الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حديث الإفك

قال محمد بن الحسين رحمه الله :

إن الله عز وجل لم يزد عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك إلا شرفا ونبلا وعزا ، وزاد من رماها من المنافقين ذلا وخزيا ، ووعظ من تكلم فيها من غير المنافقين من المؤمنين بأشد ما يكون من الموعظة ، وحذرهم أن يعودوا لمثل ما ظنوا مما لا يحل الظن فيه فقال عز وجل ( ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ) .ميزوا رحمكم الله من هذا الموضع حتى تعلموا أن الله عز وجل سبح نفسه تعظيما لما رموها به ، ووعظ المؤمنين موعظة بليغة .

سمعت أبا عبد الله بن شاهين رحمه الله يقول : إن الله تبارك وتعالى لم يذكر أهل الكفر بما رموه به إلا سبح نفسه تعظيما لما رموه به ، مثل قوله عز وجل ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ) . قال : فلما رميت عائشة [ رضي الله عنها ] بما رميت به من الكذب سبح نفسه تعظيما لذلك ، فقال عز وجل ( ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ) .

فسبح نفسه جل وعز تعظيما لما رميت به عائشة [ رضي الله عنها ] .

[ ص: 2419 ] قال محمد بن الحسين رحمه الله :

فوعظ الله عز وجل المؤمنين موعظة بليغة ، ثم قال الله عز وجل ( إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم )

فأعلمنا الله عز وجل أن عائشة رضي الله عنها لم يضرها قول من رماها بالكذب ، وليس هو بشر لها ، بل هو خير لها ، وشر على من رماها ، وهو عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه من المنافقين ، وإن كان قد مضها وأقلقها وتأذى النبي صلى الله عليه وسلم وغمه ذلك إذ ذكرت زوجته وهو لها محب مكرم ، ولأبيها رضي الله عنه .

فكل هذه درجات له عند الله عز وجل ، حتى أنزل الله عز وجل براءتها وحيا يتلى ، سر الله الكريم به قلب رسوله صلى الله عليه وسلم وقلب عائشة وأبيها وأهلها وجميع المؤمنين ، وأسخن به أعين المنافقين .

رضي الله عنها وعن أبيها وعن جميع الصحابة وعن جميع أهل البيت الطاهرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية