الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( المسألة الثالثة : ( اتفقوا على أن الفعل لا يخبر عنه ، لأن من قال : خرج ضرب لم يكن آتيا بكلام منتظم ، ومنهم من قدح فيه بوجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن قوله : ( أأنذرتهم أم لم تنذرهم ) فعل وقد أخبر عنه بقوله : ( سواء عليهم ) ونظيره قوله : ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ) [يوسف : 35] فاعل " بدا " هو " ليسجننه " .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أن المخبر عنه بأنه فعل لا بد وأن يكون فعلا ، فالفعل قد أخبر عنه بأنه فعل ، فإن قيل : المخبر عنه بأنه فعل هو تلك الكلمة ، وتلك الكلمة اسم ، قلنا : فعلى هذا : المخبر عنه بأنه فعل إذا لم يكن فعلا بل اسما كان هذا الخبر كذبا ، والتحقيق أن المخبر عنه بأنه فعل إما أن يكون اسما أو لا يكون ، فإن كان الأول كان هذا الخبر كذبا ، لأن الاسم لا يكون فعلا ، وإن كان فعلا فقد صار الفعل مخبرا عنه ، وثالثها : أنا إذا قلنا : الفعل لا يخبر عنه فقد أخبرنا عنه بأنه لا يخبر عنه ، والمخبر عنه بهذا الخبر لو كان اسما لزم أنا قد أخبرنا عن الاسم بأنه لا يخبر عنه ، وهذا خطأ ، وإن كان فعلا صار الفعل مخبرا عنه ، ثم قال هؤلاء : لما ثبت أنه لا امتناع في الإخبار عن الفعل لم يكن بنا حاجة إلى ترك الظاهر . أما جمهور النحويين فقد أطبقوا على أنه لا يجوز الإخبار عن الفعل ، فلا جرم كان التقدير : سواء عليهم إنذارك وعدم إنذارك ، فإن قيل : العدول عن الحقيقة إلى المجاز لا بد وأن يكون لفائدة زائدة إما في المعنى أو في اللفظ ، فما تلك الفائدة ههنا ؟ قلنا : قوله : ( سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ) معناه سواء عليهم إنذارك وعدم إنذارك لهم بعد ذلك ؛ لأن القوم كانوا قد بلغوا في الإصرار واللجاج والإعراض عن الآيات والدلائل إلى حالة ما بقي فيهم البتة رجاء القبول بوجه . وقبل ذلك ما كانوا كذلك ، ولو قال : سواء عليهم إنذارك وعدم إنذارك لما أفاد أن هذا المعنى إنما حصل في هذا الوقت دون ما قبله ، ولما قال : ( أأنذرتهم أم لم تنذرهم ) [ ص: 39 ] أفاد أن هذه الحالة إنما حصلت في هذا الوقت ، فكان ذلك يفيد حصول اليأس وقطع الرجاء منهم ، وقد بينا أن المقصود من هذه الآية ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية