الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ثم اتخذتم العجل ) : الجمهور على إدغام الذال في التاء . وقرأ ابن كثير وحفص من السبعة بالإظهار ، ويحتمل اتخذ هنا أن تكون متعدية لواحد ، أي صنعتم عجلا ، كما قال : ( واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ) على أحد التأويلين ، وعلى هذا التقدير يكون ثم جملة محذوفة يدل عليها المعنى ، وتقديرها : وعبدتموه إلها ، ويحتمل أن تكون مما تعدت إلى اثنين فيكون المفعول الثاني محذوفا لدلالة المعنى ، التقدير : ثم اتخذتم العجل إلها ، والأرجح القول الأول ، إذ لو كان مما يتعدى في هذه القصة لاثنين لصرح بالثاني ، ولو في موضع واحد ، ألا ترى أنه لم يعد إلى اثنين بل إلى واحد في هذا الموضع ، وفي : ( واتخذ قوم موسى ) ، وفي : ( اتخذوه وكانوا ظالمين ) ، وفي : ( إن الذين اتخذوا العجل ) ، وفي قوله في هذه السورة أيضا : ( إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ) ، لكنه يرجح القول الثاني ; لاستلزام القول الأول حذف جملة من هذه الآيات ، ولا يلزم في الثاني إلا حذف المفعول ، وحذف المفرد أسهل من حذف الجملة . فعلى القول الأول فيه ذم الجماعة بفعل الواحد ; لأن الذي عمل العجل هو السامري ، وسيأتي ، إن شاء الله ، الكلام فيه وفي اسمه وحكاية إضلاله عند قوله تعالى : ( وأضلهم السامري ) ، وذلك عادة العرب في كلامها ، تذم وتمدح القبيلة بما صدر عن بعضها . وعلى القول الثاني فيه ذمهم بما صدر منهم ، والألف واللام في ( العجل ) على القول الأول لتعريف الماهية ، إذ لم يتقدم عهد فيه ، وعلى القول الثاني للعهد السابق ، إذ كانوا قد صنعوا عجلا ثم اتخذوا ذلك العجل إلها ، وكونه عجلا ظاهر في أنه صار لحما ودما ، فيكون عجلا حقيقة ويكون نسبة الخوار إليه حقيقة ، قاله الحسن . وقيل : هو مجاز ، أي عجلا في الصورة والشكل ; لأن السامري صاغه على شكل العجل ، وكان فيما ذكروا صائغا ، ويكون نسبة الخوار إليه مجازا ، قاله الجمهور ، وسيأتي الكلام على ذلك في الأعراف ، إن شاء الله . ومن أغرب ما ذهب إليه في هذا العجل أنه سمي عجلا لأنهم عجلوا به قبل قدوم موسى ، فاتخذوه إلها ، قاله أبو العالية ، أو سمي هذا عجلا ، لقصر مدته .

( من بعده ) ، من : تفيد ابتداء الغاية ، ويتعارض مدلولها مع مدلول ثم ; لأن ( ثم ) تقتضي وقوع الاتخاذ بعد مهلة من المواعدة ، و ( من ) تقتضي ابتداء الغاية في التعدية التي تلي المواعدة ، إذ الظاهر عود الضمير على موسى ، ولا تتصور التعدية في الذات ، فلا بد من حذف ، وأقرب ما يحذف مصدر يدل عليه لفظ واعدنا ، أي من بعد مواعدته ، فلا بد من ارتكاب المجاز في أحد الحرفين ، إلا إن قدر محذوف غير المواعدة ، وهو أن يكون التقدير من بعد ذهابه إلى الطور ، فيزول التعارض ، إذ المهلة تكون بين المواعدة والاتخاذ . ويبين المهلة قصة الأعراف ، إذ بين المواعدة والاتخاذ هناك جمل كثيرة ، وابتداء الغاية يكون عقيب الذهاب إلى الطور ، فلم تتوارد المهلة والابتداء على شيء واحد ، فزال التعارض . وقيل : الضمير في ( بعده ) يعود على الذهاب ، أي من بعد الذهاب ، ودل على ذلك أن المواعدة تقتضي الذهاب ، فيكون عائدا على غير مذكور ، بل على ما يفهم من سياق الكلام ، نحو قوله تعالى : ( حتى توارت بالحجاب ) ، ( فأثرن به نقعا ) أي توارت الشمس ، إذ يدل عليها قوله : بالعشي ، وأي فأثرن بالمكان ، إذ يدل عليه ( والعاديات ) ( فالموريات ) ، ( فالمغيرات ) ، إذ هذه الأفعال لا تكون إلا في مكان فاقتضته ودلت [ ص: 201 ] عليه . وقيل : الضمير يعود على الإنجاء ، أي من بعد الإنجاء ، وقيل : على الهدى ، أي من بعد الهدى ، وكلا هذين القولين ضعيف .

( وأنتم ظالمون ) : جملة حالية ، ومتعلق الظلم ، قيل : ظالمون بوضع العبادة في غير موضعها ، وقيل : بتعاطي أسباب هلاكها ، وقيل : برضاكم فعل السامري في اتخاذه العجل ، ولم تنكروا عليه . ويحتمل أن تكون الجملة غير حال ، بل إخبار من الله أنهم ظالمون ، أي سجيتهم الظلم ، وهو وضع الأشياء في غير محلها . وكان المعنى : ثم اتخذتم العجل من بعده وكنتم ظالمين ، كقوله تعالى : ( اتخذوه وكانوا ظالمين ) . وأبرز هذه الجملة في صورة ابتداء وخبر ; لأنها أبلغ وآكد من الجملة الفعلية ولموافقة الفواصل . وظاهر قوله : ( ثم اتخذتم ) العموم ، وأنهم كلهم عبدوا العجل إلا هارون ، وقيل : الذين عكفوا على عبادته من قوم موسى ثمانية آلاف رجل ، وقيل : كلهم عبدوه إلا هارون مع اثني عشر ألفا ، قيل : وهذا هو الصحيح ، وقيل : إلا هارون والسبعين رجلا الذين كانوا مع موسى . واتخاذ السامري العجل دون سائر الحيوانات ، قيل : لأنهم مروا على قوم يعكفون على أصنام لهم وكانت على صور البقر ، فقالوا : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، فهجس في نفس السامري أن يفتنهم من هذه الجهة ، فاتخذ لهم العجل ، وقيل : إنه كان من قوم يعبدون البقر ، وكان منافقا يظهر الإيمان بموسى ، فاتخذ عجلا من جنس ما كان يعبده ، وفي اتخاذهم العجل إلها دليل على أنهم كانوا مجسمة أو حلولية ، إذ من اعتقد تنزيه الله عن ذلك واستحالة ذلك عليه بالضرورة ، تبين له بأول وهلة فساد دعوى أن العجل إله . وقد نقل المفسرون عن ابن عباس والسدي وغيرهما قصصا كثيرا مختلفا في سبب اتخاذ العجل ، وكيفية اتخاذه ، وانجر مع ذلك أخبار كثيرة ، الله أعلم بصحتها ، إذ لم يشهد بصحتها كتاب ولا حديث صحيح ، فتركنا نقل ذلك على عادتنا في هذا الكتاب .

( ثم عفونا عنكم ) : تقدمت معاني عفا ، ويحتمل أن يكون عفا عنه من باب المحو والإذهاب ، أو من باب الترك ، أو من باب السهولة . والعفو والصفح متقاربان في المعنى . وقال قوم : لا يستعمل العفو بمعنى الصفح إلا في الذنب ، فإن كان العفو هنا بمعنى الترك أو التسهيل ، فيكون ( عنكم ) عام اللفظ خاص المعنى ; لأن العفو إنما كان عمن بقي منهم ، وإن كان بمعنى المحو ، كان عاما لفظا ومعنى ، فإنه تعالى تاب على من قتل ، وعلى من بقي ، قال تعالى : ( فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم ) . وروي أن الله أوحى إلى موسى بعد قتلهم أنفسهم أني قبلت توبتهم فمن قتل فهو شهيد ، ومن لم يقتل فقد تبت عليه وغفرت له . وقالت المعتزلة : عفونا عنكم ، أي بسبب إتيانكم بالتوبة ، وهي قتل بعضهم بعضا : ( من بعد ذلك ) إشارة إلى اتخاذ العجل ، وقيل : إلى قتلهم أنفسهم ، والأول أظهر .

( لعلكم ) : تقدم الكلام في لعل في قوله : ( لعلكم تتقون ) ، لغة ودلالة معنى بالنسبة إلى الله تعالى ، فأغنى عن إعادته . ( تشكرون ) : أي تثنون عليه تعالى بإسدائه نعمه إليكم ، وتظهرون النعمة بالثناء ، وقالوا : الشكر باللسان ، وهو الحديث بنعمة المنعم ، والثناء عليه بذلك وبالقلب ، وهو اعتقاد حق المنعم على المنعم عليه ، وبالعمل ( اعملوا آل داود شكرا ) ، وبالله أي شكرا لله بالله ; لأنه لا يشكره حق شكره إلا هو ، وقال بعضهم :


وشكر ذوي الإحسان بالقول تارة وبالقلب أخرى ثم بالعمل الأسنى     وشكري لربي لا بقلبي وطاعتي

ولا بلساني بل به شكره عنا

ومعنى ( لعلكم تشكرون ) أي عفو الله عنكم ; لأن العفو يقتضي الشكر ، قاله الجمهور ، أو تظهرون نعمة الله عليكم في العفو ، أو تعترفون بنعمتي ، أو تديمون طاعتي ، أو تقرون بعجزكم عن شكري . أربعة أقوال . وقال ابن عباس : الشكر طاعة الجوارح . وقال الجنيد : الشكر هو العجز عن الشكر . وقال [ ص: 202 ] الشبلي : التواضع تحت رؤية المنة . وقال الفضيل : أن لا تعصي الله . وقال أبو بكر الوراق أن تعرف النعمة من الله . وقال ذو النون : الشكر لمن فوقك بالطاعة ، ولنظيرك بالمكافأة ، ولمن دونك بالإحسان . قال القشيري : سرعة العفو عن عظيم الجرم دالة على حقارة المعفو عنه ، يشهد لذلك : ( من يأت منكن بفاحشة مبينة يضعف لها العذاب ضعفين ) ، وهؤلاء بنو إسرائيل عبدوا العجل فقال تعالى : ( ثم عفونا عنكم من بعد ذلك ) ، وقال لهذه الأمة : ( ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) . انتهى كلامه . وناسب ترجي الشكر إثر ذكر العفو ; لأن العفو عن مثل هذه الزلة العظيمة التي هي اتخاذ العجل إلها هو من أعظم أو أعظم إسداء النعم ، فلذلك قال : ( لعلكم تشكرون ) .

( وإذ آتينا موسى الكتاب ) : هو التوراة بإجماع المفسرين . ( والفرقان ) : هو التوراة ، ومعناه أنه آتاه جامعا بين كونه كتابا وفرقانا بين الحق والباطل ، ويكون من عطف الصفات ; لأن الكتاب في الحقيقة معناه : المكتوب ، قاله الزجاج ، واختاره الزمخشري ، وبدأ بذكره ابن عطية قال : كرر المعنى لاختلاف اللفظ ، ولأنه زاد معنى التفرقة بين الحق والباطل ، ولفظة كتاب لا تعطي ذلك ، أو الواو مقحمة ، أي زائدة ، وهو نعت للكتاب ، قال الشاعر :


إلى الملك القرم وابن الهمام     وليث الكتيبة في المزدحم



قاله الكسائي ، وهو ضعيف ، وإنما قوله : ( وابن الهمام وليث ) من باب عطف الصفات بعضها على بعض . ولذلك شرط ، وهو أن تكون الصفات مختلفة المعاني . أو النصر ; لأنه فرق بين العدو والولي في الغرق والنجاة ، ومنه قيل ليوم بدر : يوم الفرقان ، قاله ابن عباس . أو سائر الآيات التي أوتي موسى - على نبينا وعليه السلام - من العصا واليد وغير ذلك ; لأنها فرقت بين الحق والباطل . أو الفرق بين الحق والباطل ، قاله أبو العالية ومجاهد . أو الشرع الفارق بين الحلال والحرام . أو البرهان الفارق بين الكفر والإيمان ، قاله ابن بحر وابن زيد ، أو الفرج من الكرب لأنهم كانوا مستعبدين مع القبط ، ومنه قوله تعالى : ( يجعل لكم فرقانا ) أي فرجا ومخرجا . وهذا القول راجع لمعنى النصر .

أو القرآن . والمعنى أن الله آتى موسى ذكر نزول القرآن على محمد ، صلى الله عليه وسلم ، حتى آمن به ، حكاه ابن الأنباري . أو القرآن على حذف مفعول ، التقدير : ومحمدا الفرقان ، وحكي هذا عن الفراء وقطرب وثعلب ، وقالوا : هو كقول الشاعر :


وزججن الحواجب والعيونا



التقدير : وكحلن العيون . ورد هذا القول مكي والنحاس وجماعة ; لأنه لا دليل على هذا المحذوف ، ويصير نظير : أطعمت زيدا خبزا ولحما ، ويكون اللحم أطعمته غير زيد ، ولأن الأصل في العطف أنه يشارك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم السابق ، إذا كان العطف بالحروف المشتركة في ذلك ، وليس مثل ما مثلوا به من : وزججن الحواجب والعيون ، لما هو مذكور في النحو .

وقد جاء : ( ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء ) وذكروا جميع الآيات التي آتاها الله تعالى موسى لأنها فرقت بين الحق والباطل .

أو انفراق البحر ، قاله يمان وقطرب ، وضعف هذا القول بسبق ذكر فرق البحر في قوله : ( وإذ فرقنا ) وبذكر ترجية الهداية عقيب الفرقان ، ولا يليق إلا بالكتاب .

وأجيب بأنه ، وإن سبق ذكر الانفلاق ، فأعيد هنا ونص عليه ، بأنه آية لموسى مختصة به ، وناسب ذكر الهداية بعد فرق البحر لأنه من الدلائل التي يستدل بها على وجود الصانع وصدق موسى - على نبينا وعليه السلام - وذلك هو الهداية ; أو لأن المراد بالهداية النجاة والفوز ، وبفرق البحر حصل لهم ذلك فيكون قد ذكر لهم نعمة الكتاب الذي هو أصل الديانات لهم ، ونعمة النجاة من أعدائهم ، فهذه اثنتا عشرة مقالة للمفسرين في المراد بالفرقان هنا .

[ ص: 203 ] لعلكم تهتدون : ترجية لهدايتهم ، وقد تقدم الكلام في لعل . وفي لفظ ابن عطية في لعل هنا ، وفي قوله قبل : لعلكم تشكرون ، أنه توقع ، والذي تقرر في النحو أنه إن كان متعلق ( لعل ) محبوبا ، كانت للترجي ، فإن كان محذورا ، كانت للتوقع ، كقولك : لعل العدو يقدم .

والشكر والهداية من المحبوبات ، فينبغي أن لا يعبر عن معنى ( لعل ) هنا إلا بالترجي . قال القشيري : فرقان هذه الأمة الذي اختصوا به نور في قلوبهم ، يفرقون به بين الحق والباطل : استفت قلبك ، اتقوا فراسة المؤمن ، المؤمن ينظر بنور الله . إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا .

وذلك الفرقان ما قدموه من الإحسان . انتهى كلامه .

وناسب ترجي الهداية إثر ذكر إتيان موسى الكتاب والفرقان ; لأن الكتاب به تحصل الهداية ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ) ، ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى ) ، ( وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ) . وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة من ذكر الامتنان على بني إسرائيل فصولا ، منها : فرق البحر بهم على الوجه الذي ذكر من كونه صار اثني عشر مسلكا على عدد الأسباط وبين كل سبط حاجز يمنعهم من الازدحام دون أن يلحقهم في ذلك استيحاش ; لأنه صار في كل حاجز كوى بحيث ينظر بعضهم إلى بعض على ما نقل ، وهو من أعظم الآيات الدالة على صدق موسى على نبينا وعليه السلام ، وهذا الفرق هو النعمة الثالثة ; لأن الأولى هي التفضيل ، والثانية هي الإنجاء من آل فرعون ، والثالثة هي هذا الفرق وما ترتب عليه من إنجائهم من الغرق وإغراق أعدائهم وهم ينظرون بحيث لا يشكون في هلاكهم ، ثم استطرد بعد ذلك إلى ذكر النعمة الرابعة ، وهي العفو عن الذنب العظيم الذي ارتكبوه من عبادة العجل ، فذكر سبب ذلك ، وأنه اتفق ذلك لغيبة موسى عنهم لمناجاة ربه ، وأنهم على قصر مدة غيبته انخدعوا بما فعله السامري هذا ، ولم يطل عليهم الأمد ، وخليفة موسى فيهم أخوه هارون ينهاهم فلا ينتهون ، ومع هذه الزلة العظيمة عفا عنهم وتاب عليهم ، فأي نعمة أعظم من هذه ؟ ثم ذكر النعمة الخامسة وهي ثمرة الوعد ، وهو إتيان موسى التوراة التي بها هدايتهم ، وفيها مصالح دنياهم وآخرتهم .

وجاء ترتيب هذه النعم متناسقا يأخذ بعضه بعنق بعض ، وهو ترتيب زماني ، وهو أحد الترتيبات الخمسة التي مر ذكرها في هذا الكتاب ; لأن التفضيل أمر حكمي ، فهو أول ثم وقعت النعم بعده ، وهي أفعال يتلو بعضها بعضا ، فأولها الإنجاء من سوء العذاب - ذبح الأبناء واستحياء النساء - بإخراج موسى إياهم من مصر ، بحيث لم يكن لفرعون ولا لقومه عليهم تسليط بعد هذا الخروج والإنجاء ، ثم فرق البحر بهم وإرائهم عيانا هذا الخارق العظيم ، ثم وعد الله لموسى بمناجاته ، وذهابه إلى ذلك ، ثم اتخاذهم العجل ، ثم العفو عنهم ، ثم إيتاء موسى التوراة . فانظر إلى حسن هذه الفصول التي انتظمت انتظام الدر في أسلاكها ، والزهر في أفلاكها ، كل فصل منها قد ختم بمناسبه ، وارتقى في ذروة الفصاحة إلى أعلى مناصبه ، واردا من الله على لسان محمد أمينه ، لسان من لم يتل من قبل كتابا ولا خطه بيمينه .

التالي السابق


الخدمات العلمية