الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                2359 وحدثني حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى لهم صلاة الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة وذكر أن قبلها أمورا عظاما ثم قال من أحب أن يسألني عن شيء فليسألني عنه فوالله لا تسألونني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا قال أنس بن مالك فأكثر الناس البكاء حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول سلوني فقام عبد الله بن حذافة فقال من أبي يا رسول الله قال أبوك حذافة فلما أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يقول سلوني برك عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى والذي نفس محمد بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط فلم أر كاليوم في الخير والشر قال ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال قالت أم عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة ما سمعت بابن قط أعق منك أأمنت أن تكون أمك قد قارفت بعض ما تقارف نساء أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس قال عبد الله بن حذافة والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته حدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أخبرنا أبو اليمان أخبرنا شعيب كلاهما عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث وحديث عبيد الله معه غير أن شعيبا قال عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله قال حدثني رجل من أهل العلم أن أم عبد الله بن حذافة قالت بمثل حديث يونس

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( فلما أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول : سلوني ! برك عمر ، فقال : رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك )

                                                                                                                قال العلماء : هذا القول منه صلى الله عليه وسلم محمول على أنه أوحي إليه ، وإلا فلا يعلم كل ما سئل عنه من المغيبات إلا بإعلام الله تعالى .

                                                                                                                قال القاضي : وظاهر الحديث أن قوله صلى الله عليه وسلم : ( سلوني ) إنما كان غضبا كما قال في الرواية الأخرى : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها ، فلما أكثر عليه غضب ، ثم قال للناس " سلوني " وكان اختياره صلى الله عليه وسلم ترك تلك المسائل ، لكن وافقهم في جوابها لأنه لا يمكن رد السؤال ، ولما رآه من حرصهم عليها . والله أعلم .

                                                                                                                وأما بروك عمر رضي الله عنه وقوله فإنما فعله أدبا وإكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشفقة على المسلمين لئلا يؤذوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهلكوا . ومعنى كلامه رضينا بما عندنا من كتاب الله تعالى ، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، واكتفينا به عن السؤال ، ففيه أبلغ كفاية .

                                                                                                                [ ص: 501 ] قولهم : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولى والذي نفس محمد بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط ) أما لفظة ( أولى ) فهي تهديد ووعيد ، وقيل : كلمة تلهف ، فعلى هذا يستعملها من نجا من أمر عظيم . والصحيح المشهور أنها للتهديد ، ومعناها قرب منكم ما تكرهونه ، ومنه قوله تعالى : [ ص: 502 ] أولى لك فأولى أي قاربك ما تكره فاحذره ، مأخوذ من الولي ، وهو القرب . وأما ( آنفا ) فمعناه قريبا الساعة ، والمشهور فيه المد ، ويقال بالقصر ، وقرئ بهما في السبع ، الأكثرون بالمد . و ( عرض الحائط ) بضم العين جانبه .

                                                                                                                قوله : ( إن أم عبد الله بن حذافة قالت له : أأمنت أن تكون أمك قد قارفت بعض ما يقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس ؟ فقال ابنها : والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته ) . أما قولها : ( قارفت ) معناه عملت سوءا ، والمراد الزنا والجاهلية هم من قبل النبوة ، سموا به لكثرة جهالاتهم . وكان سبب سؤاله أن بعض الناس كان يطعن في نسبه على عادة الجاهلية من الطعن في الأنساب ، وقد بين هذا في الحديث الآخر بقوله : ( كان يلاحى ، فيدعى لغير أبيه ) ، والملاحاة المخاصمة والسباب . وقولها : ( فتفضحها ) معناه لو كنت من زنا فنفاك عن أبيك حذافة فضحتني ، وأما قوله : ( لو ألحقني بعبد للحقته ) فقد يقال : هذا لا يتصور ، لأن الزنا لا يثبت به النسب . ويجاب عنه بأنه يحتمل وجهين : أحدهما أن ابن حذافة ما كان بلغه هذا الحكم ، وكان يظن أن ولد الزنا يلحق الزاني ، وقد خفي هذا على أكبر منه ، وهو سعد بن أبي وقاص حين خاصم في ابن وليدة زمعة ، فظن أنه يلحق أخاه بالزنا . والثاني أنه يتصور الإلحاق بعد وطئها بشبهة ، فيثبت النسب منه . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية