الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 168 ] ذكر مصالحة أبي علي مع نوح

ثم إن أبا علي أقام بالصغانيان ، فبلغه أن الأمير نوحا قد عزم على تسيير عسكر إليه ، فجمع أبو علي الجيوش وخرج إلى بلخ وأقام بها ، وأتاه رسول الأمير نوح في الصلح ، فأجاب إليه ، فأبى عليه جماعة ممن معه من قواد نوح الذين انتقلوا إليه ، وقالوا : نحب أن تردنا إلى منازلنا ، ثم صالح ، ( فخرج أبو علي نحو بخارى ) ، فخرج إليه الأمير نوح في عساكره ، وجعل الفضل بن محمد أخا أبي علي صاحب جيشه ، فالتقوا بجرجيك في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ، وتحاربوا قبيل العصر ، فاستأمن إسماعيل بن الحسن الداعي إلى نوح ، وتفرق العسكر عن أبي علي ، فانهزم ورجع إلى الصغانيان .

ثم بلغه أن الأمير نوحا قد أمر العساكر بالمسير إليه من بخارى وبلخ وغيرهما ، وأن صاحب الختل قد تجهز لمساعدة أبي علي ، فسار أبو علي في جيشه إلى ترمذ ، وعبر جيحون ، وسار إلى بلخ واستولى عليها وعلى طخارستان ، وجبى مال تلك الناحية .

وسار من بخارى عسكر جرار إلى الصغانيان ، فأقاموا بنسف ومعهم الفضل بن محمد أخو أبي علي ، فكتب جماعة من قواد العسكر إلى الأمير نوح بأن الفضل قد اتهموه بالميل إلى أخيه ، فأمرهم بالقبض عليه ، فقبضوا عليه وسيروه إلى بخارى .

وبلغ خبر العسكر إلى أبي علي ، وهو بطخارستان ، فعاد إلى الصغانيان ووقعت بينهم حروب ، وضيق عليهم أبو علي في العلوفة ، فانتقلوا إلى قرية أخرى على فرسخين من الصغانيان ، فقاتلهم أبو علي في ربيع الأول سنة سبع وثلاثين [ وثلاثمائة ] قتالا شديدا ، فقهروه ، وسار إلى شومان وهي على ستة عشر فرسخا من الصغانيان ، ودخل عسكر نوح إلى الصغانيان ، فأخربوا قصور أبي علي ومساكنه ، وتبعوا أبا علي ، فعاد إليهم واجتمع إليه الكتيبة ، وضيق على عسكر نوح ، وأخذ عليهم المسالك ، فانقطعت عنهم [ ص: 169 ] أخبار بخارى ، وأخبارهم عن بخارى نحو عشرين يوما ، فأرسلوا إلى أبي علي يطلبون الصلح ، فأجابهم إليه واتفقوا على إنفاذ ابنه أبي المظفر عبد الله رهينة إلى الأمير نوح ، واستقر الصلح بينهما في جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة .

وسير ابنه إلى بخارى ، فأمر نوح باستقباله ، فأكرمه وأحسن إليه ، وكان قد دخل إليه بعمامة ، فخلع عليه القلنسوة ، وجعله من ندمائه ، وزال الخلف .

وكان ينبغي أن نذكر هذه الحوادث في السنين التي هي فيها كانت ، وإنما أوردناها متتابعة في هذه السنة لئلا يتفرق ذكرها .

هذا الذي ذكره أصحاب التواريخ من الخراسانيين ، وقد ذكر العراقيون هذه الحوادث على غير هذه السياقة ، وأهل كل بلد أعلم بأحوالهم ، ونحن نذكر ما ذكره العراقيون مختصرا ، قالوا : إن أبا علي لما سار نحو الري في عساكر خراسان ، كتب ركن الدولة إلى أخيه عماد الدولة يستمده ، فأرسل إليه يأمره بمفارقة الري والوصول إليه لتدبير له في ذلك ، ففعل ركن الدولة ذلك .

ودخل أبو علي الري ، فكتب عماد الدولة إلى نوح سرا يبذل له في الري في كل سنة زيادة على ما بذله أبو علي مائة ألف دينار ، ويعجل ضمان سنة ، ويبذل من نفسه مساعدته على أبي علي حتى يظفر به ( وخوفه منه ) ، فاستشار نوح أصحابه ، وكانوا يحسدون أبا علي ويعادونه ، فأشاروا عليه بإجابته ، فأرسل نوح إلى ابن بويه من يقرر القاعدة ويقبض المال ، فأكرم الرسول ووصله بمال جزيل ، وأرسل إلى أبي علي يعلمه خبر هذه الرسالة ، وأنه مقيم على عهده ووده ، وحذره من غدر الأمير نوح ، فأنفذ أبو علي رسوله إلى إبراهيم وهو بالموصل يستدعيه ليملكه البلاد ، فسار إبراهيم ، فلقيه أبو علي بهمذان ، وساروا إلى خراسان .

وكتب عماد الدولة إلى أخيه ركن الدولة يأمره بالمبادرة إلى الري ، فعاد إليه ، واضطربت خراسان ، ورد عماد الدولة رسول نوح بغير مال ، وقال : أخاف أن أنفذ المال فيأخذه أبو علي ، وأرسل إلى نوح يحذره من أبي علي ويعده المساعدة عليه ، وأرسل إلى أبي علي يعده بإنفاذ العساكر نجدة له ، ويشير عليه بسرعة اللقاء ، وإن نوحا ( سار [ ص: 170 ] فالتقى ) هو وأبو علي بنيسابور ، فانهزم نوح وعاد إلى سمرقند ، واستولى أبو علي على بخارى ، وإن أبا علي استوحش من إبراهيم فانقبض عنه . وجمع نوح العساكر وعاد إلى بخارى ، وحارب عمه إبراهيم ، فلما التقى الصفان ، عاد جماعة من قواد إبراهيم إلى نوح ، وانهزم الباقون ، وأخذ إبراهيم أسيرا ، فسمل هو وجماعة من أهل بيته ، سملهم نوح .

التالي السابق


الخدمات العلمية