الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      مسعر ( ع )

                                                                                      مسعر بن كدام بن ظهير بن عبيدة بن الحارث ، الإمام الثبت ، شيخ العراق أبو سلمة الهلالي الكوفي ، الأحول ، الحافظ ، من أسنان شعبة .

                                                                                      روى عن : عدي بن ثابت ، وعمرو بن مرة ، والحكم بن عتيبة ، وثابت بن عبيد ، وقتادة بن دعامة ، وسعد بن إبراهيم ، وزياد بن علاقة ، وسعيد بن أبي بردة ، وعبد الله بن عبد الله بن جبر ، وقيس بن مسلم ، وأبي بكر بن عمارة بن رويبة ، ووبرة بن عبد الرحمن المسلي ، وإبراهيم بن محمد بن المنتشر ، وأبي إسحاق السبيعي ، وحبيب بن أبي ثابت ، وزيد العمي ، وعبيد الله بن القبطية ، ومحارب بن دثار ، وعلي بن الأقمر ، ومعبد بن خالد ، ويزيد الفقير ، [ ص: 164 ] وعمير بن سعد صاحب علي - رضي الله عنه - وخلق .

                                                                                      وقد روى عن جماعة أساميهم محمد منهم : ابن أبي ليلى ، ومحمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ، وروى عن : محمد بن جحادة ، ومحمد بن سوقة ، ومحمد بن مسلم بن شهاب ، ومحمد بن المنكدر ، ومحمد بن عبيد الله الثقفي ، ومحمد بن زيد العمري ، ومحمد بن قيس بن مخرمة ، ومحمد بن خالد الضبي ، ومحمد بن جابر اليمامي ، ومحمد بن عبد الله بن الزبيري ، ومحمد بن الأزهر .

                                                                                      روى عنه : سفيان بن عيينة ، ويحيى القطان ، وسليمان التيمي ، أحد شيوخه ، وابن نمير ، وشعيب بن حرب ، والخريبي ، ووكيع ، وأبو أحمد الزبيري ، ومحمد بن عبيد ، ويزيد بن هارون ، وابن المبارك ، ومحمد بن بشر ، ويحيى بن آدم ، وخلاد بن يحيى ، وعبد الله بن محمد بن المغيرة ، وثابت بن محمد العابد ، وخلق سواهم .

                                                                                      قال محمد بن بشر العبدي : كان عند مسعر ألف حديث ، فكتبتها سوى عشرة .

                                                                                      وقال يحيى بن سعيد : ما رأيت أحدا أثبت من مسعر .

                                                                                      وقال أحمد بن حنبل : الثقة كشعبة ومسعر .

                                                                                      وقال وكيع : شك مسعر كيقين غيره .

                                                                                      وقال هشام بن عروة : ما قدم علينا من العراق أفضل من ذاك السختياني أيوب ، وذاك الرؤاسي مسعر .

                                                                                      وروي عن الحسن بن عمارة قال : إن لم يدخل الجنة إلا مثل مسعر ، إن أهل الجنة لقليل . [ ص: 165 ]

                                                                                      قال سفيان بن عيينة : قالوا للأعمش : إن مسعرا يشك في حديثه . قال . شكه كيقين غيره .

                                                                                      وعن خالد بن عمرو ، قال : رأيت مسعرا كأن جبهته ركبة عنز من السجود ، وكان إذا نظر إليك حسبت أنه ينظر إلى الحائط من شدة حئولته .

                                                                                      وروى ابن عيينة عن مسعر قال : دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين ،

                                                                                      فقلت : يا أمير المومنين ، نحن لك والد ، وأنت لنا ولد - وكانت جدته أم الفضل هلالية ، يعني والدة ابن عباس - فقال لي : تقربت إلي بأحب أمهاتي إلي ، ولو كان الناس كلهم مثلك لمشيت معهم في الطريق .

                                                                                      قال أبو مسهر : حدثنا الحكم بن هشام ، حدثنا مسعر ، قال : دعاني أبو جعفر ليوليني ، فقلت : إن أهلي يقولون : لا نرضى اشتراءك لنا في شيء بدرهمين ، وأنت توليني ؟ ! أصلحك الله ، إن لنا قرابة وحقا . قال : فأعفاه .

                                                                                      قال سعد بن عباد : حدثنا محمد بن مسعر قال : كان أبي لا ينام حتى يقرأ نصف القرآن . وقال سفيان بن عيينة : سمعت مسعرا يقول : من أبغضني ، جعله الله محدثا . وقال مسعر : من صبر على الخل والبقل ، لم يستعبد .

                                                                                      وقال مرة لرجل رأى عليه ثيابا جيدة : ليس هذا من آلة طلب الحديث ، وكان طالب حديث .

                                                                                      قال سفيان بن عيينة : قال معن : ما رأيت مسعرا في يوم إلا وهو أفضل من اليوم الذي كان بالأمس . وقال محمد بن سعد : كان لمسعر أم عابدة ، فكان يخدمها . وكان مرجئا فمات ، فلم يشهده سفيان الثوري والحسن بن صالح . [ ص: 166 ]

                                                                                      قال يحيى بن معين : لم يرحل مسعر في حديث قط .

                                                                                      قلت : نعم ، عامة حديثه عن أهل بلده ، إلا قتادة ، فكأنه ارتحل إليه .

                                                                                      قال شعبة بن الحجاج : كنا نسمي مسعرا : المصحف - يعني من إتقانه .

                                                                                      وقالوا مرة لمسعر : من أفضل من رأيت ؟ فقال : عمرو بن مرة .

                                                                                      وقال أبو معمر القطيعي : قيل لسفيان بن عيينة : من أفضل من رأيت ؟

                                                                                      قال : مسعر . وقال شعبة : مسعر للكوفيين ، كابن عون عند البصريين .

                                                                                      وقال إسحاق بن أبي إسرائيل : سمعت ابن السماك ، سمعت مسعرا يقول : من طلب الحديث لنفسه ، فقد اكتفى ، ومن طلبه للناس ، فليبالغ .

                                                                                      قال ابن عيينة : سمعت مسعرا يقول : وددت أن الحديث كان قوارير على رأسي ، فسقطت ، فتكسرت .

                                                                                      وعن يعلى بن عبيد قال : كان مسعر قد جمع العلم والورع .

                                                                                      وروي عن عبد الله بن داود الخريبي قال : ما من أحد إلا وقد أخذ عليه إلا مسعرا . ومما كان مسعر ينشده له أو لغيره :

                                                                                      نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم ، والردى لك لازم [ ص: 167 ]     وتتعب فيما سوف تكره غبه
                                                                                      كذلك في الدنيا تعيش البهائم



                                                                                      قال يحيى بن سعيد القطان : ما رأيت مثل مسعر ، كان من أثبت الناس .

                                                                                      وقال سفيان الثوري : كنا إذا اختلفنا في شيء أتينا مسعرا .

                                                                                      قال أبو أسامة : سمعت مسعرا يقول : إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله ، وعن الصلاة ، فهل أنتم منتهون ؟

                                                                                      قلت : هذه مسألة مختلف فيها : هل طلب العلم أفضل ، أو صلاة النافلة والتلاوة والذكر ؟ فأما من كان مخلصا لله في طلب العلم ، وذهنه جيد ، فالعلم أولى ، ولكن مع حظ من صلاة وتعبد ، فإن رأيته مجدا في طلب العلم ، لا حظ له في القربات ، فهذا كسلان مهين ، وليس هو بصادق في حسن نيته .

                                                                                      وأما من كان طلبه الحديث والفقه غية ومحبة نفسانية ، فالعبادة في حقه أفضل ، بل ما بينهما أفعل تفضيل ، وهذا تقسيم في الجملة ، فقل - والله - من رأيته مخلصا في طلب العلم ، دعنا من هذا كله . فليس طلب الحديث اليوم على الوضع المتعارف من حيز طلب العلم ، بل اصطلاح وطلب أسانيد عالية ، وأخذ عن شيخ لا يعي ، وتسميع لطفل يلعب ولا يفهم ، أو لرضيع يبكي ، أو لفقيه يتحدث مع حدث ، أو آخر ينسخ . وفاضلهم مشغول عن الحديث بكتابة الأسماء أو بالنعاس ، والقارئ إن كان له مشاركة فليس عنده من الفضيلة أكثر من قراءة ما في الجزء ، سواء تصحف عليه الاسم ، أو اختبط المتن ، أو كان من الموضوعات . فالعلم عن هؤلاء بمعزل ، والعمل لا أكاد أراه ، بل أرى أمورا سيئة . نسأل الله العفو . [ ص: 168 ]

                                                                                      قال ابن السماك : رأيت مسعرا في النوم ، فقلت : أي العمل وجدت أنفع ؟ قال : ذكر الله .

                                                                                      وقال قبيصة : كان مسعر ; لأن ينزع ضرسه أحب إليه من أن يسأل عن حديث .

                                                                                      وروي عن زيد بن الحباب وغيره : أن مسعرا قال : الإيمان قول وعمل .

                                                                                      وروى معتمر بن سليمان ، عن أبي مخزوم ، ذكره عن مسعر بن كدام قال : التكذيب بالقدر أبو جاد الزندقة .

                                                                                      قرأت على إسحاق بن طارق : أخبرك يوسف بن خليل ، أنبأنا أحمد بن محمد التيمي ، أنبأنا أبو علي المقرئ ، أنبأنا أبو نعيم ، قال : روى مسعر عن جماعة ، اسمهم محمد : محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، ومحمد بن مسلم الزهري ، ومحمد بن سوقة ، ومحمد بن جحادة ، ومحمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ، ومحمد بن المنكدر ، ومحمد بن عبيد الله الثقفي ، ومحمد بن قيس بن مخرمة ، ومحمد بن خالد الضبي ، ومحمد بن جابر اليمامي . ومحمد بن عبد الله الزبيري ، ومحمد بن الأزهر .

                                                                                      وبه : قال أبو نعيم : وحدثنا القاضي أبو أحمد ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن شبيب ، حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ، حدثنا مسعر ، عن عاصم ، عن زر ، عن ابن مسعود ، قال : مكتوب في التوراة : سورة الملك ، من قرأها في كل ليلة ، فقد أكثر وأطاب ، وهي المانعة تمنع من عذاب القبر; إذا أتي من قبل رأسه ، قال له رأسه : قبلك عني ، فقد كان يقرأ بي ، وفي سورة الملك ، وإذا أتي من قبل بطنه ، قال له بطنه : قبلك عني ، فقد كان وعى [ ص: 169 ] في سورة الملك . وإذا أتي من قبل رجليه قالت له رجلاه : قبلك عني ، فقد كان يقوم بي بسورة الملك . وهي كذاك مكتوب في التوراة ، تابعه علي بن مسهر ، عن مسعر .

                                                                                      قال جعفر بن عون : سمعت مسعرا ينشد :

                                                                                      ومشيد دارا ليسكن داره     سكن القبور وداره لم تسكن

                                                                                      [ ص: 170 ]

                                                                                      قال جعفر بن عون : سمعت مسعرا يوصي ولده كداما :

                                                                                      إني منحتك يا كدام نصيحتي     فاسمع مقال أب عليك شفيق
                                                                                      أما المزاحة والمراء ، فدعهما     خلقان لا أرضاهما لصديق
                                                                                      إني بلوتهما فلم أحمدهما     لمجاور جارا ولا لرفيق
                                                                                      والجهل يزري بالفتى في قومه     وعروقه في الناس أي عروق

                                                                                      وهذان البيتان أظنهما لابن المبارك :

                                                                                      من كان ملتمسا جليسا صالحا     فليأت حلقة مسعر بن كدام
                                                                                      فيها السكينة والوقار ، وأهلها     أهل العفاف وعلية الأقوام



                                                                                      ومن عالي حديثه : أخبرنا الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد وجماعة إجازة ، قالوا : أنبأنا عمر بن محمد المؤدب ، أنبأنا هبة الله بن محمد ، أنبأنا أبو طالب محمد بن محمد ، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ، حدثنا محمد بن سليمان ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، وثابت الزاهد ، وخلاد بن يحيى ، قالوا : حدثنا مسعر ، عن محارب بن دثار ، عن جابر قال : دخلت المسجد فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد فقال : قم فصل ركعتين .

                                                                                      وبه : أنبأنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا محمد بن يونس ، حدثنا نائل بن نجيح ، حدثنا مسعر ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن مصعب بن سعد ، عن معاذ بن جبل ، قال : أشهد أن عمر في الجنة ; لأن ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 171 ] فهو حق ، فإن رسول الله قال : " دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا ، فقلت : لمن هذا ؟ قال : لعمر . فأردت أن أدخله ، فذكرت غيرة عمر " . فقال عمر : يا رسول الله ، أعليك أغار ؟ .

                                                                                      أخبرنا أحمد بن إسحاق بن المؤيد الزاهد ، أنبأنا الفتح بن عبد السلام ببغداد ، أنبأنا هبة الله بن الحسين ، أنبأنا أحمد بن محمد بن النقور ، حدثنا عيسى بن علي إملاء سنة تسع وثمانين وثلاثمائة ، قال : قرئ على أبي قاسم البغوي ، وأنا أسمع ، قيل له : حدثكم عبد الله بن عون الخراز ، حدثنا محمد بن بشر ، عن مسعر ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام حتى تورمت قدماه اختلف على مسعر في إسناده كما سترى . وبه : إلى عيسى بن علي ، حدثنا إسماعيل بن عباس الوراق ، حدثنا [ ص: 172 ] سعدان بن نصر ، حدثنا أبو قتادة الحراني ، عن مسعر ، عن علي بن الأقمر ، عن أبي جحيفة قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم حتى تفطر قدماه . فقيل له : أليس قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا .

                                                                                      وأخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الصوري ، ومحمد بن علي السلمي ، قالا : أنبأنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن صصرى ، أنبأنا أبو القاسم الأسدي ، وأبو يعلى بن الحبوبي ، وأنبأنا أبو المعالي القرافي ، أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد ، أنبأنا أبو العشائر محمد بن خليل ، وأنبأنا علي بن محمد ، وأحمد بن مؤمن ، وعمر بن عبد المنعم بن القواس ، وعبد المنعم بن عبد اللطيف ، قالوا : أنبأنا أبو نصر محمد بن هبة الله الشافعي ، أنبأنا أبو يعلى بن الحبوبي ، قالوا ثلاثتهم : أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد المصيصي ، أنبأنا عبد الرحمن بن عثمان التميمي ، أنبأنا إبراهيم بن أبي ثابت ، حدثنا سعدان بن نصر المخرمي ، حدثنا عبد الله بن واقد ، عن سفيان أو مسعر ، عن ابن الأقمر ، عن أبي جحيفة قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم حتى تفطر قدماه . . . الحديث .

                                                                                      تفرد به عبد الله بن واقد ، أبو قتادة الحراني هكذا . وحديث محمد بن بشر العبدي ، عن مسعر علة له . وقد رواه خلاد بن يحيى وجماعة عن مسعر فقال : عن زياد بن علاقة ، عن المغيرة بن شعبة وهذا أصح الأقوال ، والله أعلم . [ ص: 173 ]

                                                                                      الفلاس : سمعت ابن المهدي ، حدثنا أبو خلدة ، فقال له أحمد بن حنبل : كان ثقة ؟ فقال : كان مؤدبا ، وكان خيارا ، الثقة شعبة ومسعر .

                                                                                      أبو زرعة الرازي : سمعت أبا نعيم يقول : مسعر أثبت ، ثم سفيان ثم شعبة .

                                                                                      وقال أبو زرعة الدمشقي : سمعت أبا نعيم يقول : كان مسعر شكاكا في حديثه ، وليس يخطئ في شيء من حديثه إلا في حديث واحد .

                                                                                      وقال العجلي : كوفي ثقة ، ثبت . كان الأعمش يقول : شيطان مسعر يستضعفه ، يشككه في الحديث ، وكان يقول الشعر . وقال يحيى وأحمد : ثقة . وقال ابن عمار : حجة ، من بالكوفة مثله ؟ !

                                                                                      وقال أبو حاتم : مسعر أتقن من سفيان ، وأجود حديثا ، وأعلى إسنادا ، وهو أتقن من حماد بن زيد . وقال أبو داود : روى مسعر عن مائة لم يرو عنهم سفيان .

                                                                                      محمد بن عمار الرازي : سمعت أبا نعيم ، سمعت الثوري يقول : الإيمان يزيد وينقص . قلت : ما تقول أنت يا أبا نعيم ؟ فزورني وقال : أقول بقول سفيان . ولقد مات مسعر وكان من خيارهم ، وسفيان وشريك شاهدان ، فما حضرا جنازته . توفي في رجب سنة خمس وخمسين ومائة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية