الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر قصة ثمود

وكانوا قد عتوا وكفروا بالله وأفسدوا في الأرض ، وكانوا قد مدت أعمارهم ، وكانوا يسكنون الحجر إلى وادي القرى من الحجاز والشام ، فكان أحدهم يبني المساكن من المدر فتنهدم والرجل منهم حي ، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتا فنحتوها وجابوها وجوفوها .

فبعث الله تعالى إليهم بعد هلاك قوم عاد صالح بن عبيد بن جاذر بن جابر بن ثمود ، ويقال: ابن جاثر بالثاء ، فدعاهم إلى التوحيد فلم يزدهم دعاؤه إلا طغيانا ، [ ص: 256 ] فقالوا: ائتنا بآية فقال اخرجوا إلى هضبة من الأرض ، فخرجوا فإذ هي تمخض تمخض الحامل ، ثم انفرجت فخرجت من وسطها ناقة فقال . هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله . وكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون يوما ، ويحتلبونها في يوم شربها عوض ما شربت . وكان صالح لا يبيت عندهم بل في مسجد له ، فهموا بقتله فكمنوا له تحت صخرة يرصدونه فرضختهم الصخرة فأصبح الناس يقولون قتلهم صالح ، فاجتمعوا على عقر الناقة ، فذهبوا إليها وهي على حوضها قائمة ، فضرب أحدهم - واسمه قدار بن سالم - عرقوبها فوقعت تركض ، فجاء الخبر إلى صالح ، فأقبل فأخذوا يعتذرون إليه ويقولون: إنما عقرها فلان .

فقال: انظروا هل تدركون فصيلها فإن أدركتموه فعسى يرفع عنكم العذاب ، فخرجوا وقد صعد إلى رأس الجبل ، فلم يقدروا عليه فرغا ثلاثا ، فقال صالح : لكل رغوة أجل يوم تمتعوا في داركم ثلاثة أيام . ألا إن آية العذاب أن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة ، [واليوم الثاني محمرة واليوم] الثالث مسودة ، فأصبحوا كأنما طليت وجوههم بالخلوق ، صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهم وأنثاهم . فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم: ألا قد مضى يوم من الأجل وحضركم العذاب . فلما أصبحوا إذا وجوههم محمرة كأنما خضبت بالدماء ، فضجوا وبكوا وعرفوا آية العذاب فلما أمسوا صاحوا: ألا قد مضى يومان ، فلما أصبحوا اليوم الثالث إذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار ، فتحنطوا بالصبر وتكفنوا بالأنطاع ، ثم ألقوا نفوسهم بالأرض لا يدرون من أين يأتيهم العذاب ، فلما أصبحوا في اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة ، فتقطعت قلوبهم في صدورهم وهلكوا .

وكان منهم رجل بالحرم يقال له "أبو رغال" ، منعه الحرم من العذاب .

وذكر أن صالحا أقام في قومه عشرين سنة ، وتوفي بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة . وقيل: بل عاش مائتي سنة وسبعين ، ثم بعث الله تعالى بعده إبراهيم الخليل .

أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، أخبرنا [ ص: 257 ] محمد بن علي بن الفتح ، أخبرنا علي بن الحسين بن سكينة ، حدثنا محمد بن أبي القاسم بن مهدي ، حدثنا علي بن أحمد بن أبي قيس حدثنا عبد الله بن محمد القرشي حدثنا علي بن الجعد ، حدثنا معاوية ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، قال:

كان رجل في قوم صالح قد أذاهم ، فقالوا: يا نبي الله ادع الله عليه ، فقال: اذهبوا فقد كفيتموه . وكان يخرج كل يوم فيحتطب ، فخرج يومئذ ومعه رغيفان فأكل أحدهما وتصدق بالآخرة فاحتطب ثم جاء بحطبه سالما ، فجاءوا إلى صالح فقالوا: لقد جاء بحطبه سالما لم يصبه شيء . فدعاه صالح فقال: أي شيء صنعت اليوم؟ قال: خرجت ومعي قرصتان فتصدقت بإحداهما وأكلت الأخرى ، فقال له صالح : حل حطبك ، فحله فإذا فيه أسود مثل الجذع عاض على جزل من الحطب ، فقال له صالح : فهذا دفع عنك . يعني بصدقتك عن الرغيف .

التالي السابق


الخدمات العلمية