الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                النظر الخامس في صفة الإخراج ، قال أبو الطاهر : كل ما كان على ساق كالحنطة ونحوها يؤخذ من حبه ، وما كان يعصر كالزيتون ونحوه : فثلاثة أقوال : يؤخذ من الزيت إذا بلغ الحب نصابا يؤخذ من الحب يخير .

                                                                                                                [ ص: 90 ] فروع ثلاثة : الأول في ( الكتاب ) : لا يخرص إلا التمر والعنب للحاجة إلى أكلها رطبين ، ويخرصان إذا أزهيا لا قبل ذلك فيخرصان رطبين ، ويسقط ما ينقص منها ، وقال ( ح ) : يمنع الخرص ; لأنه ممار وتخمين ، والمطلوب إنما هو العلم ، وقياسا على الحبوب . لنا : إجماع المدينة . وما رواه الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد أنه عليه السلام أمر أن يخرص العنب كما يخرص النخل ، وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل . ولأنه أتم حالته ، فأشبه يبس الحب ، ولأنه لو أهمل الكل فيمنع حق الفقراء ، أو يحجر عليه فيضيق الحال على أربابه ، وكلاهما مفسدة فتدفع بما ذكرناه كدفع الخصومات بتقويم المتلفات وتقدير أروش الجنايات ، والفرق بينهما وبين الحبوب : توفر الدعاوي على أكلهما رطبين . قال سند : فإن كان الموضع لا يأتيه الخارص واحتيج إلى التصرف ، دعى أهل المعرفة وعمل على قولهم ، فإن لم يجدهم وكان يبيع رطبا أو عنبا في السوق ولا يعرف الخرص : قال مالك : يؤدي منه ، يريد : أنه إذا علم فيه نصابا وجهل ما زاد ، فإن علم جملة ما باع ذكره لأهل المعرفة فحزروه بها ، يكون بمثله تمرا أو زبيبا ، فإن لم يتحقق النصاب لم يجب عليه شيء وفي ( الكتاب ) : إذا باع زيتونا له أو رطبا له تمر أو عنبا له زبيب لزمه الإتيان بزكاته زيتا وتمرا وزبيبا بخلاف إذا باع قبل تناهيه لتعين حق الفقراء بالطيب هاهنا .

                                                                                                                قال سند : وصفة الخرص : قال مالك : يخرص نخله ما فيها رطبا ، فإن كان الحائط جنسا واحدا لا يختلف في الجفاف جمع جملة النخلات وحزركم ينقص حين تتمر ؟ وإن كان يختلف المائية واللحم حزر كل واحد على حدته ، وكذلك العنب ، ويكون الخارص عدلا عارفا ، ويكفي الواحد عند مالك وابن حنبل ; لأنه عليه [ ص: 91 ] السلام بعث عبد الله بن رواحة خارصا ، ولأنه مجتهد ، فيكون حاكما . والحكم يكفي فيه الواحد . وذلك هو الفرق بينه وبين المقومين ; لأنهما يرفعان إلى الحاكم ، والحكمين في الصيد لتبعهما اختيار المقوم عليه ، وفي ( الجواهر ) : إذا اختلف الخراص اتبع أعلمهم ، فإن استووا أخذ من قول كل واحد منهم جزء من أسهم عددهم كثلاث من ثلاثة ، ولا يترك الخارص شيئا ، وروى : يترك العرايا والغلة ونحوهما ; لأنها معروفة ، ومهما أتلفت الجائحة فلا ضمان على المالك لفوات الإمكان ، ولو أتلف الملك ضمن ، فلو باع الجميع غرم المكيلة ; لأنه من ذوات الأمثال ، وقيل : يؤخذ من ثمنه ; لأنه الموجود بيد الغني ، وإذا تبين خطأ الخارص رجع إلى ما تبين إن كان عارفا وإلا بنى على الأول ، ولا عبرة بما حصل عند الجذاذ ، لاتصال حكم الحاكم به ، وهو ضعيف ; لأن الحاكم إذا قطع بخطئه وجب نقض حكمه ، وكذلك قال ابن نافع ، وقيل : تلزم الزيادة لكون الخطأ فيها قطعيا بخلاف النقص ، وإذا خرص خلي بينه وبين أهله إن شاءوا تصرفوا وضمنوا الزكاة من حين الخرص ، أو تركوا ولم يضمنوا وتؤخذ الزكاة كما وجدوا من الخرص ، أو خالفه إن نقص عن النصاب فلا زكاة ; لأن هذا هو الأصل ، ولا فرق في الخرص بين ما يتمر أو يتزبب أولا ، قال عبد الملك : يخرص ما لا يتمر ولا يتزبب على حاله ، وإذا احتيج إلى كل ما قلنا لا يخرص قبل كماله ، ففي خرصه قولان مبنيان على علة الخرص : هل هي حاجة الأكل أو أوان النخل ؟ والعنب يتمر للعصر بخلاف غيرها ، قال سند : قال ابن حبيب : يوسع عليهم في الخرص ، يترك لهم شيء من رءوس النخيل ، وإذا قلنا : لا تلزم الزيادة فيستحب الإخراج منها وفاقا ، فإن كان المتصدق من أهل الجور : قول أشهب : لا يعتد به ، وعلى قول أصبغ : إن دفع الزكاة لحاكم الجور يجزئ ويعتد به هاهنا ; لأنه ينفد من أئمة الجور ما ينفد من أئمة العدل ، والجائحة تسقط الزكاة إذا نقصت عن النصاب ، فلو باعها وهي خمسة أوسق فأجيحت بأقل من الثلث فالزكاة باقية لأخذه الثمن ، وإن كانت الثلث فأكثر سقط عن المشتري وسقطت الزكاة عنه ، قال ابن القاسم : وإذا ادعى رب الحائط حيف الخارص وأتى بخارص آخر لم يوافق ; لأن الخارص حاكم ، وإذا ادعى الجائحة فعلى القول باعتبار الخرص دون الكيل لا يقبل إلا ببينة لثبوت الزكاة [ ص: 92 ] بحكم الحاكم ، وعلى القول باعتبار الكيل : إن كان ثم سبب ظاهر كالجذاذ ونحوه كلف البينة لإمكانها ، وإن كان أمرا خفيا صدق بغير تبيين إن لم يتهم ، وإلا لم يصدق .

                                                                                                                وإذا اتهم الإمام أرباب الزيتون والحب وكل بحفظه ، قال صاحب ( النكت ) : قوله في ( الكتاب ) : إذا خرص أربعة أوسق فوجدت خمسة أحب إلي أن يخرج ، محمول على الوجوب ، وروي : إن كان عالما فلا شيء عليه ، وإلا زكى ، وقال ابن نافع : يزكي مطلقا وهو القياس ، الثاني في ( الكتاب ) : إذا كان الحائط جنسا أخذ منه وإن كان دباء أو أجناسا أخذ من وسطها لقوله عليه السلام ( فيما سقت السماء العشر ) ويفارق الماشية من وجهين : أحدهما : أن الواجب فيها قيد بالسن فيتقيد بالوسط ، وهاهنا أطلق فيطلق ، الثاني : إن الماشية تساق للفقراء ، فلو أخذ الأدنى لتعذر سوقه ، وهاهنا لا بد من حمله ، وروي عنه لا بد من الوسط قياسا على الماشية ، ولقوله تعالى : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) . ( البقرة : 267 ) وكذلك إن كان جيدا كله قبل منه الوسط ، وقال ابن دينار : إذا اجتمع صنفان أخذ من الأكثر ، وروى أشهب : إن كانت ثلاثة أخذ من كل واحد بقسطه ، الثالث : قال سند : قال مالك : الزيتون الذي له زيت تؤخذ الزكاة من زيته ، فإن لم يعصره وأراد بيعه فروايتان في ثمنه وحبه ، وكذلك ما يثمر أو يتزبب ، وقال ابن عبد الحكم : إنما عليه عشر حب الزيتون قياسا على سائر الحبوب ، والفرق للمذهب : أن الحبوب إنما تؤخذ منها حالة يصلح للادخار منها ومثلها من الزيتون الزيت ، وما لا زيت له يتخرج على العنب والرطب اللذين لا زبيب ولا تمر لها في إخراج الثمن أو الحب والتخيير والله أعلم .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية