الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
518 حديث ثان لأيوب السختياني مسند صحيح

مالك ، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني ، عن محمد بن سيرين ، عن أم عطية الأنصارية أنها قالت : دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه - حين توفيت ابنته ، فقال : اغسلنها ثلاثا ، أو خمسا ، أو أكثر من ذلك بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافورا - أو شيئا من كافور - فإذا فرغتن ، فآذنني قالت : فلما فرغنا آذناه ، فأعطانا حقوه ، فقال : أشعرنها إياه ، قال مالك : يعني بحقوه : إزاره .

التالي السابق


قال أبو عمر : قالت طائفة من أهل السير والعلم بالخبر : إن ابنة رسول الله - صلى الله عليه - التي شهدت أم عطية غسلها هي أم كلثوم ، فالله [ ص: 372 ] أعلم ، وكل من روى هذا الحديث فيما علمت ، عن مالك في الموطأ يقولون فيه بعد قوله " أو أكثر من ذلك " : إن رأيتن ذلك ، وسقط ليحيى " إن رأيتن ذلك " ليس في روايته ، ولا في نسخته في الموطأ ، ولا أعلم أحدا من أصحاب أيوب أيضا إلا وقد ذكر هذه الكلمة في حديثه هذا قوله " إن رأيتن ذلك " وقد روى هذا الحديث عن أيوب جماعة ، أثبتهم فيه حماد بن زيد ، وابن علية ، وروايتهما لهذا الحديث كرواية مالك سواء إلى آخره ، إلا أنهما زادا فيه ، فقالا : قال أيوب : وقالت حفصة بنت سيرين ، عن أم عطية ، في هذا الحديث " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك " قال : وقالت حفصة : قالت أم عطية : مشطناها ثلاثة قرون .

قال أبو عمر : كانت حفصة بنت سيرين قد روت هذا الخبر عن أم عطية بأكمل ألفاظ ، فكان محمد بن سيرين يروي عن أخته حفصة ، عن أم عطية من ذلك ما لم يحفظه عن أم عطية ، فمما كان يرويه عن حفصة ، عن أم عطية ، قولها : ومشطناها ثلاثة قرون ، لم يسمع ابن سيرين هذه اللفظة من أم عطية ، فكان يرويها عن أخته حفصة ، عن أم عطية ، حدث بذلك عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن حفصة ، عن أم عطية قوم ، منهم ابن عيينة ، ويزيد بن زريع .

وقد روى أيوب هذا الحديث عن حفصة بنت سيرين ، عن أم عطية ، وعن محمد بن سيرين ، عن أم عطية ، فكان يروي عن كل واحد منهما حديثه على وجهه ، وكان من أحفظ الناس .

قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا أحمد بن محمد القاضي البرتي ببغداد ، قال : حدثنا أبو معمر قال : [ ص: 373 ] حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا أيوب ، عن حفصة بنت سيرين ، عن أم عطية قالت : دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه - ونحن نغسل ابنة له ، فقال : اغسلنها بماء وسدر ، واغسلنها وترا ؛ ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك ، واجعلن في آخرهن كافورا - أو شيئا من كافور - فإذا فرغتن فآذنني . فلما فرغنا ألقى إلينا حقوه فقال : أشعرنها إياه ، قالت : فمشطناها - أو قالت : ضممنا رأسها - ثلاثة قرون .

قال أبو عمر : هذا الحديث هو أصل السنة في غسل الموتى ، ليس يروى عن النبي عليه السلام في غسل الميت حديث أعم منه ولا أصح ، وعليه عول العلماء في ذلك ، وهو أصلهم في هذا الباب .

وأما رواية حفصة عن أم عطية في هذا الحديث : أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك ، فإن ذكر السبع وما فوقها لا يوجد من حديث أم عطية إلا من رواية حفصة بنت سيرين ، ولا أعلم أحدا من العلماء قال بمجاوزة سبع غسلات في غسل الميت ، وقد روى أنس عن أم عطية هذا الحديث بما يدل على أن الغسلات لا يتجاوز بها سبع ، وذلك موافق لرواية محمد بن سيرين .

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا محمد بن سنان العوقي أبو بكر قال : حدثنا همام قال : حدثنا قتادة ، عن أنس أنه كان يأخذ ذلك عن أم عطية ، قالت : غسلنا ابنة النبي عليه السلام ، فأمرنا أن نغسلها بالسدر [ ص: 374 ] ثلاثا ، فإن أنجت وإلا فخمسا وإلا فأكثر من ذلك ، قال فرأينا أن أكثر من ذلك سبع .

واختلف العلماء في البلوغ بغسل الميت إلى سبع غسلات ، فقال منهم قائلون : أقصى ما يغسل الميت ثلاث غسلات ، فإن خرج منه شيء بعد الغسلة الثالثة غسل ذلك الموضع وحده ولا يعاد غسله ، وممن قال هذا أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري ، وإليه ذهب المزني ، وأكثر أصحاب مالك ، ومنهم من قال : يوضأ إذا خرج منه شيء بعد الغسلة الثالثة ولا يعاد غسله ; لأن حكمه حكم الجنب إذا اغتسل وأحدث بعد الغسل استنجى بالأحجار أو بالماء ثم توضأ ، فكذلك الميت ، وقال ابن القاسم إن وضئ فحسن ، وإنما هو الغسل .

قال أبو عمر : لأنها عبادة على الحي قد أداها ، وليس على الميت عبادة ، وقال الشافعي : إن خرج منه شيء بعد الغسلة الثالثة أعيد غسله ، وتحصيل مذهب مالك أنه إذا جاء منه الحدث بعد كمال غسله أعيد وضوءه للصلاة ، ولم يعد غسله ، وقال أحمد بن حنبل : يعاد غسله أبدا إذا خرج منه شيء إلى سبع غسلات ، ولا يزاد على سبع ، وإن خرج منه شيء بعد السابعة غسل الموضع وحده ، وإن خرج منه شيء بعدما كفن رفع ولم يلتفت إلى ذلك ، وهو قول ابن إسحاق ، وكل قول من هذه الأقوال قد روي عن جماعة من التابعين ، ذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين قال : يغسل الميت ثلاثا ، فإن خرج منه شيء بعد الثلاثة غسلوه خمسا ، فإن خرج منه شيء غسل سبعا ، قال : وأخبرنا هشام ، عن ابن سيرين مثله ، قال هشام : وقال الحسن يغسل ثلاثا ، فإن خرج منه شيء غسل ما خرج منه ، ولم يزد على الثلاث ، قال : وأخبرنا [ ص: 375 ] ابن جريج قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول : غسل رسول الله - صلى الله عليه - ثلاث غسلات ، كلهن بماء وسدر ، قال : وأخبرنا الثوري ، عن الزبير بن عدي ، عن إبراهيم قال في غسل الميت : الأولى بماء قراح يوضيه وضوء الصلاة ، والثانية بماء وسدر ، والثالثة بماء قراح ، ويتبع مساجده بالطيب .

قال أبو عمر : كان إبراهيم النخعي لا يرى الكافور في الغسلة الثالثة ، ولا يغسل الميت عنده أكثر من ثلاث ليس في شيء منها كافور ، وإنما الكافور عنده في الحنوط لا في شيء من الماء ، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وأصحابه ، ولا معنى لذلك لأنه قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه - أنه قال للنساء اللاتي غسلن ابنته : اجعلن في الآخرة كافورا ، وعلى هذا جمهور العلماء أن يغسل الميت الغسلة الأولى بالماء القراح ، والثانية بالماء والسدر ، والثالثة بماء فيه كافور .

حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا هدبة بن خالد قال : حدثنا همام قال : حدثنا قتادة ، عن محمد بن سيرين أنه كان يأخذ الغسل عن أم عطية يغسل بالماء والسدر مرتين ، والثالثة بالماء والكافور ، ومن أهل العلم من يذهب إلى أن الغسلات الثلاث كلها بالسدر على ما جاء في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه - غسل ثلاث غسلات كلهن بماء وسدر .

وقال أبو بكر الأثرم : قلت لأحمد بن حنبل : تذهب إلى السدر في الغسلات كلها ؟ قال : نعم ، السدر فيها كلها على حديث أم عطية ، اغسلنها ثلاثا ، أو خمسا ، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر ، وحديث ابن عباس بماء وسدر ، ثم قال : ليس في غسل الميت أرفع من حديث [ ص: 376 ] أم عطية ولا أحسن منه ، فيه ثلاثا أو خمسا أو سبعا ، وابدأن بميامنها ، ثم قال : ما أحسنه .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا ابن علية ، عن خالد الحذاء ، عن حفصة ، عن أم عطية أن رسول الله - صلى الله عليه - ، قال لهن في غسل ابنته : ابدأن بميامنها ، ومواضع الوضوء منها .

قال أبو عمر : تطهير الميت تطهير عبادة لا إزالة نجاسة ، وإنما هو كالجنب ، وغسله كغسل الجنب سواء ، فأول ما يبدأ الغاسل به من أمره بعد ستره جهده أن يعصر بطنه عصرا خفيفا رفيقا ، فإن الاستنجاء يقدم في الوضوء على كل شيء ، فإن خرج منه شيء تناول غسل أسفله ، وعلى يده خرقة ، ولا يحل له أن يباشر قبله ولا دبره إلا وعلى يده خرقة ملفوفة يدخل بها يده من تحت الثوب الذي يسجى به الميت ويستر به للغسل ، فيغسل فرجيه غسلا ناعما ، ويوالي بصب الماء على يد الغاسل حتى يصح إنقاؤه ، ثم يبتدئ فيوضئه وضوء الصلاة ، قال أبو الفرج حاكيا عن مالك : يجعل الغاسل خرقة على يده يباشر بها فرج الميت إن احتاج إلى ذلك ، وكذلك قال الوقار .

قال أبو عمر : اختلف العلماء في مضمضة الميت عند وضوئه وفي غسل أنفه ودلك أسنانه ، فرأى ذلك منهم قوم وأباه آخرون ، ولا وجه لقول من أبى من ذلك ، فإذا فرغ بوضوئه بدأ بغسل شقه الأيمن من رأسه إلى طرف قدمه اليمنى ثم يصرفه برفق على شقه ، فيغسل شقه الأيسر من قرن رأسه إلى طرف قدمه حتى يأتي الغسل على جميعه بالماء القراح ، وإن كان فيه سدر فحسن ثم يغسله غسلة ثانية بماء فيه ورق سدر مدقوق ، [ ص: 377 ] أو بسدر يجعله في رأسه ولحيته ويغسله به ، ويبدأ برأسه قبل لحيته ، فإن لم يكن سدر فبالأشنان أو بالخطمي أو بالحرض أو الماء القراح ، حتى يأتي أيضا على تمام غسله كغسل الجنابة ، وهو في ذلك كله يستره طاقته ، ويغض بصره عن عورته ، كما يفعل بالحي ، وإن كان به قروح أو جراح أخذ عفوه ، ومن أهل العلم من يستحب أن يوضيه في كل غسلة ، ومنهم من يقول : الوضوء في أول مرة يكفي ، ثم يغسل الثالثة بماء الكافور كما غسله في الأولى ، فإذا أكمل غسله جففه وحشى داخل إزاره قطنا وهو على مغتسله ، ثم شد عليه شدادته من خلفه إلى مقدمه ثم حمله رفقا في ثوبه إلى نعشه ، وأدرجه في أكفانه ، ووجه العمل أن يبدأ الغاسل بتهذيب أكفانه ونشرها وتجميرها قبل أخذه في غسله ، والوتر عندهم في الغسلات مستحب غير واجب عند الجميع ، وليس الوتر في غسل الميت كالوتر في الاستنجاء بالأحجار عند من أوجب ذلك .

ذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : يغسل الميت وترا ثلاثا أو خمسا أو سبعا كلهن بماء وسدر ، وفي كل غسلة يغسل رأسه مع سائر جسده ، قلت : ويجزئ واحدة ؟ قال : نعم إذا أنقوا ، قال : وأخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، وابن سيرين قالا : إذا طال مرضه ولم يجدوا سدرا غسلوه بالأشنان إن شاءوا ، ويقال إن أعلم التابعين بغسل الميت ابن سيرين ثم أيوب ، وكلاهما كان غاسلا متوليا لذلك بنفسه محسنا مجيدا .

ذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، في الميت يغسل ، قال : توضع خرقة على فرجه ، وأخرى على وجهه ، فإذا [ ص: 378 ] أراد أن يوضيه كشف الخرقة عن وجهه ، فيوضيه بالماء وضوء الصلاة ، ثم يغسله بالماء والسدر مرتين من رأسه إلى قدمه ، يبدأ بميامنه ، ولا يكشف الخرقة التي على فرجه ، ولكن يلف على يده خرقة إذا أراد أن يغسل فرجه ، ويغسل ما تحت الخرقة التي على فرجه بماء ، فإذا غسله مرتين بالماء والسدر غسله المرة الثالثة بماء فيه كافور ، قال : والمرأة أيضا كذلك ، قال : فإذا فرغ الغاسل اغتسل إن شاء ، أو توضأ .

قال أبو عمر : لا غسل ولا وضوء على الغاسل واجبا عند جماعة الفقهاء وجمهور العلماء ، وهو المشهور من مذهب مالك ، والمعمول به عند أصحابه على حديث أسماء بنت عميس حين غسلت أبا بكر ، وستأتي هذه المسألة في بابها من هذا الكتاب إن شاء الله .

قال أبو عمر : إنما قال ابن سيرين : يضع خرقة على وجهه سترا له ; لأن الميت ربما يتغير وجهه بالسواد ونحوه عند الموت ، وذلك لداء أو لغلبة دم ، فينكره الجهال ، وقد روي عن النبي عليه السلام من مراسل الثقات ، الشعبي وغيره ، أنه قال : من غسل ميتا ولم يفش عليه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه .

وقال أبو بكر الأثرم : قيل لأحمد بن حنبل يغطى وجه الميت ؟ قال : لا ، إنما يغطى ما بين سرته إلى ركبته ، وأما قوله في هذا الحديث [ ص: 379 ] " أعطانا حقوه فقال : أشعرنها إياه " فالحقو : الإزار ، وقيل : المئزر ، قال منقذ بن خالد الهذلي :


مكبلة قد خرق الردف حقوها وأخرى عليها حقوها لم يخرق

والحقو مكسور الحاء بلغة هذيل ، وقد قيل " حقوها " بالفتح ، وجمعه حقي ، وأحقاء ، وأحق .

وأما قوله : وأشعرنها إياه ، فإنه أراد اجعلنه يلي جسدها قبل سائر أكفانها ، ومنه قول عائشة : كان رسول الله - صلى الله عليه - لا يصلي في شعرنا ولا لحفنا - يعني ما يلي أجسادنا من الثياب - ونحن حيض ، ومنه الحديث " الأنصار شعار والناس دثار " فالشعار هاهنا أراد به ما قرب من القلب ، والدثار ما فوق الشعار .

وقال ابن وهب في قوله : أشعرنها إياه ، إنه يجعل الإزار شبه المئزر ، ويفضي به إلى جلدها ، وذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : قلت لأيوب : ما قوله : " أشعرنها إياه " أتوزر ؟ قال : لا أراه إلا قال : ألففنها فيه ، قال : وكذلك كان ابن سيرين يأمر بالمرأة أن تشعر لفافة ، ولا توزر ، وقال إبراهيم النخعي : الحقو فوق الدرع ، وخالفه الحسن ، وابن سيرين ، والناس فجعلوا الحقو يلي أسفلها مباشرا لها ، وقال ابن علية : الحقو هو النطاق الذي تنطق به الميتة ، وهو سبنية طويلة يجمع بها فخذاها تحصينا لها أن يخرج منها شيء كنطاق الحيض ، وهو أحد الخمسة الأثواب التي تكفن بها المرأة ، أحدها درع وهو القميص ، ولفافتان وخصار ، وهذا النطاق لأنه يؤخذ بعد غسلها قطعة كرسف فيحشى به أسفلها ، ويؤخذ النطاق فيلف [ ص: 380 ] على عجزها ، ويجمع به فخذاها ، كما يلف النطاق عليها ، ويخرج طرفا السبنية مما يلي عجزها يشد به عليها إلى قريب من ركبتها ، وقد قال عيسى بن دينار : يلف على عجزها وفخذيها حتى يسوى ذلك منها بسائر جسدها ، ثم تدرج في اللفافتين كما يدرج الرجل ، قال : ولو لم يكن إلا ثوب واحد كان الخمار أولى من المئزر ; لأنها تصلي في الدرع والخمار ، ولا تصلي في الدرع والمئزر .

قال أبو عمر : كيفما صنع بها مما يكون تحصينا لأسفلها فحسن ، وليس في ذلك شيء لازم لا يتعدى ، وقد ذكرنا أقاويل العلماء في أكفان الرجال والنساء في باب هشام بن عروة ، والحمد لله .

وفي هذا الحديث ما يدل على أن النساء أولى بغسل المرأة من الزوج ; لأن بنات رسول الله اللواتي توفين في حياته - زينب ، ورقية ، وأم كلثوم - لم يبلغنا أن إحداهن غسلها زوجها .

وأجمع العلماء على جواز غسل المرأة زوجها ، وغسلت أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر بمحضر جلة من الصحابة ، وكذلك غسلت أبا موسى امرأته .

واختلفوا في غسل الرجل امرأته ، فأجاز ذلك جمهور من العلماء من التابعين والفقهاء ، وهو قول مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وداود ، وحجتهم أن علي بن أبي طالب غسل زوجته فاطمة ، وقياسا على غسلها إياه ، ولأنه كان يحل له من النظر إليها ما لا يحل للنساء ، وقال أبو حنيفة ، والثوري ، وروي ذلك عن الشعبي : لا يغسلها ; لأنه ليس في عدة منها ، وهذا ما لا معنى له ; لأنها في حكم الزوجة لا في حكم المبتوتة بدليل الموارثة ، والأصل في هذه المسألة غسل علي فاطمة [ ص: 381 ] - رضي الله عنهما - رواه الدراوردي ، عن عمارة بن المهاجر ، عن أم عون بنت عبد الله بن جعفر ، عن جدتها أسماء بنت عميس ، قالت : أوصت فاطمة - رضي الله عنها - أن نغسلها أنا وعلي ، فغسلتها أنا وعلي .

وذكر عبد الرزاق هذا الخبر فلم يقم إسناده ، وهو خبر مشهور عند أهل السير ، قال عبد الرزاق : وأخبرنا الثوري قال : سمعت حمادا يقول : إذا ماتت المرأة مع القوم ، فالمرأة يغسلها زوجها ، والرجل امرأته ، قال سفيان : ونحن نقول : لا يغسل الرجل امرأته لأنه لو شاء تزوج أختها حين ماتت ، ويقول : تغسل المرأة زوجها ; لأنها في عدة منه ، قال عبد الرزاق : وأخبرنا هشام ، عن الحسن قال : إذا لم يجدوا امرأة مسلمة ولا يهودية ولا نصرانية غسلها زوجها وابنها .

قال أبو عمر : قد روي عن ابن عباس أنه قال : أحق الناس بغسل المرأة والصلاة عليها زوجها ، ويحتمل هذا من الرجال ، فذلك جائز ، والنساء أيضا جائز كل ذلك ، والله الموفق للصواب .

وأما غسل المرأة زوجها فلم يختلفوا فيه ، وهو أولى ما عمل به ، وروى سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة أن أبا بكر أوصى أسماء أن تغسله ، وكانت صائمة ، فعزم عليها لتفطرن ، وقال أبو بكر بن حفص : أوصى أبو بكر أسماء بنت عميس ، قال : إذا أنا مت فاغسليني ، وأقسم عليك لتفطرن ليكون أقوى لك ، ولتغسلي عبد الرحمن ابني .




الخدمات العلمية