ذكر معز الدولة الموصل وعوده عنها ملك
في هذه السنة في رجب ، سار معز الدولة من بغداذ إلى الموصل وملكها .
وسبب ذلك أن ناصر الدولة كان قد استقر الصلح بينه وبين معز الدولة على ألف ألف درهم ، يحملها ناصر الدولة كل سنة ، فلما حصلت الإجابة من معز الدولة ، بذل زيادة ليكون اليمين أيضا لولده أبي تغلب فضل الله الغضنفر معه ، وأن يحلف معز الدولة لهما ، فلم يجب إلى ذلك ، وتجهز معز الدولة وسار إلى الموصل في جمادى الآخرة ، فلما [ ص: 249 ] قاربها ، سار ( ناصر الدولة ) إلى نصيبين ، ووصل معز الدولة إلى الموصل وملكها في رجب ، وسار يطلب ناصر الدولة ( حادي عشر ) شعبان ، واستخلف على الموصل أبا العلاء صاعد بن ثابت ليحمل الغلات ويجبي الخراج ، وخلف بكتوزون وسبكتكين العجمي في جيش ليحفظ البلد .
فلما قارب معز الدولة نصيبين ، ( فارقها ناصر الدولة ، وملك معز الدولة نصيبين ) ، ولم يعلم أي جهة قصد ناصر الدولة ، فخاف أن يخالفه إلى الموصل ، فعاد عن نصيبين نحو الموصل ، وترك بها من يحفظها ، وكان قد قصد أبو تغلب بن ناصر الدولة الموصل ، وحارب من أصحاب معز الدولة ، وكانت الدائرة عليه ، فانصرف بعد أن أحرق السفن التي لمعز الدولة وأصحابه .
ولما انتهى الخبر إلى معز الدولة بظفر أصحابه ، سكنت نفسه ، وأقام ببرقعيد يتوقع أخبار ناصر الدولة ، فبلغه أنه نزل بجزيرة ابن عمر ، فرحل عن برقعيد إليها ، فوصلها سادس شهر رمضان ، فلم يجد بها ناصر الدولة ، فملكها وسأل عن ناصر الدولة ، فقيل : إنه بالحسنية ، ولم يكن كذلك ، وإنما كان قد اجتمع هو وأولاده وعساكره وسار نحو الموصل ، فأوقع بمن فيها من أصحاب معز الدولة ، فقتل كثيرا منهم ، وأسر كثيرا ، وفي الأسرى أبو العلاء ، وسبكتكين ، وبكتوزون ، وملك جميع ما خلفه معز الدولة من مال وسلاح وغير ذلك ، وحمل جميعه مع الأسرى إلى قلعة كواشى .
فلما سمع معز الدولة بما فعله ناصر الدولة ، سار يقصده ، فرحل ناصر الدولة إلى سنجار ، فلما وصل معز الدولة ، بلغه مسير ناصر الدولة إلى سنجار ، فعاد إلى نصيبين ، فسار إلى أبو تغلب بن ناصر الدولة الموصل ، فنزل بظاهرها عند الدير الأعلى ، ولم يتعرض إلى أحد ممن بها من أصحاب معز الدولة ، فلما سمع معز الدولة بنزول أبي تغلب بالموصل سار إليها ، ففارقها أبو تغلب وقصد الزاب فأقام عنده ، وراسل معز الدولة ( في الصلح ) ، فأجابه لأنه علم أنه متى فارق الموصل ، عادوا وملكوها ، ومتى أقام بها لا [ ص: 250 ] يزال مترددا وهم يغيرون على النواحي ، فأجابه إلى ما التمسه ، وعقد عليه ضمان الموصل وديار ربيعة والرحبة وما كان في يد أبيه بمال قرره ، وأن يطلق من عندهم من الأسرى ، فاستقرت القواعد على ذلك ، ورحل معز الدولة إلى بغداذ ، وكان معه في سفرته هذه ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة .