأرض كلها باسمي، وأسميه بيتي، وأنظمه بعظمتي، وأجوزه بحرمتي، وأجعله أحق البيوت كلها وأولاها [ ص: 679 ] بذكري، وأضعه في البقعة المباركة التي اخترت لنفسي، فإني اخترت مكانه يوم خلقت السماوات والأرض، وقبل ذلك قد كان بغيتي، فهو صفوتي من البيوت، ولست أسكنه، وليس ينبغي لي أن أسكن البيوت، ولا ينبغي لها أن تحملني، أجعل ذلك البيت لك، ولمن بعدك حرما وأمنا، أحرم بحرمته ما فوقه، وما تحته، وما حوله، فمن حرمه بحرمتي فقد عظم حرمتي، ومن أحله فقد أباح حرمتي، من أمن أهله فقد استوجب بذلك أماني، ومن أخافهم فقد أخفرني في ذمتي، ومن عظم شأنه فقد عظم في عيني، ومن تهاون به صغر عندي، ولكل ملك حيازة، وبطن مكة حوزتي التي حزت لنفسي دون خلقي، فأنا الله ذو بكة، أهلها خفرتي، وجيران بيتي، وعمارها وزوارها وفدي وأضيافي في كنفي وضماني وذمتي وجواري، أجعله أول بيت وضع للناس، وأعمره بأهل السماء، وأهل الأرض، يأتونه أفواجا شعثا غبرا، على كل ضامر يأتين من كل فج عميق، يعجون بالتكبير عجيجا، ويرجون بالتلبية رجيجا، فمن اعتمره لا يريد غيري فقد زارني وضافني ووفد إلي، ونزل بي، فحق لي أن أتحفه بكرامتي، وحق الكريم أن يكرم وفده وأضيافه وزواره، وأن يسعف كل واحد منهم بحاجته، تعمره يا آدم ما كنت حيا، ثم يعمره من بعدك الأمم والقرون والأنبياء، أمة بعد أمة، وقرنا بعد قرن، ونبيا بعد نبي، حتى ينتهي ذلك إلى نبي من ولدك يقال له : محمد، وهو [ ص: 680 ] خاتم النبيين، فأجعله من عماره وسكانه وحماته وولاته وحجابه وسقاته، يكون أميني عليه ما كان حيا، فإذا انقلب إلي وجدني قد ادخرت له من أجره ونصيبه ما يتمكن به للقربة إلي والوسيلة عندي، وأفضل المنازل في دار المقامة، واجعل اسم ذلك البيت وذكره وشرفه، ومجده، وثناءه، ومكرمته لنبي من ولدك، يكون قبيل هذا النبي وهو أبوه يقال له : إبراهيم . أرفع له قواعده، وأقضي على يديه عمارته، وأنيط له سقايته، وأريه حله، وحرمه، ومواقفه، وأعلمه مشاعره ومناسكه، وأجعله أمة واحدا، قانتا قائما بأمري، داعيا إلى سبيلي، وأجتبيه، وأهديه إلى صراط مستقيم، أبتليه فيصبر، وأعافيه فيشكر، وآمره فيفعل، وينذر لي فيفي، ويعدني فينجز، أستجيب له دعوته في ولده وذريته من بعده، وأشفعه فيهم، فأجعلهم أهل ذلك البيت، وولاته، وحماته، وخدامه وخزانه، وحجابه، حتى يبتدعوا ويغيروا ويبدلوا . فإذا فعلوا ذلك فأنا أقدر القادرين على أن أستبدل من أشاء بمن أشاء، وأجعل إبراهيم إمام أهل ذلك البيت، وأهل تلك الشريعة، يأتم به من حضر تلك المواطن من جميع الإنس والجن يطئون فيها آثاره، ويتبعون فيها سنته، ويقتدون فيها بهديه، فمن فعل ذلك منهم أوفى بنذره، واستكمل نسكه، وأصاب بغيته، ومن لم يفعل ذلك منهم ضيع نسكه، وأخطأ بغيته، ولم يوف بنذره، فمن سأل عني يومئذ في تلك المواطن، أين أنا ؟ فأنا مع الشعث الغبر الموفين بنذورهم، المستكملين [ ص: 681 ] مناسكهم، المتبتلين إلى ربهم، الذي يعلم ما يبدون، وما يكتمون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرجه الجندي عن عكرمة، ووهب بن منبه ، رفعاه إلى ابن عباس بمثله سواء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، والبيهقي في " شعب الإيمان " عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان موضع البيت في زمن آدم عليه السلام شبرا أو أكثر علما، فكانت الملائكة تحج إليه قبل آدم ، ثم حج فاستقبلته الملائكة، قالوا : يا آدم ، من أين جئت؟ قال : حججت البيت . فقالوا : قد حجته الملائكة قبلك بألفي عام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن عطاء قال : أهبط آدم بالهند فقال : يا رب ما لي لا أسمع صوت الملائكة كما كنت أسمعها في الجنة؟ فقال له : بخطيئتك يا آدم ، فانطلق فابن لي بيتا فتطوف به كما رأيتهم يتطوفون، فانطلق حتى أتى مكة ، فبنى البيت، فكان موضع قدمي آدم قرى وأنهارا وعمارة، وما بين خطاه مفاوز، فحج آدم البيت من الهند أربعين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن وهب بن منبه قال : " لما تاب الله على آدم ، وأمره أن يسير إلى مكة ، فطوى له الأرض حتى انتهى إلى مكة ، فلقيته الملائكة [ ص: 682 ] بالأبطح فرحبت به، وقالت له : يا آدم ! إنا لننتظرك، بر حجك، أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، وأمر الله جبريل فعلمه المناسك والمشاعر كلها، وانطلق به حتى أوقفه في عرفات، والمزدلفة، وبمنى، وعلى الجمار، وأنزل عليه الصلاة والزكاة والصوم والاغتسال من الجنابة "، وكان البيت على عهد آدم ياقوتة حمراء تلتهب نورا، من ياقوت الجنة، لها بابان شرقي وغربي من ذهب من تبر الجنة، وكان فيها ثلاث قناديل من تبر الجنة، فيها نور يلتهب، بابها منظوم بنجوم من ياقوت أبيض، والركن يومئذ نجم من نجومها ياقوتة بيضاء، فلم يزل على ذلك حتى كان في زمان نوح ، وكان الغرق، فرفع من الغرق فوضع تحت العرش، ومكثت الأرض خرابا ألفي سنة، فلم يزل على ذلك حتى كان إبراهيم ، فأمره أن يبني بيته، فجاءت السكينة كأنها سحابة فيها رأس تتكلم، لها وجه كوجه الإنسان، فقالت : يا إبراهيم ، خذ قدر ظلي فابن عليه لا تزد شيئا، ولا تنقص . فأخذ إبراهيم قدر ظلها ثم بنى هو وإسماعيل البيت، ولم يجعل له سقفا فكان الناس يلقون فيه الحلي والمتاع، حتى إذا كاد أن يمتلئ اتعد له خمس نفر ليسرقوا ما فيه، فقام كل واحد على زاوية، واقتحم الخامس، فسقط على رأسه فهلك، وبعث الله عند ذلك حية بيضاء، سوداء الرأس والذنب فحرست البيت خمسمائة عام، لا يقربه أحد إلا أهلكته، فلم يزل كذلك حتى بنته قريش " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 683 ] وأخرج الأزرقي ، والبيهقي عن عطاء ، أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، سأل كعبا، فقال : أخبرني عن هذا البيت، ما كان أمره ؟ فقال : " إن هذا البيت أنزله الله من السماء ياقوتة مجوفة مع آدم ، فقال : يا آدم ! إن هذا بيتي فطف حوله وصل حوله كما رأيت ملائكتي تطوف حول عرشي وتصلي، ونزلت معه الملائكة فرفعوا قواعده من حجارة ثم وضع البيت على القواعد، فلما أغرق الله قوم نوح رفعه الله إلى السماء وبقيت قواعده " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي من طريق عطاء بن أبي رباح عن كعب الأحبار قال : شكت الكعبة إلى ربها وبكت إليه، فقالت : أي رب، قل زواري وجفاني الناس، فقال الله لها : إني محدث لك إنجيلا وجاعل لك زوارا يحنون إليك حنين الحمامة إلى بيضاتها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي ، والبيهقي من طريق عبد الرحمن بن سابط، عن عبد الله بن ضمرة السلولي قال : ما بين المقام إلى الركن إلى بئر زمزم إلى الحجر قبر سبعة وسبعين نبيا جاءوا حاجين فماتوا فقبروا هنالك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : أقبل تبع يريد الكعبة حتى إذا كان [ ص: 684 ] بكراع الغميم بعث الله عليه ريحا لا يكاد القائم يقوم إلا عصفته، وذهب القائم ليقعد فيصرع، وقامت عليهم ولقوا منها عناء، ودعا تبع حبريه فسألهما : ما هذا الذي بعث علي؟ قالا : أوتؤمننا؟ قال : أنتم آمنون، قالا : فإنك تريد بيتا يمنعه الله ممن أراده، قال : فما يذهب هذا عني؟ قالا : تجرد في ثوبين، ثم تقول : لبيك لبيك . ثم تدخل فتطوف بذلك البيت ولا تهيج أحدا من أهله، قال : فإن أجمعت على هذا ذهبت هذه الريح عني؟ قالا : نعم، فتجرد ثم لبى، قال ابن عباس : فأدبرت الريح كقطع الليل المظلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : لما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قال : مرحبا بك من بيت ما أعظمك وأعظم حرمتك، وللمؤمن أعظم عند الله حرمة منك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في " الأوسط " عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نظر إلى الكعبة فقال : لقد شرفك الله وكرمك وعظمك [ ص: 685 ] والمؤمن أعظم حرمة منك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في " الأوسط "، عن جابر قال : لما افتتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة استقبلها بوجهه، وقال : أنت حرام ما أعظم حرمتك وأطيب ريحك! وأعظم حرمة عند الله منك المؤمن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، والأزرقي عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى البيت حين دخل مكة ، رفع يديه وقال : اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الشافعي في " الأم " عن ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال : اللهم زد هذا البيت تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابة، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في " الأوسط "، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن للكعبة لسانا وشفتين، وقد اشتكت فقالت : يا رب، قل عوادي، وقل زواري، فأوحى الله : إني خالق بشرا خشعا سجدا يحنون إليك كما تحن [ ص: 686 ] الحمامة إلى بيضها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي ، عن جابر الجزري قال : جلس كعب الأحبار أو سلمان الفارسي بفناء البيت فقال : شكت الكعبة إلى ربها ما نصب حولها من الأصنام وما استقسم به من الأزلام، فأوحى الله إليها : إني منزل نورا وخالق بشرا يحنون إليك حنين الحمام إلى بيضه، ويدفون إليك دفيف النسور، فقال له قائل : وهل لها لسان؟ قال : نعم وأذنان وشفتان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن عباس ، أن جبريل وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عصابة خضراء قد علاها الغبار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما هذا الغبار الذي أرى على عصابتك؟ قال : إني زرت البيت فازدحمت الملائكة على الركن، فهذا الغبار الذي ترى مما تثير بأجنحتها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن أبي هريرة قال : حج آدم عليه السلام فقضى المناسك، فلما حج، قال : يا رب، إن لكل عامل أجرا، قال الله تعالى : أما أنت يا آدم فقد غفرت لك، وأما ذريتك فمن جاء منهم هذا البيت، [ ص: 687 ] فباء بذنبه غفرت له . فحج آدم عليه السلام، فاستقبلته الملائكة بالردم، فقالت : بر حجك يا آدم ، قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، قال : فما كنتم تقولون حوله ؟ قالوا : كنا نقول : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر . قال : فكان آدم إذا طاف يقول هؤلاء الكلمات، فكان طواف آدم سبعة أسابيع بالليل، وخمسة أسابيع بالنهار " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي ، والجندي ، وابن عساكر عن ابن عباس قال : " حج آدم فطاف بالبيت سبعا، فلقيته الملائكة في الطواف، فقالوا : بر حجك يا آدم ، أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام . قال : فما كنتم تقولون في الطواف ؟ قالوا : كنا نقول : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر . قال آدم : فزيدوا فيها، ولا حول ولا قوة إلا بالله . فزادت الملائكة فيها ذلك، ثم حج إبراهيم بعد بنائه البيت، فلقيته الملائكة في الطواف فسلموا عليه، فقال لهم : ماذا كنتم تقولون في طوافكم ؟ قالوا : كنا نقول قبل أبيك آدم : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر . فأعلمناه ذلك، فقال : زيدوا : ولا حول ولا قوة إلا بالله . فقال إبراهيم : زيدوا فيها : العلي العظيم، فقالت الملائكة [ ص: 688 ] ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الجندي والديلمي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كان البيت قبل هبوط آدم ياقوتة من يواقيت الجنة، وكان له بابان من زمرد أخضر، باب شرقي وباب غربي، وفيه قناديل من الجنة، والبيت المعمور الذي في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة، حذاء الكعبة الحرام، وإن الله عز وجل لما أهبط آدم إلى موضع الكعبة وهو مثل الفلك من شدة رعدته، وأنزل عليه الحجر الأسود وهو يتلألأ كأنه لؤلؤة بيضاء، فأخذه آدم فضمه إليه استئناسا، ثم أخذ الله من بني آدم ميثاقهم، فجعله في الحجر الأسود، ثم أنزل على آدم العصا، ثم قال : يا آدم تخط، فتخطى فإذا هو بأرض الهند، فمكث هنالك ما شاء الله، ثم استوحش إلى البيت، فقيل له : احجج يا آدم ، فأقبل يتخطى، فصار كل موضع قدم قرية، وما بين ذلك مفازة، حتى قدم مكة ، فلقيته الملائكة، فقالوا : بر حجك يا آدم ، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام . قال : فما كنتم تقولون حوله ؟ قالوا : كنا نقول : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر . فكان آدم إذا طاف بالبيت قال هؤلاء الكلمات، وكان آدم يطوف سبعة أسابيع بالليل، وخمسة أسابيع بالنهار، فقال آدم : يا رب، اجعل لهذا البيت عمارا يعمرونه من ذريتي . فأوحى الله تعالى : إني [ ص: 689 ] معمره نبيا من ذريتك اسمه إبراهيم ، أتخذه خليلا، أقضي على يديه عمارته، وأنيط له سقايته، وأريه حله وحرمه ومواقفه، وأعلمه مشاعره، ومناسكه . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن آدم سأل ربه فقال : يا رب أسألك من حج هذا البيت من ذريتي لا يشرك بك شيئا أن تلحقه بي في الجنة . فقال الله تعالى : يا آدم من مات في الحرم لا يشرك بي شيئا بعثته آمنا يوم القيامة " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الجندي عن مجاهد ، أن آدم طاف بالبيت فلقيته الملائكة فصافحته وسلمت عليه وقالت : بر حجك يا آدم ، طف بهذا البيت فإنا قد طفناه قبلك بألفي عام، قال لهم آدم : فما كنتم تقولون في طوافكم؟ قالوا : كنا نقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، قالآدم : وأنا أزيد فيها : ولا حول ولا قوة إلا بالله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : كان " موضع الكعبة قد خفي ودرس في زمان الغرق فيما بين نوح وإبراهيم عليهما السلام، وكان موضعه أكمة حمراء مدرة لا تعلوها السيول غير أن الناس يعلمون أن موضع البيت فيما هنالك، ولا يثبت موضعه، وكان يأتيه المظلوم والمتعوذ من أقطار الأرض، ويدعو عنده المكروب، فقل من دعا هنالك إلا استجيب له، فكان الناس يحجون إلى موضع البيت حتى بوأ الله مكانه إبراهيم عليه السلام، لما أراد من عمارة بيته، وإظهار دينه وشرائعه، فلم يزل منذ أهبط الله آدم إلى الأرض معظما محرما بيته، تتناسخه الأمم والملل أمة بعد أمة، وملة بعد ملة " . [ ص: 690 ] قال : " وقد كانت الملائكة تحجه قبل ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال : بلغنا - والله أعلم - أن " إبراهيم خليل الله عرج به إلى السماء، فنظر إلى الأرض مشارقها ومغاربها، فاختار موضع الكعبة ، فقالت له الملائكة : يا خليل الله ! اخترت حرم الله تعالى في الأرض . فبناه من حجارة سبعة أجبل، ويقولون : خمسة . فكانت الملائكة تأتي بالحجارة إلى إبراهيم عليه السلام من تلك الجبال " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : أقبل إبراهيم والسكينة، والصرد، والملك من الشام، فقالت السكينة : يا إبراهيم ، ربض علي البيت، فلذلك لا يطوف بالبيت ملك من جبابرة الملوك، ولا أعرابي نافر إلا وعليه السكينة والوقار " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن بشر بن عاصم قال : أقبل إبراهيم من أرمينية، معه السكينة والملك والصرد دليلا يتبوأ البيت كما تتبوأ العنكبوت بيتها، فرفع [ ص: 691 ] صخرة فما رفعها عنه إلا ثلاثون رجلا، فقالت السكينة : ابن علي، فلذلك لا يدخله أعرابي نافر ولا جبار إلا رأيت عليه السكينة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن علي بن أبي طالب قال : أقبل إبراهيم ، والملك، والسكينة، والصرد دليلا حتى تبوأ البيت، كما تبوأ العنكبوت بيتها، فحفر، ما برز عن أسها أمثال خلف الإبل، لا يحرك الصخرة إلا ثلاثون رجلا، قال : ثم قال الله لإبراهيم : قم فابن لي بيتا . قال : يا رب ! وأين ؟ قال : سنريك . فبعث الله سحابة فيها رأس يكلم إبراهيم ، فقال : يا إبراهيم ، إن ربك يأمرك أن تخط قدر هذه السحابة . فجعل ينظر إليها، ويأخذ قدرها، فقال له الرأس : أقد فعلت ؟ قال : نعم، قال : فارتفعت السحابة، فأبرز عن أس ثابت من الأرض، فبناه إبراهيم عليه السلام " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن قتادة في قوله : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت قال : ذكر لنا أنه بناه من خمسة أجبل، من طور سيناء وطور زيتا ولبنان والجودي وحراء وذكر لنا أن قواعده من حراء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن الشعبي قال : لما أمر إبراهيم بأن يبني البيت [ ص: 692 ] وانتهى إلى موضع الحجر قال لإسماعيل : ائتني بحجر ليكون علما للناس يبتدئون منه الطواف . فأتاه بحجر، فلم يرضه، فأتي إبراهيم بهذا الحجر ثم قال : أتاني به من لم يكلني إلى حجرك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي والطبراني عن عبد الله بن عمرو أن جبريل عليه السلام هو الذي نزل عليه بالحجر من الجنة، وأنه وصعه حيث رأيتم، وأنكم لن تزالوا بخير ما دام بين ظهرانيكم فتمسكوا به ما استطعتم، فإنه يوشك أن يجيء فيرجع به إلى حيث جاء به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والترمذي وصححه، وابن خزيمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الحجر الأسود من حجارة الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي ، والجندي عن مجاهد قال : الركن من الجنة، ولو لم [ ص: 693 ] يكن من الجنة لفني .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي ، والجندي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لولا ما طبع على الركن من أنجاس الجاهلية وأرجاسها وأيدي الظلمة والأثمة، لاستشفي به من كل عاهة، ولألفاه اليوم كهيئته يوم خلقه الله، وإنما غيره الله بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة، وإنه لياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة، فوضعه الله لآدم حين أنزله في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة، والأرض يومئذ طاهرة، لم يعمل فيها بشيء من المعاصي، وليس لها أهل ينجسونها، ووضع له صفا من الملائكة على أطراف الحرم يحرسونه من جان الأرض، وسكانها يومئذ الجن، وليس ينبغي لهم أن ينظروا إليه، لأنه من الجنة، ومن نظر إلى الجنة دخلها، فهم على أطراف الحرم حيث أعلامه اليوم محدقون به من كل جانب بينه وبين الحرم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ في “ العظمة “ عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن البيت الذي بوأه الله لآدم كان من ياقوتة حمراء لها بابان، أحدهما شرقي والآخر غربي، فكان فيها قناديل من نور الجنة، آنيتها الذهب منظومة بنجوم من ياقوت أبيض، والركن يومئذ نجم من نجومه ووضع لها صفا من الملائكة [ ص: 694 ] على أطراف الحرم فهم اليوم يذبون عنه، لأنه شيء من الجنة لا ينبغي أن ينظر إليه إلا من وجبت له الجنة، ومن نظر إليها دخلها، وإنما سمي الحرم لأنهم لا يجاوزونه، وإن الله وضع البيت لآدم حيث وضعه، والأرض يومئذ طاهرة لم يعمل عليها شيء من المعاصي، وليس لها أهل ينجسونها، وكان سكانها الجن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الجندي عن ابن عباس قال : الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن لم يدرك بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستلم الحجر فقد بايع الله ورسوله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي ، والجندي عن ابن عباس قال : إن هذا الركن الأسود يمين الله في الأرض يصافح به عباده .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : ليس في الأرض من الجنة إلا الركن الأسود والمقام فإنهما جوهرتان من جوهر الجنة، ولولا ما مسهما من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال : نزل الركن وإنه لأشد بياضا من الفضة، ولولا ما مسه من أنجاس الجاهلية وأرجاسهم ما مسه ذو عاهة إلا برئ .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 695 ] وأخرج الأزرقي عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثروا استلام هذا الحجر فإنكم توشكون أن تفقدوه، بينما الناس يطوفون به ذات ليلة إذ أصبحوا وقد فقدوه، إن الله لا ينزل شيئا من الجنة إلا أعاده فيها قبل يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن يوسف بن ماهك قال : إن الله جعل الركن عيد أهل هذه القبلة كما كانت المائدة عيدا لبني إسرائيل، وإنكم لن تزالوا بخير ما دام بين ظهرانيكم وإن جبريل عليه السلام وضعه في مكانه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال : إن الله يرفع القرآن من صدور الرجال، والحجر الأسود قبل يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : كيف بكم إذا أسري بالقرآن فرفع من صدوركم، ونسخ من قلوبكم، ورفع الركن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال : بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أول ما يرفع الركن، والقرآن ورؤيا النبي في المنام .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 696 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، والطبراني عن عبد الله بن عمرو قال : حجوا هذا البيت واستلموا هذا الحجر، فوالله ليرفعن أو ليصيبه أمر من السماء، إن كانا لحجرين أهبطا من الجنة، فرفع أحدهما وسيرفع الآخر، وإن لم يكن كما قلت، فمن مر على قبري فليقل : هذا قبر عبد الله بن عمرو الكذاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في " شعب الإيمان " عن ابن عمر قال : استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الحجر فاستلمه، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا، فالتفت فإذا بعمر يبكي، فقال : يا عمر ههنا تسكب العبرات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحجر الأسود من حجارة الجنة، وما في الأرض من الجنة غيره، وكان أبيض كالمها، ولولا ما مسه من رجس الجاهلية، ما مسه ذو عاهة إلا برئ .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن ابن عمرو قال : نزل الركن الأسود من السماء؛ فوضع على أبي قبيس، كأنه مهاة بيضاء، فمكث أربعين سنة، ثم وضع على قواعد إبراهيم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن عكرمة قال : الركن ياقوتة من يواقيت الجنة، وإلى الجنة [ ص: 697 ] مصيره، قال : وقال ابن عباس : لولا ما مسه من أيدي الجاهلية لأبرأ الأكمه والأبرص .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : أنزل الله الركن والمقام مع آدم عليه السلام ليلة نزل بين الركن والمقام، فلما أصبح رأى الركن والمقام فعرفهما فضمهما إليه وأنس بهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الحجر الأسود نزل به ملك من السماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : أنزل الله الركن الأسود من الجنة، وهو يتلألأ تلألؤا من شدة بياضه، فأخذه آدم فضمه إليه أنسا به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : نزل آدم من الجنة ومعه الحجر الأسود متأبطه، وهو ياقوتة من يواقيت الجنة، ولولا أن الله طمس ضوءه ما استطاع أحد أن ينظر إليه، ونزل بالباسنة ونخلة العجوة، قال أبو محمد الخزاعي : [ ص: 698 ] الباسنة آلات الصناع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن عباس ، أن عمر بن الخطاب سأل كعبا عن الحجر فقال : مروة من مرو الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : لولا أن الحجر تمسه الحائض وهي لا تشعر، والجنب وهو لا يشعر، ما مسه أجذم ولا أبرص إلا برئ .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال : كان الحجر الأسود أبيض كاللبن، وكان طوله كعظم الذراع، وما اسود إلا من المشركين، كانوا يمسحونه، ولولا ذلك ما مسه ذو عاهة إلا برئ .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال : أخبرني ابن نبيه الحجبي عن أمه، أنها حدثته، أن أباها حدثها : أنه رأى الحجر قبل الحريق وهو أبيض يتراءى الإنسان فيه وجهه . قال عثمان : وأخبرني زهير : أنه بلغه أن الحجر من [ ص: 699 ] رضراض ياقوت الجنة، وكان أبيض يتلألأ، فسوده أرجاس المشركين، وسيعود إلى ما كان عليه . وهو يوم القيامة مثل أبي قبيس في العظم، له عينان ولسان وشفتان يشهد لمن استلمه بحق، ويشهد على من استلمه بغير حق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن خزيمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحجر الأسود ياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة، وإنما سودته خطايا المشركين، يبعث يوم القيامة مثل أحد يشهد لمن استلمه وقبله من أهل الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والترمذي وحسنه، وابن ماجه ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، وابن مردويه ، والبيهقي في " شعب الإيمان " عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله يبعث الركن الأسود له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن سلمان الفارسي قال : الركن من حجارة الجنة، أما [ ص: 700 ] والذي نفس سلمان بيده ليجيئن يوم القيامة له عينان ولسان وشفتان، يشهد لمن استلمه بالحق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : الركن يمين الله في الأرض يصافح بها خلقه، والذي نفسي بيده، ما من امرئ مسلم يسأل الله عنده شيئا إلا أعطاه إياه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن ماجه عن عطاء بن أبي رباح ، أنه سئل عن الركن الأسود فقال : حدثني أبو هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من فاوضه فإنما يفاوض يد الرحمن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، والبيهقي في " شعب الإيمان " عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لهذا الحجر لسانا وشفتين يشهد لمن استلمه يوم القيامة بحق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في " الأوسط "، وابن خزيمة، والحاكم ، والبيهقي في “ الأسماء والصفات “ عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يأتي الركن يوم القيامة أعظم من أبي قبيس، له لسان وشفتان، يتكلم عمن [ استلمه ] [ ص: 701 ] بالنية، وهو يمين الله التي يصافح بها خلقه " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في " الأوسط " عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشهدوا هذا الحجر خيرا؛ فإنه يوم القيامة شافع مشفع له لسان وشفتان يشهد لمن استلمه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الجندي من طريق عطاء بن السائب، عن ابن سابط قال : بين الركن والمقام وزمزم قبر تسعة وتسعين نبيا، وإن قبر هود وشعيب وصالح وإسماعيل في تلك البقعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي من طريق عطاء بن السائب عن محمد بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان النبي من الأنبياء إذ هلكت أمته لحق بمكة فيتعبد فيها النبي ومن معه حتى يموت، فمات بها نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام، وقبورهم بين زمزم والحجر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي ، والجندي من طريق عطاء بن السائب، عن عبد الرحمن [ ص: 702 ] بن سابط قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مكة لا يسكنها سافك دم، ولا تاجر بربا ولا مشاء بنميمة . قال : ودحيت الأرض من مكة ، وكانت الملائكة تطوف بالبيت، وهي أول من طاف به، وهي الأرض التي قال الله إني جاعل في الأرض خليفة [ البقرة : 30 ] وكان النبي من الأنبياء إذا هلك قومه فنجا هو والصالحون معه، أتاها بمن معه فيعبدون الله حتى يموتوا فيها، وإن قبر نوح وهود وشعيب وصالح بين زمزم والركن والمقام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : حج موسى عليه السلام على جمل أحمر فمر بالروحاء عليه عباءتان قطوانيتان متزر بإحداهما مرتد بالأخرى فطاف بالبيت، ثم طاف بين الصفا والمروة، فبينما هو يطوف ويلبي بين الصفا والمروة إذ سمع صوتا من السماء وهو يقول : لبيك عبدي أنا معك فخر موسى عليه السلام ساجدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن مقاتل قال : في المسجد الحرام بين زمزم قبر سبعين نبيا؛ منهم هود وصالح وإسماعيل وقبر آدم وإبراهيم وإسحاق ويعقوب [ ص: 703 ] ويوسف في بيت المقدس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي ، والجندي عن ابن عباس قال : النظر إلى الكعبة مخض الإيمان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي ، والجندي عن ابن المسيب قال : من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا خرج من الخطايا كيوم ولدته أمه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي ، والجندي من طريق زهير بن محمد عن أبي السائب المدني قال : من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات الورق من الشجر، قال : والجالس في المسجد ينظر إلى البيت، لا يطوف به ولا يصلي، أفضل من المصلي في بيته لا ينظر إلى البيت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، والأزرقي والجندي ، والبيهقي في " شعب الإيمان " عن عطاء قال : النظر إلى البيت عبادة والناظر إلى البيت بمنزلة القائم الصائم المخبت المجاهد في سبيل الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الجندي عن عطاء قال : إن نظرة إلى هذا البيت في غير طواف ولا صلاة تعدل عبادة سنة قيامها وركوعها وسجودها .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 704 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، والجندي ، عن طاوس قال : النظر إلى هذا البيت أفضل من عبادة الصائم القائم الدائم المجاهد في سبيل الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي ، والجندي ، وابن عدي ، والبيهقي في " شعب الإيمان " وضعفه، والأصبهاني في " الترغيب " عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لله في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة تنزل على هذا البيت؛ ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن إبراهيم النخعي قال : الناظر إلى الكعبة كالمجتهد في العبادة في غيرها من البلاد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، والأزرقي عن مجاهد قال : النظر إلى الكعبة عبادة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الجندي عن ابن مسعود قال : أكثروا الطواف بالبيت قبل أن يرفع وينسى الناس مكانه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار في " مسنده "، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والطبراني ، والحاكم وصححه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استمتعوا بهذا البيت فقد هدم مرتين، ويرفع في الثالثة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 705 ] وأخرج الجندي عن الزهري قال : إذا كان يوم القيامة يرفع الله الكعبة البيت الحرام إلى بيت المقدس، فمر بقبر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فتقول : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فيقول صلى الله عليه وسلم : وعليك السلام يا كعبة الله، ما حال أمتي؟ فتقول : يا محمد أما من وفد إلي من أمتك فأنا القائم بشأنه، وأما من لم يفد من أمتك فأنت القائم بشأنه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو بكر الواسطي في " فضائل بيت المقدس " عن خالد بن معدان قال : لا تقوم الساعة حتى تزف الكعبة إلى الصخرة زف العروس، فيتعلق بها جميع من حج واعتمر، فإذا رأتها الصخرة قالت لها : مرحبا بالزائرة والمزورة إليها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الواسطي عن كعب قال : لا تقوم الساعة حتى يزف البيت الحرام إلى بيت المقدس، فينقادان إلى الجنة، وفيهما أهلهما والعرض والحساب ببيت المقدس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في " الترغيب " والديلمي ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان يوم القيامة زفت الكعبة البيت الحرام إلى [ ص: 706 ] قبري، فيقول : السلام عليك يا محمد، فأقول : وعليك السلام يا بيت الله، ما صنع بك أمتي بعدي؟ فتقول : يا محمد، من أتاني فأنا أكفيه وأكون له شفيعا، ومن لم يأتني فأنت تكفيه وتكون له شفيعا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن أبي إسحاق قال : بنى إبراهيم عليه السلام البيت، وجعل طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه في الأرض اثنين وثلاثين ذراعا، من الركن الأسود إلى الركن الشامي الذي عند الحجر من وجهه، وجعل عرض ما بين الركن الشامي إلى الركن الغربي الذي فيه الحجر اثنين وعشرين ذراعا، وجعل طول ظهرها من الركن الغربي إلى الركن اليماني أحدا وثلاثين ذراعا . وجعل عرض شقها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرين ذراعا، قال : فلذلك سميت الكعبة لأنها على خلقة الكعب .

                                                                                                                                                                                                                                      قال : وكذلك بنيان أساس آدم وجعل بابها بالأرض غير مبوب [ ص: 707 ] حتى كان تبع ابن أسعد الحميري وهو الذي جعل لها بابا وجعل لها غلقا فارسيا، وكساها كسوة تامة، ونحر عندها، وجعل إبراهيم عليه السلام الحجر إلى جنب البيت عريشا من أراك تقتحمه العنز فكان زربا لغنم إسماعيل ، وحفر إبراهيم جبا في بطن البيت على يمين من دخله يكون خزانة للبيت، يلقى فيه ما يهدى للكعبة، وكان الله استودع الركن أبا قبيس حين أغرق الله الأرض زمن نوح وقال : إذا رأيت خليلي يبني بيتي فأخرجه له، فجاء به جبريل فوضعه في مكانه، وبنى عليه إبراهيم وهو حينئذ يتلألأ نورا من شدة بياضه، وكان نوره يضيء إلى منتهى أنصاف الحرم من كل ناحية، قال : وإنما شدة سواده لأنه أصابه الحريق مرة بعد مرة في الجاهلية والإسلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مالك والشافعي، والبخاري ، ومسلم ، والنسائي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألم تري إلى قومك حين بنوا الكعبة أقصروا عن قواعد إبراهيم فقلت : يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم قال : لولا حدثان قومك بالكفر . فقال ابن عمر : ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك [ ص: 708 ] استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال : كان ابن الزبير بنى الكعبة من الذرع على ما بناها إبراهيم عليه السلام، قال : وهي مكعبة على خلقة الكعب، ولذلك سميت الكعبة . قال : ولم يكن إبراهيم سقف الكعبة ولا بناها بمدر وإنما رضمها رضما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن المرتفع قال : كنا مع ابن الزبير في الحجر، فأول حجر من المنجنيق وقع في الكعبة سمعنا لها أنينا كأنين المريض : آه آه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الجندي عن مجاهد قال : رأيت الكعبة في النوم وهي تكلم النبي صلى الله عليه وسلم وهي تقول : لئن لم تنته أمتك يا محمد عن المعاصي لأنتفضن حتى يصير كل حجر مني في مكان .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 709 ] وأخرج الجندي عن وهيب بن الورد قال : كنت أطوف أنا وسفيان بن سعيد الثوري ليلا فانقلب سفيان وبقيت في الطواف، فدخلت الحجر فصليت تحت الميزاب، فبينا أنا ساجد إذ سمعت كلاما بين أستار الكعبة والحجارة وهو يقول : يا جبريل أشكو إلى الله ثم إليك ما يفعل هؤلاء الطائفون حولي، من تفكههم في الحديث ولغطهم وشؤمهم، قال وهيب : فأولت أن البيت يشكو إلى جبريل عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية