الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم

                                                                                                                                                                                                                                        (80 ) أي : فلما استيأس إخوة يوسف من يوسف أن يسمح لهم بأخيهم خلصوا نجيا أي : اجتمعوا وحدهم ليس معهم غيرهم ، وجعلوا يتناجون فيما بينهم ، فـ قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله في حفظه ، وأنكم تأتون به إلا أن يحاط بكم ، ومن قبل ما فرطتم في يوسف : فاجتمع عليكم الأمران : تفريطكم في يوسف السابق ، وعدم إتيانكم بأخيه باللاحق ، فليس لي وجه أواجه به أبي . فلن أبرح الأرض أي : سأقيم في هذه الأرض ولا أزال بها ، حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي أي : يقدر لي المجيء وحدي أو مع أخي ، وهو خير الحاكمين .

                                                                                                                                                                                                                                        (81 ) ثم وصاهم بما يقولون لأبيهم ، فقال : ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق أي : وأخذ بسرقته ، ولم يحصل لنا أن نأتيك به مع ما بذلنا من الجهد في ذلك . والحال أنا ما شهدنا بشيء لم نعلمه ، وإنما شهدنا بما علمنا ؛ لأننا رأينا الصواع استخرج من رحله . وما كنا للغيب حافظين أي : لو كنا نعلم الغيب ؛ لما حرصنا وبذلنا المجهود في ذهابه معنا ، ولما أعطيناك عهودنا ومواثيقنا ؛ فلم نظن أن الأمر سيبلغ ما بلغ .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 802 ] (82 واسأل : إن شككت في قولنا القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها فقد اطلعوا على ما أخبرناك به وإنا لصادقون : لم نكذب ولم نغير ولم نبدل ، بل هذا الواقع .

                                                                                                                                                                                                                                        (83 ) فلما رجعوا إلى أبيهم وأخبروه بهذا الخبر ، اشتد حزنه وتضاعف كمده ، واتهمهم أيضا في هذه القضية كما اتهمهم في الأولى ، و قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل أي : ألجأ في ذلك إلى الصبر الجميل الذي لا يصحبه تسخط ولا جزع ولا شكوى للخلق ، ثم لجأ إلى حصول الفرج لما رأى أن الأمر اشتد والكربة انتهت فقال : عسى الله أن يأتيني بهم جميعا أي : يوسف وبنيامين وأخوهم الكبير الذي أقام في مصر . إنه هو العليم : الذي يعلم حالي واحتياجي إلى تفريجه ومنته واضطراري إلى إحسانه ، الحكيم : الذي جعل لكل شيء قدرا ، ولكل أمر منتهى بحسب ما اقتضته حكمته الربانية .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية