الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وزيادة محرم أو زوج كرفقة أمنت بفرض )

                                                                                                                            ش : يعني ويشترط في وجوب الحج على المرأة أيضا وجود زوج أو محرم فإن لم يكن لها محرم ولا زوج فيجب عليها الخروج للحج في الفرض في رفقة مأمونة والأصل في هذا ما ورد في الحديث الصحيح وروى مالك في جامع الموطإ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها } ورواه البخاري ومسلم بروايات مختلفة ، وقوله صلى الله عليه وسلم تؤمن بالله واليوم الآخر على جهة التغليظ يريد أن مخالفة هذا ليس من أفعال من يؤمن بالله ويخاف عقابه في الآخرة قال الباجي : والعلة في منعها من السفر مع غير ذي محرم كونها عورة يجب عليها التستر ويحرم عليها التبرج حيث الرجال مخافة الفضيحة والاختلاط عن التقييد بحدود الشريعة .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال في التوضيح وقاس العلماء الزوج على المحرم بطريق الأولى انتهى .

                                                                                                                            ( ( قلت ) ) وفي كلامه هذا نظر لأنه ورد النص على الزوج في الصحيحين قال في التوضيح : والمحرم يشمل النسب والرضاع والصهر لكن كره مالك سفرها مع ربيبها إما لفساد الزمان لضعف مدرك التحريم عند بعضهم وعلى هذا فيلحق به محارم محرم الصهر والرضاع وإما لما بينهما من العداوة فسفرها معه تعريض لضيعتها وهذا هو الظاهر وقد صرح ابن الجلاب وصاحب التلقين بجواز سفر المرأة مع محرمها من الرضاع في باب الرضاع انتهى . وتأمل قول المصنف مدرك التحريم وقال ابن عبد السلام : إما لفساد الزمان فلا تقوى الحرمة إذا كان التحريم طارئا انتهى وما ذكره عن مالك يفهم منه أنه كرهه مطلقا وليس كذلك إنما كرهه إذا كان أبوه قد طلقها وتزوجت بعده ونصه في رسم حلف : ليرفعن من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح وسئل مالك عن سفر الرجل بامرأة أبيه أتراه ذا محرم فقال : قال الله - سبحانه - { أمهاتكم وبناتكم } فأتم الآية وقال هؤلاء ذو المحرم .

                                                                                                                            فأما الرجل يكون أبوه قد طلق المرأة وتزوجت أزواجا ثم يريد أن يسافر معها فلا أحب ذلك . قال ابن القاسم وما يعجبني أن يسافر بها فارقها أبوه أو لم يفارقها وإنما كان هذا من مالك حجة ولم أره يعجبه ابن رشد .

                                                                                                                            احتجاج مالك بالآية يدل على أنه حمل قوله صلى الله عليه وسلم { لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها } على عمومه في جميع ذوي المحارم من نسب أو رضاع وكراهيته أن يسافر بها إذا كان أبوه قد طلقها وتزوجت الأزواج استحسان مخافة الفتنة عليه إذ ليست في تلك الحال زوجة لأبيه [ ص: 522 ] وكره ابن القاسم أن يسافر بها فارقها أبوه أو لم يفارقها لاحتمال أن يكون أراد النبي صلى الله عليه وسلم ذوي محارمها من النسب دون الصهر فقول مالك في حمل الحديث على ظاهره من العموم أظهر وقول ابن القاسم أحوط انتهى .

                                                                                                                            وما فهمه ابن القاسم عن مالك يوافق إطلاق المصنف وفي رسم الحج من سماع أشهب من كتاب الحج ما نصه : وسمعته سئل أتخرج المرأة تريد الحج مع ختنها فقال تخرج في جماعة الناس ابن رشد ظاهر قوله أنه لم ير أن تخرج مع ختنها لأنه ليس من ذوي محارمها إذا كانت له حلالا قبل أن يتزوج ابنتها ومثل هذا في سماع ابن القاسم من كتاب النكاح من كراهيته السفر للرجل مع زوجة أبيه أو ابنه وحمل مالك - رحمه الله - الحديث المتقدم على السفر المباح والمندوب إليه دون الواجب بدليل إجماعهم على أن المرأة إذا أسلمت في بلد الحرب لزمها الخروج منها إلى بلد الإسلام وإن لم يكن معها ذو محرم خلافا لأهل العراق في قولهم : إن فرض الحج يسقط عنها بعدم المحرم .

                                                                                                                            وقول مالك أصح ; لأنه يخصص من عموم الحديث الهجرة من بلد الحرب بالإجماع وحج الفريضة بالقياس على الإجماع انتهى ، وقال التلمساني في شرح جامع الجلاب وأما سفر الحج فإنها تسافر مع جماعة النساء إذا لم يكن لها محرم قال الأبهري : لأنها لو أسلمت في دار الحرب لوجب عليها أن تخرج من غير ذي محرم إلى دار الإسلام وكذا إذا أسرت وأمكنها أن تهرب منهم يلزمها أن تخرج من غير ذي محرم فكذلك يلزمها أن تؤدي كل فرض عليها إذا لم يكن لها ذو محرم من حج أو غيره انتهى .

                                                                                                                            ونقله القرافي في شرحه أيضا وذكر ابن عرفة في الزنا على القول بتغريب المرأة إن لم يكن لها ولي تخرج في جماعة رجال ونساء كحج الفرض وإلى هذا أشار المصنف بقوله : كرفقة أمنت بفرض أي فإن لم يكن لها محرم ولا زوج فيجب عليها الخروج للحج الفرض في رفقة مأمونة ، لكن ظاهر كلام المصنف يقتضي أن المطلوب في حقها وجود زوج أو محرم أو رفقة مأمونة فمن وجد من الثلاثة خرجت معه ، وظاهر النقول التي وقفت عليها أنها إنما تخرج مع الرفقة المأمونة عند عدم الزوج والمحرم أو امتناعهما قال مالك في الموطإ في الصرورة من النساء التي لم تحج قط إنها إن لم يكن ذو محرم يخرج معها أو كان لها فلم يستطع أن يخرج معها أنها لا تترك فريضة الله عليها في الحج ولتخرج في جماعة من النساء انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن الحاجب : فإن أبى أو لم يكن فرفقة مأمونة انتهى . ونحوه في المدونة والرسالة وغيرهما وسيأتي كلام المدونة .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) إذا امتنع الزوج أو المحرم من الخروج معها إلا بأجرة فهل يلزمها ذلك أو تخرج مع الرفقة المأمونة لم أر فيه نصا ، وقال ابن جماعة الشافعي في منسكه الكبير : إن مقتضى مذهب المالكية أن الأجرة تلزمها .

                                                                                                                            ( ( قلت ) ) : أما مع عدم الرفقة المأمونة فلا شك في لزوم ذلك لها وأما مع وجود الرفقة المأمونة فظاهر النصوص لزوم ذلك لها أيضا لأنهم لم يجيزوا لها الخروج مع الرفقة المأمونة إلا عند امتناعه من الخروج وحيث طلب الأجرة وكانت قادرة عليها فلا يصدق عليه أنه امتنع وفي كلام ابن رشد في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات أنه يجوز للزوج والمحرم أخذ الأجرة على الخروج معها والله أعلم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية