الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 731 ] قالوا : لو دل ، لدل : زيد عالم ، ومحمد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، على نفي العلم والرسالة عن غيرهما .

                قلنا : مفهوم اللقب ، وفي كونه حجة خلاف . فإن سلم فلدلالة العقل والحس على عدم اختصاصه .

                قالوا : لو دل لما حسن الاستفهام ، نحو : من ضربك عامدا فاضربه ; فيقول : فإن ضربني مخطئا ؟ .

                قلنا : لعدم نصوصيته وقطعيته . كالعام ، نحو : أكرم الرجال ; فيقول : وزيدا أيضا ؟ لا لعدم إفادته التخصيص .

                قالوا : مسكوت عنه ، ولا دليل في السكوت .

                قلنا : بالسكوت فيه والنطق في قسيمه تعاضدا على إفادة ما ذكرناه ، وقد يفيد المركب ما لا تفيد مفرداته .

                التالي السابق


                قوله : " قالوا " ، إلى آخره . . . . هذه حجة أخرى للخصم .

                وتقريرها : أنه لو دل تخصيص الشيء بالذكر ، على اختصاصه بالحكم ، لدل قولنا : " زيد عالم ، ومحمد رسول الله ، على نفي العلم " ، عن غير زيد ، ونفي الرسالة عن غير محمد ، صلى الله عليه وسلم ، لكن ذلك باطل ، إذ العلماء غير زيد ، والرسل غير محمد صلى الله عليه وسلم - كثير .

                قوله : " قلنا : مفهوم اللقب " ، إلى آخره ، أي : الجواب عن ذلك أن [ ص: 732 ] قولنا : زيد عالم ، إنما يدل من حيث " مفهوم اللقب ، وفي كونه حجة خلاف " ، يأتي إن شاء الله تعالى ، فإن منعنا كونه حجة ، لم يلزمنا ، وإن سلمنا كونه حجة بالجملة ; فليس ذلك بمجرد اختصاصه بالذكر ، بل لدلالة " العقل والحس على عدم اختصاص " ، زيد بالعلم ، ومحمد صلى الله عليه وسلم ، بالرسالة ، إذ قد علمنا بالتواتر الذي بعض مقدماته عقلية ، أن هناك رسلا كثيرين ، ونعلم بالحس وجود علماء غير زيد ، وليس النزاع في مثله ، بل فيما لا قرينة فيه بعدم الاختصاص ، وذلك لا نسلم أنه غير مفيد للاختصاص ، إذ هو محل النزاع .

                قوله : " قالوا : لو دل ، لما حسن الاستفهام " ، إلى آخره ، هذه حجة أخرى لهم .

                وتقريرها : أنه لو دل تخصيص الشيء بالذكر على اختصاصه بالحكم لما حسن الاستفهام ، لكن الاستفهام يحسن ; فلا يدل على اختصاصه بالحكم .

                وبيان ذلك أن الاستفهام يحسن أن قائلا لو قال : " من ضربك عامدا ; فاضربه " ، لحسن من السامع أن يقول : " فإن ضربني مخطئا " ، أفأضربه أم لا ؟ ولو اختص العامد بالحكم ، لما حسن هذا الاستفهام .

                قوله : " قلنا " ، أي : الجواب عن هذا ، إنما حسن الاستفهام من السامع ، [ ص: 733 ] لعدم نصوصية التخصيص اللفظي على التخصيص الحكمي ، وعدم قطعيته في ذلك ، أي : ليس نصا في ذلك ولا قاطعا ، بل هو ظاهر فيه كالعام ; فإنه لو قال قائل : " أكرم الرجال " ، لحسن من السامع أن يقول : " وزيدا أيضا أكرم " ؟ وليس ذلك لعدم تناول الرجال زيدا ، بل لعدم نصوصيته فيه ; فالاستفهام إنما هو لتحصيل النصوصية والقطع فيما استفهم عنه ; " لا لعدم إفادته التخصيص " .

                قوله : " قالوا : مسكوت عنه " ، إلى آخره ، هذه حجة أخرى لهم .

                وتقريرها : أن غير المخصوص بالذكر مسكوت عنه ، " ولا دليل في السكوت " .

                مثاله : المعلوفة مسكوت عنها ، في قوله عليه السلام : في سائمة الغنم الزكاة . والسكوت عدم الكلام ، ولا دليل في العدم .

                " قلنا : بالسكوت فيه " ، إلى آخره ، أي : الجواب عن ذلك : أنا لا نسلم أن الدلالة في السكوت المجرد ، بل الدلالة في السكوت عن المسكوت عنه ، " والنطق في قسيمه " وهو المخصوص بالذكر منهما جميعا " تعاضدا على إفادة ما ذكرناه " من الاختصاص المعنوي للاختصاص اللفظي ; فالدلالة ههنا مستفادة من تركيب النطق والسكوت في المخصوص بالذكر ، وقسيمه ، " وقد يفيد المركب ما لا تفيد مفرداته " والله سبحانه وتعالى أعلم .




                الخدمات العلمية