الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1791 [ ص: 315 ] إسحاق ، عن أبي مرة حديث واحد

حديث رابع عشر لإسحاق

مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب ، عن أبي واقد الليثي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالس في المسجد والناس معه ، إذ أقبل ثلاثة نفر ، فأقبل اثنان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذهب واحد ، فلما وقفا على رسول الله سلما ، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها ، وأما الآخر فجلس خلفهم ، وأما الثالث فأدبر ذاهبا ، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ألا أخبركم على النفر الثلاثة ؟ أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله ، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه .

التالي السابق


هذا حديث متصل صحيح ، وأبو مرة قيل اسمه يزيد ، وقيل عبد الرحمن بن مرة ، فالله أعلم ، وهو من تابعي أهل المدينة ، ثقة ، وأبو واقد الليثي من جلة الصحابة ، شهد حنينا والطائف ، اسمه الحارث بن عوف ، وقيل الحارث بن مالك ، وقد ذكرناه ونسبناه في كتابنا في الصحابة .

وفي هذا الحديث الجلوس إلى العالم في المسجد .

وفيه أن الآتي يسلم على المقصود إليه ، كما يسلم الماشي على القاعد ، والراكب على الماشي .

[ ص: 316 ] وفيه التخطي إلى الفرج في حلقة العالم ، وترك التخطي إلى غير الفرج ، وليس ما جاء من حمد التزاحم في مجلس العالم والحض على ذلك بمبيح تخطي الرقاب إليه ; لما في ذلك من الأذى ، كما لا يجوز التخطي إلى سماع الخطبة في الجمعة والعيدين ونحو ذلك ، فكذلك لا يجوز التخطي إلى العالم إلا أن يكون رجلا يفيد قربه من العالم فائدة ويثير علما ، فيجب حينئذ أن يفتح له لئلا يؤذي أحدا حتى يصل إلى الشيخ ، ومن شرط العالم أن يليه من يفهم عنه لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلني منكم أولو الأحلام والنهى يعني في الصلاة وغيرها ; ليفهموا عنه ويؤدوا ما سمعوا كما سمعوا من غير تبديل معنى ولا تصحيف ، وفي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمتخطي يوم الجمعة " آذيت وآنيت " بيان أن التخطي أذى ، ولا يحل أذى مسلم بحال في الجمعة وغير الجمعة ، ومعنى التزاحم بالركب في مجلس العالم الانضمام والالتصاق ، ينضم القوم بعضهم إلى بعض على مراتبهم ، ومن تقدم إلى موضع فهو أحق به إلا أن يكون ما ذكرنا من قرب أولي الفهم من الشيخ ، فيفسح له ، ولا ينبغي له أن يتبطأ ثم يتخطى إلى الشيخ ليرى الناس موضعه منه ، فهذا مذموم ، ويجب لكل من علم موضعه أن يتقدم إليه بالتبكير ، والبكور إلى مجلس العالم كالبكور إلى الجمعة في الفضل إن شاء الله .

وقد أتينا من القول في أدب العالم والمتعلم بما فيه كفاية وشفاء في كتابنا كتاب بيان العلم .

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث " آوى إلى الله " يعني فعل ما يرضاه الله فحصل له الثواب من الله ، ومثل ذلك قوله عليه السلام [ ص: 317 ] الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما آوى إلى الله يعني ما كان لله ورضيه ، والله أعلم .

وأما قوله في الثاني : فاستحيا فاستحيا الله منه ، فهو من اتساع كلام العرب في ألفاظهم وفصيح كلامهم ، والمعنى فيه ، والله أعلم أن الله قد غفر له لأنه من استحيا الله منه لم يعذبه بذنبه وغفر له ، بل لم يعاتبه عليه ، فكان المعنى في الأول أن فعله أوجب له حسنة ، والآخر أوجب له فعله محو سيئة عنه ، والله أعلم .

وأما قوله في الثالث ، فأعرض فأعرض الله عنه ، فإنه - والله أعلم - أراد : أعرض عن عمل البر فأعرض الله عنه بالثواب ، وقد يحتمل أن يكون المعرض عن ذلك المجلس من في قلبه نفاق ومرض ; لأنه لا يعرض في الأغلب عن مجلس رسول الله إلا من هذه حاله ، بل قد بان لنا بقول رسول الله : فأعرض فأعرض الله عنه ، أنه منهم ; لأنه لو أعرض لحاجة عرضت له ما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك القول فيه ، ومن كانت هذه حاله كان إعراض الله عنه سخطا عليه ، وأسأل الله المعافاة والنجاة من سخطه بمنه ورحمته .

[ ص: 318 ] إسحاق عن حميدة حديث واحد




الخدمات العلمية