الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      عبد الرحمن بن مهدي ( ع )

                                                                                      ابن حسان ، بن عبد الرحمن ، الإمام الناقد المجود ، سيد [ ص: 193 ] الحفاظ أبو سعيد العنبري ، وقيل : الأزدي ، مولاهم البصري اللؤلؤي .

                                                                                      ولد سنة خمس وثلاثين ومائة قاله أحمد بن حنبل .

                                                                                      وطلب هذا الشأن ، وهو ابن بضع عشرة سنة .

                                                                                      سمع أيمن بن نابل ، وعمر بن أبي زائدة ، ومعاوية بن صالح الحضرمي ، وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وإسماعيل بن مسلم العبدي قاضي جزيرة قيس ، وأبا خلدة خالد بن دينار ، وسفيان ، وشعبة ، والمسعودي ، وعبد الله بن بديل بن ورقاء ، وأبا يعلى عبد الله بن عبد الرحمن الثقفي ، وعبد الجليل بن عطية البصري ، وعكرمة بن عمار ، وعلي بن مسعدة الباهلي ، وعمران القطان ، والمثنى بن سعيد الضبعي ، ويونس بن أبي إسحاق ، وأبا حرة واصل بن عبد الرحمن ، وحماد بن سلمة ، وأبان بن يزيد ، ومالك بن أنس ، وعبد العزيز بن الماجشون ، وأمما سواهم .

                                                                                      حدث عنه : ابن المبارك ، وابن وهب - وهما من شيوخه - وعلي ، ويحيى ، وأحمد ، وإسحاق ، وابن أبي شيبة ، وبندار ، وأبو خيثمة ، وأحمد بن سنان ، والقواريري ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وعبد الله بن هاشم ، وعبد الرحمن بن عمر : رستة ، ومحمد بن يحيى ، وهارون بن سليمان الأصبهاني ، وعبد الرحمن بن محمد الحارثي كربزان ، ومحمد بن ماهان زنبقة ، وخلق يتعذر حصرهم . [ ص: 194 ]

                                                                                      وكان إماما حجة ، قدوة في العلم والعمل .

                                                                                      قال الخليلي : قال الشافعي : لا أعرف له نظيرا في هذا الشأن .

                                                                                      قال أحمد بن حنبل : عبد الرحمن أفقه من يحيى القطان وقال : إذا اختلف عبد الرحمن ووكيع ، فعبد الرحمن أثبت ، لأنه أقرب عهدا بالكتاب ، واختلفا في نحو من خمسين حديثا للثوري قال : فنظرنا ، فإذا عامة الصواب في يد عبد الرحمن .

                                                                                      قال أيوب بن المتوكل : كنا إذا أردنا أن ننظر إلى الدين والدنيا ، ذهبنا إلى دار عبد الرحمن بن مهدي .

                                                                                      إسماعيل القاضي : سمعت ابن المديني يقول : أعلم الناس بالحديث عبد الرحمن بن مهدي . قلت له : قد كتبت حديث الأعمش ، وكنت عند نفسي أنني قد بلغت فيها ، فقلت : ومن يفيدني عن الأعمش ؟ فقال لي : من يفيدك عن الأعمش ؟ قلت : نعم . فأطرق ، ثم ذكر ثلاثين حديثا ليست عندي ، يتبع أحاديث الشيوخ الذين لم ألقهم أنا ولم أكتب حديثهم نازلا . قال إسماعيل : أحفظ من ذلك منصور بن أبي الأسود .

                                                                                      قال محمد بن أبي بكر المقدمي : ما رأيت أحدا أتقن لما سمع ولما لم يسمع ولحديث الناس من عبد الرحمن بن مهدي إمام [ ص: 195 ] ثبت ، أثبت من يحيى بن سعيد ، وأتقن من وكيع ، كان عرض حديثه على سفيان .

                                                                                      قال عبيد الله بن عمر القواريري : أملى علي عبد الرحمن عشرين ألف حديث حفظا .

                                                                                      وقال عبيد الله بن سعيد : سمعت ابن مهدي يقول : لا يجوز أن يكون الرجل إماما حتى يعلم ما يصح مما لا يصح .

                                                                                      قال علي بن المديني : كان علم عبد الرحمن في الحديث كالسحر .

                                                                                      وقال أبو عبيد : سمعت عبد الرحمن يقول : ما تركت حديث رجل إلا دعوت الله له وأسميه .

                                                                                      قال إبراهيم بن زياد سبلان قلت لعبد الرحمن بن مهدي : ما تقول فيمن يقول : القرآن مخلوق ؟ فقال : لو كان لي سلطان ، لقمت على الجسر ، فلا يمر بي أحد إلا سألته ، فإذا قال : مخلوق ، ضربت عنقه ، وألقيته في الماء .

                                                                                      قال أبو داود السجستاني : التقى وكيع وعبد الرحمن في الحرم بعد العشاء ، فتواقفا ، حتى سمعا أذان الصبح . وروي عن ابن مهدي قال : لولا أني أكره أن يعصى الله ، لتمنيت [ ص: 196 ] أن لا يبقى أحد في المصر إلا اغتابني ! أي شيء أهنأ من حسنة يجدها الرجل في صحيفته لم يعمل بها ؟ ! .

                                                                                      وعنه قال : كنت أجلس يوم الجمعة ، فإذا كثر الناس ، فرحت ، وإذا قلوا ، حزنت ، فسألت بشر بن منصور ، فقال : هذا مجلس سوء ، فلا تعد إليه ، فما عدت إليه .

                                                                                      قال عبد الرحمن رسته : حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مهدي ، أن أباه قام ليلة ، وكان يحيي الليل كله ، قال : فلما طلع الفجر رمى بنفسه على الفراش حتى طلعت الشمس ، ولم يصل الصبح ، فجعل على نفسه أن لا يجعل بينه وبين الأرض شيئا شهرين ، فقرح فخذاه جميعا .

                                                                                      وقال رسته : سمعت ابن مهدي يقول لفتى من ولد الأمير جعفر بن سليمان : بلغني أنك تتكلم في الرب ، وتصفه وتشبهه . قال : نعم ، نظرنا ، فلم نر من خلق الله شيئا أحسن من الإنسان ، فأخذ يتكلم في الصفة ، والقامة . فقال له : رويدك يا بني حتى نتكلم أول شيء في المخلوق ، فإن عجزنا عنه ، فنحن عن الخالق أعجز ، أخبرني عما حدثني شعبة ، عن الشيباني ، عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله : لقد رأى من آيات ربه الكبرى قال : رأى جبريل له ستمائة جناح فبقي الغلام ينظر . فقال : أنا أهون عليك صف لي خلقا [ ص: 197 ] له ثلاثة أجنحة ، وركب الجناح الثالث منه موضعا حتى أعلم . قال : يا أبا سعيد ، عجزنا عن صفة المخلوق ، فأشهدك أني قد عجزت ، ورجعت .

                                                                                      قال أبو حاتم الرازي : سئل أحمد بن حنبل عن يحيى وابن مهدي ، فقال : ابن مهدي أكثر حديثا .

                                                                                      قال أحمد العجلي : شرب عبد الرحمن بن مهدي البلاذر وكذا الطيالسي ، فبرص عبد الرحمن ، وجذم الآخر . قال : وقيل لعبد الرحمن : أيما أحب إليك ، يغفر لك ذنبا ، أو تحفظ حديثا ؟ قال : أحفظ حديثا .

                                                                                      أبو الربيع الزهراني : سمعت جريرا الرازي يقول : ما رأيت مثل عبد الرحمن بن مهدي . ووصف حفظه وبصره بالحديث .

                                                                                      قال نعيم بن حماد : قلت لعبد الرحمن بن مهدي : كيف تعرف الكذاب ؟ قال : كما يعرف الطبيب المجنون .

                                                                                      قال محمد بن أبي صفوان : سمعت علي بن المديني يقول : لو [ ص: 198 ] أخذت ، فحلفت بين الركن والمقام ، لحلفت بالله أني لم أر أحدا قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدي . سمعه أبو حاتم الرازي منه .

                                                                                      أخبرنا محمد بن قيماز ، وغيره ، قالوا : أخبرنا عبد الله بن اللتي ، أخبرنا أبو الوقت ، أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري ، أخبرنا عبد الجبار الجراحي ، أخبرنا ابن محبوب ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، سمعت محمد بن عمرو بن نبهان بن صفوان الثقفي ، سمعت علي بن المديني يقول : لو حلفت بين الركن والمقام ، لحلفت أني لم أر أحدا أعلم من عبد الرحمن بن مهدي .

                                                                                      وبه إلى الترمذي : حدثنا أحمد بن الحسن ، قال أحمد بن حنبل : ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن بن مهدي إمام .

                                                                                      وقال زياد بن أيوب الطوسي : قمنا من مجلس هشيم ، فأخذ أحمد وابن معين وأصحابه بيد فتى ، فأدخلوه مسجدا ، وكتبنا عنه ، فإذا الفتى عبد الرحمن بن مهدي .

                                                                                      محمد بن عيسى الطرسوسي : سمعت عبد الرحمن رسته يقول : كانت لعبد الرحمن بن مهدي جارية ، فطلبها منه رجل ، فكان منه شبه العدة ، فلما عاد إليه ، قيل لعبد الرحمن : هذا صاحب الخصومات . [ ص: 199 ] فقال له عبد الرحمن : بلغني أنك تخاصم في الدين . فقال : يا أبا سعيد ، إنا نضع عليهم لنحاجهم بها فقال : أتدفع الباطل بالباطل ، إنما تدفع كلاما بكلام ، قم عني ، والله لا بعتك جاريتي أبدا .

                                                                                      قال ابن المديني : قال عبد الرحمن : اترك من كان رأسا في بدعة يدعو إليها .

                                                                                      وقال ابن المديني : دخلت على امرأة عبد الرحمن بن مهدي ، وكنت أزورها بعد موته ، فرأيت سوادا في القبلة ، فقلت : ما هذا ؟ قالت : موضع استراحة عبد الرحمن ، كان يصلي بالليل ، فإذا غلبه النوم ، وضع جبهته عليه .

                                                                                      ويروى عن ابن مهدي قال : من طلب العربية ، فآخره مؤدب ، ومن طلب الشعر ، فآخره شاعر ، يهجو أو يمدح بالباطل ، ومن طلب الكلام ، فآخر أمره الزندقة ، ومن طلب الحديث ، فإن قام به ، كان إماما ، وإن فرط ، ثم أناب يوما ، يرجع إليه ، وقد عتقت وجادت .

                                                                                      قال يحيى بن يحيى : كنت أسأل عبد الرحمن عن المشايخ بالبصرة .

                                                                                      ونقل غير واحد عن عبد الرحمن بن مهدي قال : إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الله كلم موسى ، وأن يكون استوى على العرش ، [ ص: 200 ] أرى أن يستتابوا ، فإن تابوا ، وإلا ضربت أعناقهم .

                                                                                      قال ابن المديني : ثم كان بعد مالك بن أنس عبد الرحمن بن مهدي ، يذهب مذهب تابعي أهل المدينة ، ويقتدي بطريقتهم .

                                                                                      وقال : نظرت ، فإذا الإسناد يدور على ستة ، ثم صار علمهم إلى اثني عشر نفسا ، ثم صار علمهم إلى يحيى بن سعيد ، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، وابن المبارك ، ووكيع ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ويحيى بن آدم .

                                                                                      قال علي : وأوثق أصحاب سفيان يحيى القطان وعبد الرحمن .

                                                                                      قال أحمد بن حنبل : عبد الرحمن ثقة خيار صالح مسلم ، من معادن الصدق .

                                                                                      قال ابن مهدي : كان أبو الأسود يتيم عروة أخا لهشام بن عروة من [ ص: 201 ] الرضاعة ، وقد قال هشام : حدثنا أخي محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، عن أبي ، قال : لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلا ، حتى نشأ فيهم أبناء سبايا الأمم ، فقالوا فيهم بالرأي ، فضلوا وأضلوا .

                                                                                      قال أيوب بن المتوكل : كان حماد بن زيد إذا نظر إلى عبد الرحمن بن مهدي في مجلسه ، تهلل وجهه .

                                                                                      وقال صدقة بن الفضل المروزي الحافظ : أتيت يحيى بن سعيد أسأله ، فقال لي : إلزم عبد الرحمن بن مهدي ، وأفادني عنه أحاديث ، فسألت عبد الرحمن عنها ، فحدثني بها .

                                                                                      قال أحمد بن سنان القطان : سمعت مهدي بن حسان يقول : كان عبد الرحمن يكون عند سفيان عشرة أيام ، خمسة عشر يوما بالليل والنهار ، فإذا جاءنا ساعة ، جاء رسول سفيان في أثره يطلبه ، فيدعنا ، ويذهب إليه .

                                                                                      قال أحمد بن سنان : وسمعت عبد الرحمن يقول : أفتى سفيان في مسألة ، فرآني كأني أنكرت فتياه ، فقال : أنت ما تقول ؟ قلت : كذا وكذا ، خلاف قوله ، فسكت .

                                                                                      قال ابن المديني : حدثنا عبد الرحمن ، قال لي سفيان : لو أن عندي كتبي ، لأفدتك علما .

                                                                                      قال أحمد بن سنان : كان لا يتحدث في مجلس عبد الرحمن ، ولا يبرى قلم ، ولا يتبسم أحد ، ولا يقوم أحد قائما ، كأن على رءوسهم الطير ، [ ص: 202 ] أو كأنهم في صلاة ، فإذا رأى أحدا منهم تبسم أو تحدث ، لبس نعله ، وخرج .

                                                                                      قال أحمد بن سنان : سمعت عبد الرحمن يقول : عندي عن المغيرة بن شعبة في المسح على الخفين ثلاثة عشر حديثا - يعني الطرق .

                                                                                      قال بندار : سمعت عبد الرحمن يقول : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ، لكتبت تفسير الحديث إلى جنبه ، ولأتيت المدينة حتى أنظر في كتب قوم سمعت منهم .

                                                                                      قال محمد بن عبد الرحيم صاعقة : سمعت عليا يقول : - وذكر الفقهاء السبعة - فقال : كان أعلم الناس بقولهم وحديثهم ابن شهاب ، ثم بعده مالك ، ثم بعده عبد الرحمن بن مهدي . [ ص: 203 ]

                                                                                      وقال أحمد بن حنبل : إذا حدث عبد الرحمن عن رجل ، فهو ثقة .

                                                                                      وقال علي : كان ورد عبد الرحمن كل ليلة نصف القرآن .

                                                                                      وقال محمد بن يحيى الذهلي : ما رأيت في يد عبد الرحمن بن مهدي كتابا قط - يعني كان يحدث حفظا .

                                                                                      وقال رسته : سمعت عبد الرحمن يقول : كان يقال : إذا لقي الرجل الرجل فوقه في العلم ، فهو يوم غنيمته ، وإذا لقي من هو مثله ، دارسه ، وتعلم منه ، وإذا لقي من هو دونه ، تواضع له ، وعلمه ، ولا يكون إماما في العلم من حدث بكل ما سمع ، ولا يكون إماما من حدث عن كل أحد ، ولا من يحدث بالشاذ ، والحفظ للإتقان .

                                                                                      وقال ابن نمير : قال عبد الرحمن بن مهدي : معرفة الحديث إلهام .

                                                                                      قال يوسف بن ضحاك : سمعت القواريري يقول : كان ابن مهدي يعرف حديثه وحديث غيره ، وكان يحيى القطان يعرف حديثه ، فسمعت [ ص: 204 ] حماد بن زيد يقول : لئن عاش عبد الرحمن بن مهدي ، لنخرجن رجل أهل البصرة .

                                                                                      قال أبو بكر بن أبي الأسود : سمعت ابن مهدي يقول بحضرة يحيى القطان ، وذكر الجهمية ، فقال : ما كنت لأناكحهم ، ولا أصلي خلفهم .

                                                                                      قال عبد الرحمن بن عمر رسته : سمعت عبد الرحمن يقول : الجهمية يريدون أن ينفوا الكلام عن الله ، وأن يكون القرآن كلام الله ، وأن يكون كلم موسى ، وقد وكده الله تعالى فقال : وكلم الله موسى تكليما .

                                                                                      قال عبد الرحمن رسته : سألت ابن مهدي عن الرجل يبني بأهله ، أيترك الجماعة أياما ؟ قال : لا ، ولا صلاة واحدة . وحضرته صبيحة بني على ابنته ، فخرج ، فأذن ، ثم مشى إلى بابهما ، فقال للجارية : قولي لهما : يخرجان إلى الصلاة ، فخرج النساء والجواري ، فقلن : سبحان الله ! أي شيء هذا ؟ فقال : لا أبرح حتى يخرجا إلى الصلاة ، فخرجا بعدما صلى ، فبعث بهما إلى مسجد خارج من الدرب .

                                                                                      قلت : هكذا كان السلف في الحرص على الخير .

                                                                                      قال رسته : وكان عبد الرحمن يحج كل عام ، فمات أخوه ، وأوصى إليه ، فأقام على أيتامه ، فسمعته يقول : قد ابتليت بهؤلاء الأيتام ، [ ص: 205 ] فاستقرضت من يحيى بن سعيد أربعمائة دينار احتجت إليها في مصلحة أرضهم .

                                                                                      ذكر أبو نعيم الحافظ لابن مهدي في " الحلية " ترجمة طويلة جدا ، فروى فيها من حديثه مائتين وثمانين حديثا وقد لحق صغار التابعين كأيمن بن نابل ، وصالح بن درهم ، ويزيد بن أبي صالح ، وجرير بن حازم ، وكان قد ارتحل في آخر عمره من البصرة ، فحدث بأصبهان .

                                                                                      قال بندار : سمعت عبد الرحمن يقول : ما نعرف كتابا في الإسلام بعد كتاب الله أصح من " موطأ مالك " .

                                                                                      وقال رسته : سمعت عبد الرحمن يقول : أئمة الناس في زمانهم : سفيان بالكوفة ، وحماد بن زيد بالبصرة ، ومالك بالحجاز ، والأوزاعي بالشام .

                                                                                      أبو حاتم بن حبان : حدثنا عمر بن محمد الهمداني ، حدثنا عمرو بن علي ، سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : حدثنا أبو خلدة ، فقال له رجل : أكان ثقة ؟ فقال : كان صدوقا ، وكان خيارا ، وكان مأمونا ، الثقة سفيان وشعبة .

                                                                                      ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، سمعت ابن مهدي يقول : لزمت مالكا حتى ملني ، فقلت يوما : قد غبت عن أهلي هذه الغيبة الطويلة ، ولا أعلم ما حدث بهم بعدي قال : يا بني ، وأنا بالقرب من أهلي ، ولا أدري ما حدث بهم منذ خرجت . [ ص: 206 ]

                                                                                      قال ابن حبان في صدر كتابه في " الضعفاء " : إلا إن من أكثرهم : تنقيرا عن شأن المحدثين وأتركهم للضعفاء والمتروكين حتى يجعله لهذا الشأن صناعة لهم لم يتعدوها - مع لزوم الدين ، والورع الشديد ، والتفقه في السنن - رجلين : يحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي .

                                                                                      قال سهل بن صالح : سمعت يزيد بن هارون يقول : وقعت بين أسدين : عبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان .

                                                                                      قلت : توفي ابن مهدي بالبصرة في جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائة .

                                                                                      وعاش أبوه بعده ، وكان شيخا عاميا ، ربما كان يمزح بجهل ، ويشير إلى الجماعة إلى ابنه ، ويشير إلى متاعه ، فيقول : هذا خرج من هذا .

                                                                                      وقال عبد الرحمن بن محمد بن سلم : سمعت عبد الرحمن بن عمر ، سمعت ابن مهدي يقول : فتنة الحديث أشد من فتنة المال والولد .

                                                                                      قال أبو قدامة : سمعت ابن مهدي يقول : لأن أعرف علة حديث أحب إلي من أن أستفيد عشرة أحاديث .

                                                                                      قال عبد الله أخو رسته : سمعت ابن مهدي يقول : محرم على الرجل أن يفتي إلا في شيء سمعه من ثقة " . [ ص: 207 ]

                                                                                      وعن عبد الرحمن أنه كان يكره الجلوس إلى ذي هوى أو ذي رأي .

                                                                                      وقال رسته : قام ابن مهدي من المجلس ، وتبعه الناس ، فقال : يا قوم ، لا تطؤن عقبي ، ولا تمشن خلفي ، حدثنا أبو الأشهب ، عن الحسن ، قال عمران : خفق النعال خلف الأحمق قل ما يبقي من دينه .

                                                                                      قال رسته : سألت ابن مهدي عن الرجل يتمنى الموت مخافة الفتنة على دينه ، قال : ما أرها بذلك بأسا ، لكن لا يتمناه من ضر به ، أو فاقة ، تمنى الموت أبو بكر وعمر ومن دونهما .

                                                                                      وسمعت ابن مهدي يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فقلت : الآمر رجل ، فقال : خذ بما لا يريبك حتى لا يصيبك ما يريبك - يعني الحيل .

                                                                                      وبلغنا عن ابن مهدي قال : ما هو - يعني الغرام بطلب الحديث - إلا مثل لعب الحمام ونطاح الكباش .

                                                                                      قلت : صدق والله إلا لمن أراد به الله ، وقليل ما هم .

                                                                                      أخبرنا أبو حفص عمر بن عبد المنعم أخبرنا القاضي جمال الدين [ ص: 208 ] عبد الصمد بن محمد ، أخبرنا علي بن المسلم ، أخبرنا أبو نصر بن طلاب ، أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن جميع بصيدا ، حدثنا عبد الملك بن أحمد ببغداد ، حدثنا حفص بن عمرو الربالي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن إسرائيل ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النفخ في الطعام والشراب .

                                                                                      قال أبو عبيد الآجري : سمعت أبا داود يقول : قال أحمد بن سنان : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : لو كان لي عليه سلطان - على من يقرأ قراءة حمزة - لأوجعت ظهره وبطنه .

                                                                                      قلت : جاء نحو هذا عن جماعة وإنما ذلك عائد إلى ما فيها من [ ص: 209 ] قبيل الأداء ، والله أعلم ، وقد استقر اليوم الإجماع على تلقي قراءة حمزة بالقبول .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية