الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 76 ] باب الإضافة.

                                                                                                                                                                                                                      39- أما قوله: (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم) انفتحت هذه الياء على كل حال لأن الحرف الذي قبلها ساكن. وهي "الألف" التي في "هدى". فلما احتجت إلى حركة الياء حركتها بالفتحة لأنها لا تحرك إلا بالفتح. ومثل ذلك قوله: (عصاي أتوكأ عليها) ولغة للعرب يقولون "عصي يا فتى" و : (هدي فلا خوف عليهم) لما كان قبلها حرف ساكن وكان ألفا، قلبته إلى الياء حتى تدغمه في الحرف الذي بعده فيجرونها مجرى واحدا وهو أخف عليهم. وأما قوله: (هذا ما لدي عتيد) و : (هذا صراط علي مستقيم) : (ثم إلي مرجعكم) . فإنما حركت بالإضافة لسكون ما قبلها وجعل الحرف الذي قبلها ياء ولم يقل "علاي" ولا "لداي" كما تقول: "على زيد" و "لدى زيد" ليفرقوا بينه وبين الأسماء؛ لأن هذه ليست بأسماء. و "عصاي" و "هداي" و "قفاي" أسماء. وكذلك : (أفتوني في رؤياي) و : (يا بشراي هذا غلام) لأن آخر "بشرى" ساكن. وقال بعضهم : (يا بشرى هذا غلام) لا يريد الإضافة، كما تقول: "يا بشارة".

                                                                                                                                                                                                                      فإذا لم يكن الحرف ساكنا كنت في الياء بالخيار، إن شئت أسكنتها وإن شئت

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 77 ] فتحتها نحو : (إني أنا الله) و : (إني أنا الله) ، و : (ولمن دخل بيتي مؤمنا) و : (بيتي) [و] : (فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) و : (دعائي إلا) . وكذلك إذا لقيتها ألف ولام زائدتان فإن شئت حذفت الياء لاجتماع الساكنين وإن شئت فتحتها كيلا يجتمع حرفان ساكنان. إلا أن أحسن ذلك الفتح نحو قول الله تبارك وتعالى : (جاءني البينات من ربي) و : (نعمتي التي) وأشباه ذا. وبه نقرأ. وإن لقيته أيضا ألف وصل بغير لام فأنت فيه أيضا بالخيار إلا أن أحسنه في هذا الحذف وبها تقرأ : (إني اصطفيتك على الناس) و : (هارون أخي اشدد به أزري) .

                                                                                                                                                                                                                      فإذا كان شيء من هذا في الدعاء حذفت منه الياء نحو : [ ص: 78 ] (يا عباد فاتقون) و : (رب قد آتيتني من الملك) و : (رب إما تريني ما يوعدون) .

                                                                                                                                                                                                                      ومن العرب من يحذف هذه الياءات في الدعاء وغيره من كل شيء. وذلك قبيح قليل إلا ما في رؤوس الآي، فإنه يحذف الوقف. كما تحذف العرب في أشعارها من القوافي نحو قوله: [ طرفة بن العبد ] :

                                                                                                                                                                                                                      (44)

                                                                                                                                                                                                                      (44) حنانيك بعض الشر أهون من بعض



                                                                                                                                                                                                                      وقوله: [ عمرو بن كلثوم ] :


                                                                                                                                                                                                                      (45) ولا تبقي خمور الأندرين

                                                                                                                                                                                                                      إذا وقفوا فإذا وصلوا قالوا: "من بعضي" و "الأندرينا" وذلك في رؤوس الآي كثير نحو قوله: (بل لما يذوقوا عذاب) [و] : (وإياي فاتقون) . فإذا وصلوا أثبتوا الياء. وقد حذف قوم الياء في السكوت والوصل وجعلوه على تلك اللغة القليلة وهي قراءة العامة وبها نقرأ لأن الكتاب عليها.

                                                                                                                                                                                                                      وقد سكت قوم بالياء

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 79 ] ووصلوا بالياء، وذلك على خلاف الكتاب؛ لأن الكتاب ليست فيه ياء وهي اللغة الجيدة. وقد سمعنا عربيا فصيحا ينشد:


                                                                                                                                                                                                                      (46) فما وجد النهدي وجدا وجدته     ولا وجد العذري قبل جميل

                                                                                                                                                                                                                      يريد "قبلي" فحذف الياء. وقد أعمل بعضهم "قبل" إعمال ما ليس فيه ياء فقال: "قبل جميل" وهو يريد "قبلي". كما قال بعض العرب "يا رب اغفر لي" فرفع وهو يريد "يا ربي".

                                                                                                                                                                                                                      وأما قوله: (وتظنون بالله الظنونا) و : (فأضلونا السبيلا) فتثبت فيه "الألف" لأنهما رأس آية؛ لأن قوما من العرب يجعلون أواخر القوافي إذا سكتوا عليها على مثل حالها إذا وصلوها وهم أهل الحجاز. وجميع العرب إذا ترنموا في القوافي أثبتوا في أواخرها الياء والواو والألف. وأما قوله: (يا أبت إني أخاف) فأنث هذا الاسم بالهاء كقولك: "رجل ربعة" و "غلام يفعة". أو يكون أدخلها لما نقص من

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 80 ] الاسم عوضا. وقد فتح قوم كأنهم أرادوا "يا أبتا" فحذفوا "الألف" كما يحذفون الياء، كما قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                      (47)............................     بلهف ولا بـليت ولا لو أني



                                                                                                                                                                                                                      يريد: "لهفاه". ومما يدلك على أن هذا الاسم أنث بالهاء قول الشاعر: [ ابن الحدرجان ]:


                                                                                                                                                                                                                      (48) تقول ابنتي لما رأتني شاحبا     كأنك فينا يا أبات غريب

                                                                                                                                                                                                                      فرد "الألف" وزاد عليها الهاء كما أنث في قوله: "يا أمتاه" فهذه ثلاثة أحرف. ومن العرب من يقول: "يا أم لا تفعلي" رخم كما قال: "يا صاح". ومنهم من يقول: "يا أمي" و"يا أبي" على لغة الذين قالوا: "يا غلامي. ومنهم من يقول: "يا أب" و"يا أم" وهي الجيدة في القياس.

                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية