الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر محاصرة أبي يزيد سوسة وانهزامه منها

لما رأى أبو يزيد ما جرى على عسكره من الهزيمة ، جد في أمره ، فجمع العساكر وسار إلى سوسة سادس جمادى الآخرة من السنة ، وبها جيش كثير للقائم ، فحصرها حصرا شديدا ، فكان يقاتلها كل يوم ، فمرة له ، ومرة عليه ، وعمل الدبابات والمنجنيقات ، فقتل من أهل سوسة خلق كثير ، وحاصرها إلى أن فوض القائم العهد إلى ولده إسماعيل المنصور في شهر رمضان ، وتوفي القائم وملك الملك ابنه المنصور على ما نذكره ، وكتم موت أبيه خوفا من أبي يزيد لقربه ، وهو على مدينة سوسة .

فلما ولي عمل المراكب ، وشحنها بالرجال ، وسيرها إلى سوسة ، واستعمل عليها رشيقا الكاتب ، ويعقوب بن إسحاق ، ووصاهما أن لا يقاتلا حتى يأمرهما ، ثم سار من الغد يريد السوسة ، ولم يعلم أصحابه ذلك ، فلما انتصف الطريق علموا فتضرعوا إليه ، وسألوه أن يعود ولا يخاطر بنفسه ، فعاد وأرسل إلى رشيق ويعقوب بالجد في القتال ، فوصلوا إلى سوسة وقد أعد أبو يزيد الحطب لإحراق السور ، وعمل دبابة عظيمة [ ص: 146 ] فوصل أسطول المنصور إلى سوسة ، واجتمعوا بمن فيها ، وخرجوا إلى قتال أبي يزيد ، فركب بنفسه ، واقتتلوا واشتدت الحرب ، وانهزم بعض أصحاب المنصور حتى دخلوا المدينة ، فألقى رشيق النار في الحطب الذي جمعه أبو يزيد ، وفي الدبابة ، فأظلم الجو بالدخان ، واشتعلت النار .

فلما رأى ذلك أبو يزيد وأصحابه خافوا ، وظنوا أن أصحابه في تلك الناحية قد هلكوا ، فلهذا تمكن أصحاب المنصور من إحراق الحطب إذ لم ير بعضهم بعضا ، فانهزم أبو يزيد وأصحابه ، وخرجت عساكر المنصور ، فوضعوا السيف فيمن تخلف من البربر ، وأحرقوا خيامه .

وجد أبو يزيد هاربا حتى دخل القيروان من يومه ، وهرب البربر على وجوههم ، فمن سلم من السيف ، مات جوعا وعطشا .

ولما وصل أبو يزيد إلى القيروان ، أراد الدخول إليها ، فمنعه أهلها ، ورجعوا إلى دار عامله فحصروه ، وأرادوا كسر الباب ، فنثر الدنانير على رءوس الناس فاشتغلوا عنه ، فخرج إلى أبي يزيد ، وأخذ أبو يزيد امرأته أم أيوب ، وتبعه أصحابه بعيالاتهم ، ورحلوا إلى ناحية سبيبة ، وهي على مسافة يومين من القيروان ، فنزلوها .

التالي السابق


الخدمات العلمية