الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      يعقوب بن شيبة

                                                                                      ابن الصلت بن عصفور ، الحافظ الكبير العلامة الثقة ، أبو يوسف ، السدوسي البصري ثم البغدادي ، صاحب " المسند " الكبير ، العديم النظير المعلل ، الذي تم من مسانيده نحو من ثلاثين مجلدا . ولو كمل لجاء في مائة مجلد .

                                                                                      مولده في حدود الثمانين ومائة ، وسماعاته على رأس المائتين . [ ص: 477 ]

                                                                                      سمع علي بن عاصم ، ويزيد بن هارون ، وروح بن عبادة ، وأزهر بن سعد السمان ، وبشر بن عمر الزهراني ، وجعفر بن عون ، وأبا عامر العقدي ، وشجاع بن الوليد ، وعبد الله بن بكر السهمي ، ومحاضر بن المورع ، وعبد الوهاب بن عطاء ، وأبا النضر ، ويعلى بن عبيد ، ووهب بن جرير ، وحجاج بن منهال ، وينزل إلى أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، ويحيى بن معين ، ثم إلى الحسن بن علي الحلواني ، وهارون الحمال ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، وأبي بكر الأعين ، ثم ينزل إلى أصحاب يحيى بن معين ، وابن المديني ، ويخرج العالي والنازل ، ويذكر أولا سيرة الصحابي مستوفاة ، ثم يذكر ما رواه ، ويوضح علل الأحاديث ، ويتكلم على الرجال ، ويجرح ويعدل ، بكلام مفيد عذب شاف ، بحيث إن الناظر في " مسنده " لا يمل منه ، ولكن قل من روى عنه .

                                                                                      حدث عنه : حفيده محمد بن أحمد بن يعقوب ، ويوسف بن يعقوب الأزرق ، وطائفة .

                                                                                      وثقه أبو بكر الخطيب وغيره .

                                                                                      قال أبو الحسن الدارقطني : لو كان كتاب يعقوب بن شيبة مسطورا على حمام لوجب أن يكتب ، يعني : لا يفتقر الشخص فيه إلى سماع .

                                                                                      قال الخطيب : حدثني الأزهري قال : بلغني أنه كان في منزل يعقوب بن شيبة أربعون لحافا ، أعدها لمن كان عنده من الوراقين الذين يبيضون له " المسند " قال : ولزمه على ما خرج منه عشرة آلاف [ ص: 478 ] دينار . ثم قال : وقيل : إن نسخه بمسند أبي هريرة منه شوهدت بمصر ، فكانت في مائتي جزء . قال : والذي ظهر له مسند العشرة ، وابن مسعود ، وعمار ، والعباس ، وعتبة بن غزوان ، وبعض الموالي .

                                                                                      قلت : وبلغني أنه شوهد له " مسند " علي في خمسة أسفار .

                                                                                      قال أحمد بن كامل القاضي : كان يعقوب بن شيبة من كبار أصحاب أحمد بن المعذل ، والحارث بن مسكين ، فقيها سريا ، وكان يقف في القرآن .

                                                                                      قلت : أخذ الوقف عن شيخه أحمد المذكور ، وقد وقف علي بن الجعد ، ومصعب الزبيري ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، وجماعة ، وخالفهم نحو من ألف إمام ، بل سائر أئمة السلف والخلف على نفي الخليقة عن القرآن ، وتكفير الجهمية . نسأل الله السلامة في الدين .

                                                                                      قال أبو بكر المروذي : أظهر يعقوب بن شيبة الوقف في ذلك الجانب من بغداد ، فحذر أبو عبد الله منه ، وقد كان المتوكل أمر عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان أن يسأل أحمد بن حنبل عمن يقلد القضاء . قال عبد الرحمن : فسألته عن يعقوب بن شيبة ، فقال : مبتدع صاحب هوى .

                                                                                      قال الخطيب : وصفه أحمد بذلك لأجل الوقف .

                                                                                      قلت : قد كان يعقوب صاحب أموال عظيمة وحشمة وحرمة وافرة ، بحيث إن حفيده حكى ، قال : لما ولدت عمد أبواي ، فملآ لي ثلاثة [ ص: 479 ] خوابي ذهبا ، وخبآها لي . فذكر أنه طال عمره ، وأنفقها وفنيت ، واحتاج . وكان مولده قبل موت جده بنيف عشرة سنة .

                                                                                      مات يعقوب الحافظ في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وستين ومائتين .

                                                                                      وقع لي جزء واحد من " مسند " عمار له .

                                                                                      قرأت على الحافظ أبي محمد بن خلف : أخبركم يحيى بن أبي السعود ، أخبرتنا فخر النساء شهدة ، أخبرنا الحسين بن أحمد النعالي ، أخبرنا عبد الواحد بن محمد بن مهدي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة ، حدثنا جدي ، حدثنا علي بن عاصم ، أخبرنا عطاء بن السائب ، عن أبي البختري الطائي ، قال : قاول عمار رجلا ، فاستطال الرجل عليه فقال عمار : أنا إذا كمن لا يغتسل يوم الجمعة . فعاد الرجل فاستطال عليه ، فقال عمار : أنا إذا كمن لا يغتسل يوم الجمعة . فعاد الرجل فاستطال عليه ، فقال له عمار : إن كنت كاذبا فأكثر الله مالك وولدك ، وجعلك يوطأ عقبك .

                                                                                      وبه قال يعقوب : حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا ابن عون ، عن الحسن ، عن أمه ، عن أم سلمة ، قالت ما نسينا الغبار على شعر صدر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول : اللهم إن الخير خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة إذ جاء عمار ، فقال : ويحك -أو ويلك- يا ابن سمية ، تقتلك الفئة الباغية .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية