الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
186 - باب ذكر تزويج فاطمة رضي الله عنها بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وعظيم ما شرفها الله عز وجل به في التزويج من الكرامات التي خصهما الله عز وجل بها 1614 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي ، قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني ، قال : حدثنا محمد بن حميد الرازي ، قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، قال : حدثني عمرو بن أبي قيس ، عن شعيب بن خالد البجلي ، عن عثمان بن حنظلة بن سبرة بن المسيب بن نجبة ، عن أبيه عن جده ، عن عبد الله بن عباس قال : كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها تذكر ، فلا يذكرها أحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أعرض عنه ، فقال سعد بن معاذ الأنصاري لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : إني والله ما أرى النبي صلى الله عليه وسلم يريد بها غيرك ، فقال علي : أترى ذلك ؟ وما أنا بواحد من الرجلين ما أنا بذي دنيا يلتمس ما عندي ، لقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ما لي حمراء ولا بيضاء ، فقال له سعد : لتفرجنها عني أعزم عليك لتفعلن . قال : فقال له علي : فأقول ماذا ؟ قال : تقول له : جئتك خاطبا إلى الله وإلى رسوله فاطمة ابنة محمد صلى الله عليه وسلم فإن لي في ذلك فرحا . فانطلق علي رضي الله عنه حتى تعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كأنك لك حاجة ؟" قال : أجل ، فقال : "هات" . [ ص: 2126 ] فقال : جئتك خاطبا إلى الله ورسوله فاطمة ابنة محمد ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مرحبا مرحبا" . ولم يزده على ذلك ، ثم تفرقا ، فلقي علي رضي الله عنه سعد بن معاذ فقال له سعد : ما صنعت ؟ قال : قد فعلت الذي كلفتني ، فما زادني على أن رحب بي . فقال له سعد : بالرفعة والبركة ، قد أنكحك والذي بعثه بالحق ، إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخلف ولا يكذب ، أعزم عليك لتلقينه غدا ولتقولن له : يا رسول الله ؛ متى تبني لي ؟ . فقال له : هذه أشد من الأولى ، أو لا أقول حاجتي ؟ فقال له : لا . فانطلق حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : يا رسول الله متى تبني لي ؟ . فقال له : "الليلة إن شاء الله" ، ثم انصرف ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فقال : "إني قد زوجت فاطمة ابنتي من ابن عمي وأنا أحب أن يكون من أخلاق أمتي الطعام عند النكاح ، اذهب يا بلال إلى الغنم فخذ شاة وخمسة [ ص: 2127 ] أمداد فاجعل لي قصعة لعلي أجمع عليها المهاجرين والأنصار" . قال : ففعل ذلك ، وأتاه بها حين فرغ فوضعها بين يديه . قال : فطعن في أعلاها ، ثم تفل وبرك . ثم قال : "ادع الناس إلى المسجد ، ولا تفارق رفقة إلى غيرها" ، فجعلوا يردون عليها رفقة رفقة ، كلما وردت رفقة ، نهضت أخرى حتى تتابعوا ثم كفت فتفل عليه وبرك ، ثم قال : "يا بلال احملها إلى أمهاتك وقل لهن : كلن وأطعمن من غشيكن" ، ففعل ذلك بلال ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على النساء ، فقال لهن : "إني قد زوجت ابنتي من ابن عمي ، وقد علمتن منزلتها مني ، وإني دافعها إليه الآن فدونكن ابنتكن" . فقمن إلى الفتاة ، فعلقن عليها من حليهن وطيبنها ، وجعلن في بيتها فراشا حشوه ليف ، ووسادة وكساء خيبريا ومخضبا ، واتخذن أم أيمن بوابة ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل هو وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى جلسا مجلسهما . وفاطمة رضي الله عنها مع النساء ، وبينهن وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاب ، فهتف : "يا فاطمة " - وهي في بعض بيوته - فأقبلت ، فلما رأت زوجها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حصرت وبكت ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ادني مني" ، فدنت منه ، وأخذ بيدها ويد علي ، فلما أراد أن يجعل كفها في كفه حصرت ودمعت عيناها فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إلى علي وأشفق أن يكون بكاها من أجل أنه ليس له شيء ، فقال لها : "ما ألوتك ونفسي ، لقد أصبت بك القدر ، زوجتك خير أهلي ، وايم الله لقد زوجتك سيدا في الدنيا ، وإنه في الآخرة من الصالحين" ، قال : فلان منها . وأمكنته من كفها ، فقال لهما : "اذهبا إلى بيتكما ، جمع الله بينكما وأصلح بالكما ، لا تهيجا شيئا حتى آتيكما" ، فأقبلا حتى جلسا مجلسهما ، وعندهما أمهات [ ص: 2128 ] المؤمنين والنساء وبينهن وبين علي حجاب وفاطمة مع النساء ، ثم أقبل النبي صلى الله عليه وسلم حتى دق الباب ، فقالت له أم أيمن : من هذا ؟ فقال : "أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفتحت له الباب وهي تقول : بأبي أنت وأمي . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أثم أخي يا أم أيمن ؟" فقالت له : ومن أخوك ؟ فقال : " علي بن أبي طالب " رضي الله عنه . فقالت : يا رسول الله ، هو أخوك وتزوجه ابنتك ؟ ! فقال : "نعم" . فقالت له : إنما نعرف الحلال والحرام بك . فدخل وخرجت النساء مسرعات وبقيت أسماء بنت عميس ، فلما بصرت برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا بهشت لتخرج . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "على رسلك . من أنت ؟" فقالت : أنا أسماء بنت عميس بأبي وأمي إن الفتاة ليلة يبنى بها لا غنى بها عن امرأة إن حدث لها حاجة أفضت بها إليها . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما أخرجك إلا ذلك ؟" فقالت : إي والذي بعثك بالحق ما أكذب ، والروح الأمين عليه السلام يأتيك . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فأسأل إلهي أن يحرسك من فوقك ومن تحتك ومن بين يديك ومن خلفك ، وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم ، ناوليني المخضب واملئيه ماء" . فنهضت أسماء ابنة عميس فملأت المخضب ماء ثم أتته به ، فملأ فاه ثم مجه فيه ، ثم قال : "اللهم إنهما مني وأنا منهما اللهم كما أذهبت عني الرجس وطهرتني فطهرهما" . ثم دعا فاطمة فقامت إليه وعليها النقبة وإزارها ، فضرب كفا من ماء بين ثدييها ، وأخرى بين عاتقيها ، وبأخرى على هامتها ، ثم نضح جلدها وجلده ، ثم التزمها ، ثم قال : "اللهم إنهما مني وأنا منهما ، اللهم فكما أذهبت عني الرجس وطهرتني فطهرهما" ، ثم أمرها ببقيته أن تشرب وتمضمض وتستنشق وتتوضأ ، ثم دعا بمخضب آخر فصنع به كما صنع بصاحبه مثل ذلك ودعا له كما دعا لها ، ثم أغلق عليهما بابهما وانطلق . [ ص: 2129 ] فزعم عبد الله بن عباس عن أسماء بنت عميس أنه لم يزل يدعو لهما خاصة حتى وارته حجرته ، حتى ما يشرك معهما في دعائه أحدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية