الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          [ ص: 367 ]

                                                                          3202 - (ع) : عبد الله بن جعفر بن أبي طالب القرشي الهاشمي ، أبو جعفر المدني ، الجواد ابن الجواد ، وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية .

                                                                          ولد بأرض الحبشة ، وهو أول مولود ولد بها في الإسلام .

                                                                          وكان سخيا ، جوادا حليما ، وكان يسمى بحر الجود ، ويقال : إنه لم يكن في الإسلام أسخى منه .

                                                                          روى عن : النبي صلى الله عليه وسلم (ع) ، وعن عثمان بن عفان ، وعمه علي بن أبي طالب (خ م ت س ق) ، وعمار بن ياسر ، وأمه أسماء بنت عميس (د سي ق) .

                                                                          [ ص: 368 ] روى عنه : ابناه : إسحاق بن عبد الله بن جعفر (ق) ، وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر (ق) ، وحسن بن حسن بن علي بن أبي طالب (س) ، والحسن بن سعد مولى الحسن بن علي (م د س ق) ، وخالد بن سارة المخزومي (د ت سي ق) ، وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (خ م د ت ق) ، وعامر الشعبي ، وعباس بن سهل بن سعد الساعدي ، وعبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب (س) ، وابن خالته عبد الله بن شداد بن الهاد (س) ، وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة (خ م س) ، وعبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب (تم ق) ، وعبد الرحمن بن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم (ت س) ، وعبيد بن آدم ، وهو ابن أم كلاب ، وعتبة (د س) ، ويقال : عقبة بن محمد بن الحارث ، وعروة بن الزبير (د سي ق) ، وعمر بن عبد العزيز (د سي ق) ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (د) ، ومحمد بن عبد الله (تم س ق) ، ويقال : ابن عبد الرحمن بن أبي رافع الفهمي ، وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (ق) ، ومحمد بن كعب القرظي (سي) ، وابنه معاوية بن عبد الله بن جعفر (س ق) ، ومورق العجلي (م د س ق) ، وابنته أم أبيها ، بنت عبد الله بن جعفر .

                                                                          قال الزبير بن بكار : وولد جعفر بن أبي طالب ، عبد الله ، ومحمدا ، وعونا .

                                                                          أمهم أسماء بنت عميس ، وأمها هند بنت عوف ، من جرش ، قال عمي مصعب بن عبد الله : قالوا لما هاجر جعفر بن [ ص: 369 ] أبي طالب إلى أرض الحبشة ، حمل معه امرأته أسماء بنت عميس ، فولدت له هنالك عبد الله ، وعونا ، ! ومحمدا ، وولد للنجاشي ابن بعد ما ولدت أسماء بنت عميس ابنها عبد الله بأيام ، فأرسل إلى جعفر : ما أسميت ابنك ؟ قال : عبد الله .

                                                                          فسمى النجاشي ابنه عبد الله ، وأخذته أسماء بنت عميس ، فأرضعته حتى فطمته بلبن عبد الله بن جعفر ، ونزلت بذلك عندهم منزلة ، فكان من أسلم من الحبشة يأتي بعد أسماء يخبرها خبرهم .

                                                                          فلما ركب جعفر بن أبي طالب مع أصحاب السفينتين منصرفهم من عند النجاشي ، حمل معه امرأته أسماء بنت عميس وولده منها الذين ولدوا هناك : عبد الله ، وعونا ، ومحمدا ، حتى قدم بهم المدينة ، فلم يزالوا بها حتى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفرا إلى مؤتة ، فقتل بها شهيدا .

                                                                          وذكر عن عبد الله بن جعفر أنه قال : أنا أحفظ حين دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمي فنعى لها أبي فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ، وعيناه تهريقان الدموع ، حتى تقطر لحيته ، ثم قال : اللهم إن جعفرا قدم إلى أحسن الثواب فأخلفه في ذريته أحسن ما خلفت أحدا من عبادك الصالحين في ذريته .

                                                                          ثم قال : يا أسماء ألا أبشرك ؟ قالت : بلى ، بأبي أنت وأمي .

                                                                          قال : فإن الله عز وجل جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة .

                                                                          قالت : بأبي أنت وأمي

                                                                          يا رسول الله .

                                                                          فأعلم الناس بذلك .

                                                                          فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي ، حتى رقى المنبر ، فأجلسني أمامه على الدرجة السفلى ، والحزن يعرف عليه ، فتكلم ، فقال : " إن المرء كثير بأخيه ، وابن عمه ، [ ص: 370 ] ألا إن جعفرا قد استشهد وجعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة " .

                                                                          ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل بيته ، وأدخلني معه ، وأمر بطعام ، فصنع لأهلي ، وأرسل إلى أخي ، فتغدينا عنده غداء طيبا مباركا ، عمدت سلمى خادمه إلى شعير فطحنته ، ونسفته ، ثم أنضجته ، وأدمته بزيت ، وجعلت عليه فلفلا ، فتغديت أنا وأخي معه ، فأقمنا ثلاثة أيام في بيته ندور معه ، كلما صار في بيت إحدى نسائه ، ثم رجعنا إلى بيتنا .

                                                                          قال الزبير بن بكار : وكان عبد الله بن جعفر جوادا ، ممدحا ، وله يقول عبد الله بن قيس الرقيات :

                                                                          تقدت بي الشهباء نحو ابن جعفر سواء عليها ليلها ونهارها     تزور امرءا قد يعلم الله أنه
                                                                          تجود له كف قليل غرارها     فوالله لولا أن تزور ابن جعفر
                                                                          لكان قليلا في دمشق قرارها     أتيتك أثني بالذي أنت أهله
                                                                          عليك كما أثنى على الروض جارها     ذكرتك إذ فاض الفرات بأرضنا
                                                                          وجلل على الرقتين بحارها     فإن مت لم يوصل صديق ولم تقم
                                                                          طريق من المعروف أنت منارها



                                                                          قال الزبير : حدثني عمي مصعب بن عبد الله ، قال له عبد الملك بن مروان : ويحك يا ابن قيس ، أما اتقيت الله حين تقول في ابن جعفر :

                                                                          أنت رجلا قد يعلم الله أنه     تجود له كف قليل غرارها

                                                                          [ ص: 371 ] ألا قلت : " قد يعلم الناس " ، ولم تقل : " قد يعلم الله " .

                                                                          فقال له ابن قيس : قد والله علمه الله ، وعلمته ، وعلمه الناس .

                                                                          قال الزبير : وله يقول بعض الأعراب :

                                                                          إنك يا ابن جعفر نعم الفتى     ونعم مأوى طارق إذا أتى
                                                                          ورب ضيف طرق الحي سرى     صادف زادا وحديثا ما اشتهى


                                                                          إن الحديث جانب من القرى



                                                                          وقال الزبير : حدثني فليح بن إسماعيل ، قال : طلب عبد الله بن جعفر لابن ازادمرد حاجة إلى علي بن أبي طالب ، فقضاها ، فقال : هذه أربعون ألف درهم ، فإن لك مؤونة ، قال : إنا أهل بيت لا نأخذ على المعروف أجرا .

                                                                          وقال أيضا : حدثني محمد بن سعدان ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يأتي عبد الله بن جعفر ، فقال له الناس : إنك تكثر إتيان عبد الله بن جعفر ، فقال عبد الله بن عمر : لو رأيتم أباه أحببتم هذا وجد فيما بين قرنه إلى قدمه سبعون بين ضربة بسيف ، وطعنة برمح .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الحسن ابن البخاري ، قال : أخبرنا أبو حفص بن طبرزد ، قال : أخبرنا أبو منصور بن خيرون ، قال : أخبرنا أبو جعفر ابن المسلمة ، قال : أخبرنا أبو طاهر المخلص ، قال : أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي ، قال : حدثنا الزبير بن بكار ، فذكره [ ص: 372 ]

                                                                          ومناقبه وفضائله كثيرة جدا .

                                                                          قال الزبير بن بكار : مات سنة ثمانين ، وهو عام الجحاف ، سيل كان ببطن مكة جحف الحاج ، وذهب بالإبل ، وعليها الحمولة ، وكان الوالي يومئذ على المدينة أبان بن عثمان بن عفان في خلافة عبد الملك بن مروان ، وهو صلى عليه ، وكان عبد الله بن جعفر يوم توفي ، ابن تسعين سنة .

                                                                          وقال غيره : توفي سنة ثمانين ، وهو ابن ثمانين ، وقيل : توفي سنة تسعين وهو ابن تسعين ، والأول أصح ، والله أعلم .

                                                                          روى له الجماعة .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية