الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين فالتقمه الحوت وهو مليم فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين

                                                                                                                                                                                                                                        (139) وهذا ثناء منه تعالى على عبده ورسوله يونس بن متى، كما أثنى على إخوانه المرسلين بالنبوة والرسالة، والدعوة إلى الله.

                                                                                                                                                                                                                                        (140) وذكر تعالى عنه، أنه عاقبه عقوبة دنيوية، أنجاه منها بسبب إيمانه وأعماله الصالحة، فقال: إذ أبق أي: من ربه مغاضبا له، ظانا أنه لا يقدر عليه، ويحبسه [ ص: 1480 ] في بطن الحوت، ولم يذكر الله ما غاضب عليه، ولا ذنبه الذي ارتكبه، لعدم فائدتنا بذكره، وإنما فائدتنا بما ذكرنا عنه أنه أذنب، وعاقبه الله مع كونه من الرسل الكرام، وأنه نجاه بعد ذلك، وأزال عنه الملام، وقيض له ما هو سبب صلاحه. فلما أبق لجأ إلى الفلك المشحون بالركاب والأمتعة.

                                                                                                                                                                                                                                        (141) فلما ركب مع غيره، والفلك شاحن، ثقلت السفينة، فاحتاجوا إلى إلقاء بعض الركبان، وكأنهم لم يجدوا لأحد مزية في ذلك، فاقترعوا على أن من قرع وغلب، ألقي في البحر عدلا من أهل السفينة، وإذا أراد الله أمرا هيأ أسبابه.

                                                                                                                                                                                                                                        فلما اقترعوا أصابت القرعة يونس فكان من المدحضين أي: المغلوبين، فألقي في البحر.

                                                                                                                                                                                                                                        (142) فالتقمه الحوت وهو وقت التقامه مليم أي: فاعل ما يلام عليه، وهو مغاضبته لربه.

                                                                                                                                                                                                                                        (143-144 فلولا أنه كان من المسبحين أي: في وقته السابق بكثرة عبادته لربه، وتسبيحه، وتحميده، وفي بطن الحوت حيث قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون أي: لكانت مقبرته، ولكن بسبب تسبيحه وعبادته لله، نجاه الله تعالى، وكذلك ينجي الله المؤمنين عند وقوعهم في الشدائد.

                                                                                                                                                                                                                                        (145) فنبذناه بالعراء بأن قذفه الحوت من بطنه بالعراء، وهي الأرض الخالية العارية من كل أحد، بل ربما كانت عارية من الأشجار والظلال. وهو سقيم أي: قد سقم ومرض، بسبب حبسه في بطن الحوت، حتى صار مثل الفرخ الممعوط من البيضة.

                                                                                                                                                                                                                                        (146) وأنبتنا عليه شجرة من يقطين تظله بظلها الظليل، لأنها باردة الظلال، ولا يسقط عليها ذباب، وهذا من لطفه به، وبره.

                                                                                                                                                                                                                                        (147-148) ثم لطف به لطفا آخر، وامتن عليه منة عظمى، وهو أنه أرسله إلى مائة ألف من الناس أو يزيدون عنها، والمعنى أنهم إن لم يزيدوا عنها لم ينقصوا، فدعاهم إلى الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                        فآمنوا فصاروا في موازينه، لأنه الداعي لهم.

                                                                                                                                                                                                                                        فمتعناهم إلى حين بأن صرف الله عنهم العذاب بعدما انعقدت أسبابه، قال تعالى: فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 1481 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية