الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر قصد عضد الدولة أخاه فخر الدولة وأخذ بلاده

في هذه السنة سار عضد الدولة إلى بلاد الجبل ، فاحتوى عليها .

وكان سبب ذلك أن بختيار بن معز الدولة كان يكاتب ابن عمه فخر الدولة ، بعد موت ركن الدولة ، ويدعوه إلى الاتفاق معه على عضد الدولة ، فأجابه إلى ذلك واتفقا .

وعلم عضد الدولة به ، فكتم ذلك إلى الآن ، فلما فرغ من أعدائه كأبي تغلب ، وبختيار ، وغيرهما ، ومات حسنويه بن الحسين ، ظن عضد الدولة أن الأمر يصلح بينه وبين أخويه ، فراسل أخويه فخر الدولة ، ومؤيد الدولة ، وقابوس بن وشمكير .

[ ص: 372 ] فأما رسالته إلى أخيه مؤيد الدولة ، فيشكره على طاعته وموافقته ، فإنه كان مطيعا له غير مخالف .

وأما إلى فخر الدولة ، فيعاتبه ويستميله ، ويذكر له ما يلزمه به الحجة .

وأما إلى قابوس ، فيشير عليه بحفظ العهود التي بينهما .

فأجاب فخر الدولة جواب المناظر المناوئ ، ونسي كبر السن ، وسعة الملك وعهد أبيه .

وأما قابوس فأجاب جواب المراقب . وكان الرسول خواشاده ، وهو من أكابر أصحابه ، فاستمال أصحاب فخر الدولة ، فضمن له الإقطاعات ، وأخذ عليهم العهود ، فلما عاد الرسول برز عضد الدولة من بغداذ على عزم المسير إلى الجبل وإصلاح تلك الأعمال ، وابتدأ فقدم العساكر بين يديه يتلو بعضها بعضا ، منهم أبو الوفاء على عسكر ، وخواشاده على عسكر ، وأبو الفتح المظفر بن محمد في عسكر ، فسارت هذه العساكر ، وأقام هو بظاهر بغداذ .

ثم سار عضد الدولة ، فلقيته البشائر بدخول جيوشه همذان ، واستئمان العدد الكثير من قواد فخر الدولة ورجال حسنويه ، ووصل إليه أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن حمدويه وزير فخر الدولة ، ( ومعه جماهير أصحابه ، فانحل أمر فخر الدولة ) ، وكان بهمذان ، فخاف من أخيه ، وتذكر قتل ابن عمه بختيار ، فخرج هاربا ، وقصد بلد الديلم ، ثم خرج منها إلى جرجان ، فنزل على شمس المعالي قابوس بن وشمكير ، والتجأ إليه فأمنه وآواه ، وحمل إليه فوق ما حدث به نفسه ، وشركه فيما تحت يده من ملك وغيره .

وملك عضد الدولة ما كان بيد فخر الدولة همذان ، والري ، وما بينهما من البلاد ( وسلمها إلى أخيه مؤيد الدولة بن بويه ، وجعله خليفته ونائبه في تلك البلاد ) ، ونزل الري ، واستولى على تلك النواحي .

ثم عرج عضد الدولة إلى ولاية حسنويه الكردي ، فقصد نهاوند ، وكذلك الدينور ، وقلعة سرماج ، وأخذ ما فيها من ذخائر حسنويه ، وكانت جليلة المقدار ، وملك معها عدة [ ص: 373 ] من قلاع حسنويه ، ولحقه في هذه السفرة صرع ، وكان هذا قد أخذه بالموصل ، وحدث به فيها ، فكتمه ، وصار كثير النسيان لا يذكر الشيء إلا بعد جهد ، وكتم ذلك أيضا ، وهذا دأب الدنيا لا تصفو لأحد .

وأتاه أولاد حسنويه ، فقبض على عبد الرزاق ، وأبي العلاء ، وأبي عدنان ، وأحسن إلى بدر بن حسنويه ، وخلع عليه ، وولاه رعاية الأكراد ، ( هذا آخر ما في " تجارب الأمم " تأليف أبي علي بن مسكويه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية