الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر أشياء جرت لذي القرنين في المسير

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ، أخبرنا محفوظ بن أحمد الفقيه ، أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري ، حدثنا المعافى بن زكريا ، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر الأزدي ، حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثنا القاسم بن هاشم ، حدثنا الحكم بن نافع ، حدثنا صفوان بن عمرو بن عبد الرحمن بن عبد الله الخزاعي: أن ذا القرنين أتى على أمة من الأمم ليس في أيديهم شيء مما يستمتع به الناس من دنياهم ، وقد احتفروا قبورا ، فإذا أصبحوا تعهدوا تلك القبور وكنسوها وصلوا عندها ، ورعوا البقل كما ترعى البهائم ، وقد قيض لهم في ذلك معاش من نبات الأرض ، فأرسل ذو القرنين إلى ملكهم ، فقال الرسول: أجب الملك ، فقال: ما لي إليه حاجة ، فأقبل إليه ذو القرنين فقال: إني أرسلت إليك لتأتيني ، فما أتيت ، فها أنا ذا قد جئتك ، فقال: لو كانت لي إليك حاجة لأتيتك ، فقال له ذو القرنين: ما لي أراكم على الحال التي رأيت ، لم أر أحدا من الأمم عليها . قالوا: وما ذاك؟ قال: ليس لكم دنيا ولا شيء ، أفلا اتخذتم الذهب والفضة واستمتعتم بها ، فقال: إنما كرهنا؛ لأن أحدا لم يعط منها شيئا إلا تاقت نفسه إلى أفضل منه ، فقال: ما بالكم قد احتفرتم قبورا فإذا أصبحتم تعهدتموها وكنستموها وصليتم عندها ، قالوا: أردنا إذا نظرنا إليها وألهتنا الدنيا منعت قبورنا من الأمل ، قال: وأراكم لا طعام لكم إلا البقل من الأرض ، أفلا اتخذتم البهائم من الأنعام فاحتلبتموها وذبحتموها واستمتعتم بها ، فقالوا: رأينا أن في نبات الأرض بلاغا ، ثم بسط ملك تلك الأرض يده خلف ذي القرنين ، فتناول جمجمة ، فقال: يا ذا القرنين أتدري من هذا؟

[ ص: 299 ] قال: لا ، من هو؟ قال: ملك من ملوك الأرض أعطاه الله سلطانا على أهل الأرض فغشم وظلم وعتى ، فلما رأى [الله] ذلك منه حسمه بالموت فصار كالحجر الملقى ، قد أحصى الله عليه عمله حتى يجازيه به في آخرته . ثم تناول جمجمة أخرى إليه ، فقال: يا ذا القرنين ، هل تدري من هذا؟ قال: لا ، من هذا؟ قال: ملك ملكه الله بعده قد كان يرى ما يصنع الذي قبله بالناس من الظلم والغشم والتجبر ، فتواضع وخشع لله عز وجل وعمل بالعدل في أهل مملكته ، فصار كما ترى ، قد أحصى الله عليه عمله حتى يجزيه به في آخرته ، ثم أهوى إلى جمجمة ذي القرنين ، [وقال: وهذه الجمجمة تصير إلى ما صارت إليه هذه الجماجم ، فانظر يا عبد الله ما أنت صانع] ، فقال له ذو القرنين: هل لك في صحبتي فأتخذك وزيرا وشريكا فيما أنا فيه من هذا المال ، فقال: ما أصلح أنا وأنت في مكان ، قال: ولم؟ قال: من أجل أن الناس كلهم لك عدو ولي صديق ، قال: ولم ذلك؟ قال: يعادونك لما في يدك من الملك ولا أجد أحدا يعاديني لرفضي ذلك ، فانصرف عنه ذو القرنين .

وذكروا أن ذا القرنين لما رجع عن سلوك الظلمة قصد بلاد خراسان ، فلما صار إلى نهر بلخ هاله أمره ، فأمرهم بشق الخشب الغلاظ وترقيقها ، ثم أمر الحدادين فضربوا المسامير ، ثم أمر بثلاثمائة سفينة فصنعت ، وأمر بحبال من ليف وبحبال من قنب فنصعت غلاظا طوالا ، فأمر ببناء [جسر] من جانبي النهر ، وشدت تلك الحبال منهما ممدودا على الماء عرضا ، وجعلت السفن جسرا بين الحبال في صدور السفن وفي أعجازها لتمسكها ، ثم أمر بالخشب فقطع بمقدار عرض السفن ، وقصدت سقفا ، وهيل عليه التراب ، ولب بالماء حتى اطمأن ونشف ، فلما أمكن العبور عليه عبره بجيوشه سائرا إلى قومس ، فاشتكى فأخذه الرعاف حتى مات في طريقه ، وقد كان حين بلغ الصين أمر بمدن كثيرة فبنيت هنالك ، فمنها: الدبواسية ، وحمدان ، وشيرك ، وبرج الحجارة ، وكذلك أمر حين بلغ الهند فبنى هنالك مدينة سرنديب ، وله غير هذه الأبنية في النواحي التي طافها .

[ ص: 300 ] أخبرنا ابن الحصين ، أخبرنا أبو علي بن المذهب ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثني الحسن بن يحيى من أهل مرو ، حدثنا أوس بن عبد الله بن بريدة ، قال: أخبرني أخي سهل بن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، عن جده بريدة ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيكون بعدي بعوث كثيرة فكونوا في بعث خراسان ، ثم انزلوا مدينة مرو؛ فإنه بناها ذو القرنين ، ودعا لها بالبركة ، ولا يضر أهلها بسوء" .

التالي السابق


الخدمات العلمية