الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الرابع : في النفل والسلب ، وفي ( التنبيهات ) : النفل بفتح الهاء وسكونها : هو الزيادة عن السهم ، ومنه نوافل الصلاة ، وفي ( الكتاب ) : لم يبلغني أن السلب للقاتل كان إلا يوم حنين ، وهو لاجتهاد الإمام ، وقاله ( ح ) ، وقال ( ش ) وابن حنبل : السلب للقاتل ; لقوله عليه السلام في مسلم : ( من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ) وقضى عليه السلام بالسلب في قضية عوف وعروة وغيرهما .

                                                                                                                ( قاعدة ) : تصرفه يقع تارة بالإمامة ; لأنه الإمام الأعظم ، وبالقضاء ; لأنه القاضي الأحكم ، وبالفتيا ; لأنه المفتي الأعلم فمن تصرفه ما يتعين لأحدها إجماعا ، ومنه ما يتنازع الناس فيه كقوله عليه السلام : ( من أحيا أرضا ميتة فهي له ) فقال ( ح ) : ذلك من تصرف الإمامة فيتوقف الإحياء على إذن الإمام ، وقلنا نحن بالفتيا فإن غالب أمره تبليغ الرسالة فكذلك ههنا ، وكذلك قوله عليه السلام لهند امرأة أبي سفيان لما اشتكت إليه تعذر وصولها إلى [ ص: 422 ] حقها : ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) فاختلف الناس هل إذا ظفر الإنسان بجنس حقه أو بغير جنسه المتعذر هل يأخذه أم لا ؟ قال ( ش ) : هذا تصرف منه بطريق الفتيا ، فلا يحتاج إلى إذن الإمام ، فطرد أصله في الموضعين ، وخالفنا نحن أصلنا ، وكذلك ( ح ) لظاهر قوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) [ الأنفال 41 ] وهو مقطوع به متواتر ، والحديث خبر واحد وليس أخص من الآية حتى يخصصها لتناوله الغنيمة وغيرها وضعا ، فكلاهما أعم وأخص من وجه ، ويؤكد ذلك ترك أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ذلك في خلافتهما ؛ ولأن الحديث يستلزم فساد نيات المجاهدين وهم أحوج إلى الإخلاص من الدنيا وما فيها ، وفي ( الكتاب ) : أكره قول الإمام : قاتلوا ولكم كذا ، ومن فعل كذا فله كذا .

                                                                                                                ويكره للأسير أن يقاتل مع الروم عدوهم على أن يخرجوه إلى بلاد الإسلام ، ولا يحل له أن يسفك دمه على مثل هذا ، قال ابن يونس ، قال مالك : لا يجوز النفل قبل الغنيمة وهو من الخمس ، قال سحنون : وإذا قال ذلك الإمام قبل القتال مضى ، ولو قال : من قتل هذا منكم فله سلبه فقتله الأمير لم يكن له سلبه لإخراجه نفسه بقوله منكم ، ولو قال : إن قتلت قتيلا فلي سلبه فلا شيء له فيمن قتل ، ولو قال : من قتل قتيلا فله سلبه فقتل قتيلين فعندنا يخيره أو يعطيه سلب الأول خاصة ، وعندنا له الأول خاصة فإن الشرط اقتضى العموم في القاتلين والمقتولين دون القتلات فإن جهل الأول فقيل : نصفهما ، وقيل : أقلهما ، قال محمد : فإن قتلهما معا فقيل له : سلبهما ، وقيل : أكثرهما ، والفرق : أن الشرط إنما تحقق بهما فليس أحدهما أولى من الآخر بخلاف الأول ، ولا يدخل في العموم سلب من لا يجوز قتله كالمرأة ونحوها إلا أن تقاتل ، وإذا قال الإمام ذلك بعد القتال فلا شيء للذمي ولا للمرأة إلا أن يعلم به الإمام ، خلافا لأهل الشام في الذمي ، وأشهب يرى الإرضاخ للذمي ، وقياس قوله له السلب ، وسوى بين من سمع ، ومن لم يسمع في الشرط .

                                                                                                                [ ص: 423 ] قال سحنون : حلية السيف تبع للسيف ، ولا شيء له في السوار والطوق والعين كلها خلافا لأهل العراق ; لأنها ليست سلبا غالبا ، ولفظه - عليه السلام - محمول على المعلوم غالبا ، وله الترس والسرج واللجام والخاتم والرمح والسيف والبيضة والمنطقة بحليتها ، والساعد والساق دون الصليب في العنق .

                                                                                                                وإذا قال الإمام : من أصاب ذهبا أو فضة فله الربع بعد الخمس أمضيناه ، وإذا قال للسرية : ما غنمتم فلكم لم يمض ، وإن كان فيه خلاف ; لأنه شاذ ، وإذا جعل أجرا لبعض السرايا لصعوبة بعض المواضع فلا شيء لمن انتقل إلى غير سريته ، إلا إن لم يعين الإمام ، ولو ضل رجل عن سريته حتى رجعوا لم يكن له شيء بخلاف الغنيمة ، ولو مات الوالي أو عزل قبل أخذهم النفل ، وولي من يرى رأينا لم يكن لها شيء لعدم القبض لم ينتقضوا أمضاه ابن سحنون مطلقا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية