لاهم رب إن بكرا دونكا يبرك الناس ويفخرونكا
والبر : الفؤاد ، وولد الثعلب والهر ، وبر والده : أجله وأعظمه . يبره : على وزن فعل يفعل ، ورجل بار ، وبر ، وبرت يمينه ، وبر حجه : أجلها وجمع أنواعا من الخير ، والبر سعة المعروف والخير ، ومنه : البر والبرية للسعة . ويتناول كل خير ، والإبرار : الغلبة ، قال الشاعر :
ويبرون على الآبي المبر
النسيان : ضد الذكر ، وهو السهو الحادث بعد حصول العلم ، ويطلق أيضا على الترك ، وضده الفعل ، والفعل : نسي ينسى على فعل يفعل ، ويتعدى لواحد ، وقد يعلق نسي حملا على علم ، قال الشاعر :
ومن أنتم إنا نسينا من انتم وريحكم من أي ريح الأعاصر
وفي البيت احتمال .
التلاوة : القراءة ، وسميت بها لأن الآيات أو الكلمات أو الحروف يتلو بعضها بعضا في الذكر . والتلو : التبع ، وناقة متل : يتبعها ولدها . العقل : الإدراك المانع من الخطأ ، ومنه عقال البعير ، يمنعه من التصرف ، والمعقل : مكان يمتنع فيه ، والعقل : الدية لأن جنسها إبل تعقل في فناء الولي ، أو لأنها تمنع من قتل الجاني ، والعقل : ثوب موشى ، قال الشاعر :
عقلا ورقما تظل الطير تتبعه كأنه من دم الأجواف مدموم
والعقال : زكاة العام ، قال الشاعر :
سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا فكيف لو قد سعى عمرو عقالين
ورمل عقنقل : متماسك عن الانهيار . ، والفعل : صبر يصبر على فعل يفعل ، وأصله أن يتعدى لواحد ، قال الشاعر : الصبر : حبس النفس على المكروه
فصبرت عارفة لذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع
وقد كثر حذف مفعوله حتى صار كأنه غير متعد .
( لكبيرة ) : من كبر يكبر ، ويكون ذلك في الجرم وفي القدر ، ويقال : كبر علي كذا ، أي شق ، وكبر يكبر ، فهو كبير من السن . قال الشاعر :
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا إلى اليوم لم نكبر ولم يكبر البهم
الخشوع : قريب من الخضوع ، وأصله : اللين والسهولة ، وقيل : الاستكانة والتذلل . وقال الليث : الخضوع في البدن ، والخشوع في البدن والبصر والصوت ، والخشعة : الرملة المتطامنة . وفي الحديث : " كانت الكعبة خشعة على الماء " .
الظن : ترجيح أحد الجانبين ، وهو الذي يعبر عنه النحويون بالشك ، وقد يطلق على التيقن . وفي كلا الاستعمالين يدخل على ما أصله المبتدأ والخبر بالشروط التي ذكرت في النحو ، خلافا لأبي زيد السهيلي ، إذ زعم أنها ليست من نواسخ الابتداء . والظن أيضا يستعمل بمعنى التهمة ، فيتعدى إذ ذاك لواحد ، قال الفراء : الظن يقع بمعنى الكذب ، والبصريون لا يعرفون ذلك .
( أتأمرون الناس بالبر ) الهمزة للاستفهام وضعا ، وشابها هنا التوبيخ والتقريع لأن المعنى الإنكار عليهم وتوبيخهم على أن يأمر الشخص بخير ، ويترك نفسه ، ونظيره في النهي قول أبي الأسود :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
وقول الآخر :
وابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإن انتهت عنه فأنت حكيم
فيقبح في العقول أن يأمر الإنسان بخير وهو لا يأتيه ، وأن ينهى عن سوء وهو يفعله ، وفي تفسير البر هنا أقوال : الثبات على دين رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وهم لا يتبعونه ، أو اتباع التوراة وهم [ ص: 183 ] يخالفونها في جحدهم صفته . وروي عن قتادة وابن جريج والسدي : أو على الصدقة ويبخلون ، أو على الصدق وهم لا يصدقون ، أو حض أصحابهم على الصلاة والزكاة ولا يأتونهما . وقال السلمي : أتطالبون الناس بحقائق المعاني وأنتم قلوبكم خالية عن ظواهر رسومها ؟ وقال القشيري : أتحرضون الناس على البدار وترضون بالتخلف ؟ وقال : أتدعون الخلق إلينا وتقعدون عنا ؟ وألفاظا من هذا المعنى ، وأتى بالمضارع في : ( أتأمرون ) ، وإن كان قد وقع ذلك منهم لأنه يفهم منه في الاستعمال في كثير من المواضع : الديمومة وكثرة التلبس بالفعل ، نحو قولهم : زيد يعطي ويمنع ، وعبر عن ترك فعلهم بالنسيان مبالغة في الترك ، فكأنه لا يجري لهم على بال ، وعلق النسيان بالأنفس توكيدا للمبالغة في الغفلة المفرطة .
( وتنسون ) : معطوف على تأمرون ، والمنعي عليهم جمعهم بين هاتين الحالتين من أمر الناس بالبر الذي في فعله النجاة الأبدية ، وترك فعله حتى صار نسيا منسيا بالنسبة إليهم . ( أنفسكم ) ، والأنفس هنا : ذواتهم ، وقيل : جماعتهم وأهل ملتهم ، ثم قيد وقوع ذلك منهم بقوله : ( وأنتم تتلون الكتاب ) : أي أنكم مباشرو الكتاب وقارئوه ، وعالمون بما انطوى عليه ، فكيف امتثلتموه بالنسبة إلى غيركم وخالفتموه بالنسبة إلى أنفسكم ؟ كقوله تعالى : ( وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) . والجملة حالية ولا يخفى ما في تصديرها بقوله : ( وأنتم ) من التبكيت لهم والتقريع والتوبيخ لأجل المخاطبة بخلافها لو كانت اسما مفردا ، والكتاب هنا : التوراة والإنجيل ، وفيهما النهي عن هذا الوصف الذميم ، وهذا قول الجمهور . وقيل : الكتاب هنا القرآن ، قالوا : ويكون قد انصرف من خطاب أهل الكتاب إلى خطاب المؤمنين ، ويكون ذلك من تلوين الخطاب ، مثل قوله تعالى : ( يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك ) ، وفي هذا القول بعد ، إذ الظاهر أن هذا كله خطاب مع أهل الكتاب .
( أفلا تعقلون ) : مذهب والنحويين : أن أصل الكلام كان تقديم حرف العطف على الهمزة في مثل هذا ومثل ( أولم يسيروا ) ( أثم إذا ما وقع ) لكن لما كانت الهمزة لها صدر الكلام ، قدمت على حرف العطف ، وذلك بخلاف هل ، وزعم سيبويه أن الواو والفاء وثم بعد الهمزة واقعة موقعها ، ولا تقديم ولا تأخير ، ويجعل بين الهمزة وحرف العطف جملة مقدرة يصح العطف عليها ، وكأنه رأى أن الحذف أولى من التقديم والتأخير . وقد رجع عن هذا القول في بعض تصانيفه إلى قول الجماعة ، وقد تكلمنا على هذه المسألة في شرحنا لكتاب التسهيل . فعلى قول الجماعة يكون التقدير : فألا تعقلون ، وعلى قول الزمخشري يكون التقدير : أتعقلون فلا تعقلون ، أمكثوا فلم يسيروا في الأرض ، أو ما كان شبه هذا الفعل مما يصح أن يعطف عليه الجملة التي بعد حرف العطف ، ونبههم بقوله : ( أفلا تعقلون ) على أن فيهم إدراكا شريفا يمنعهم من قبيح ما ارتكبوه من أمر غيرهم بالخير ونسيان أنفسهم عنه ، وإن هذه حالة من سلب العقل ، إذ العاقل ساع في تحصيل ما فيه نجاته وخلاصه أولا ، ثم يسعى بعد ذلك في خلاص غيره ، ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ، ومركوز في العقل أن الإنسان إذا لم يحصل لنفسه مصلحة ، فكيف يحصلها لغيره ؟ ألا ترى إلى قول الشاعر : الزمخشري
إذا المرء لم يخزن عليه لسانه فليس على شيء سواه بخزان
فإذا صدر من الإنسان تحصيل المصلحة لغيره ، ومنع ذلك لنفسه ، كان ذلك خارجا عن أفعال العقلاء ، خصوصا في الأمور التي يرجى بسلوكها النجاة من عذاب الله ، والفوز بالنعيم السرمدي . وقد فسروا قوله : ( أفلا تعقلون ) بأقوال : ( أفلا تعقلون ) أفلا تمنعون أنفسكم من مواقعة هذه الحال المردية بكم ، أو : أفلا تفهمون قبح ما تأتون من معصية ربكم في اتباع محمد ، صلى الله عليه وسلم ، والإيمان به ، أو : أفلا تنتهون ; [ ص: 184 ] لأن العقل ينهى عن القبيح ، أو أفلا ترجعون ; لأن العقل يراد إلى الأحسن ، أو أفلا تعقلون أنه حق فتتبعونه ، أو أن وبال ذلك عليكم راجع ، أو : أفلا تمتنعون من المعاصي ، أو : أفلا تعقلون ، إذ ليس في قضية العقل أن تأمر بالمعروف ولا تأتيه ، أو : أفلا تفطنون لقبح ما أقدمتم عليه حتى يصدكم استقباحه عن ارتكابه ، وكأنكم في ذلك مسلوبو العقل ; لأن العقول تأباه وتدفعه . وشبيه بهذه الآية ( لم تقولون ما لا تفعلون ) الآية . : الإرشاد إلى المنفعة والتحذير عن المفسدة ، وذلك معلوم بشواهد العقل ، فمن وعظ ولم يتعظ فكأنه أتى بفعل متناقض لا يقبله العقل ، ويصير ذلك الوعظ سببا للرغبة في المعصية ; لأنه يقال : لولا اطلاع الواعظ على أن لا أصل لهذه التخويفات لما أقدم على المعصية ، فتكون النفس نافرة عن قبول وعظ من لم يتعظ ، وأنشدوا : والمقصود من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
مواعظ الواعظ لن تقبلا حتى يعيها قلبه أولا
وقال علي - كرم الله وجهه : قصم ظهري رجلان : عالم متهتك ، وجاهل متنسك . ولا دليل في الآية لمن استدل بها على أنه ليس للعاصي أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ولا في قوله تعالى : ( لم تقولون ما لا تفعلون ) ولا للمعتزلة في أن فعل العبد غير مخلوق لله تعالى ، قالوا : التوبيخ لا يحسن إلا إذا كانوا فاعلي أفعالهم ، وهذه مسألة مشكلة يبحث فيها في علم الكلام . وهذا الإنكار والتوبيخ والتقريع ، وإن كان خطابا لبني إسرائيل ، فهو عام من حيث المعنى . وعن : بلغني أن ناسا من أهل الجنة اطلعوا على ناس من أهل النار فقالوا لهم : قد كنتم تأمروننا بأشياء عملناها فدخلنا الجنة ، قالوا : كنا نأمركم بها ونخالف إلى غيرها . محمد بن واسع