الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) ، وإذا اكترى الرجل الأرض من الرجل بالكراء الصحيح ثم أصابها غرق منعه الزرع ، أو ذهب بها سيل أو غصبها فحيل بينه وبينها سقط عنه الكراء من يوم أصابها ذلك وهي مثل الدار يكتريها سنة ويقبضها فتهدم في أول السنة ، أو آخرها والعبد يستأجره السنة فيموت في أول السنة أو آخرها فيكون عليه من الإجارة بقدر ما سكن واستخدم ويسقط عنه ما بقي ، وإن أكراه أرضا بيضاء يصنع فيها ما شاء ، أو لم يذكر أنه اكتراها للزرع ثم انحسر الماء عنها في أيام لا يدرك فيها زرعا فهو بالخيار بين أن يأخذ ما بقي بحصته من الكراء ، أو يرده ; لأنه قد انتقص مما اكترى ، وكذلك إن اكتراها للزرع وكراؤها للزرع أبين في أن له أن يردها إن شاء ، وإن كان مر بها ماء فأفسد زرعه ، أو أصابه حريق ، أو ضريب أو جراد ، أو غير ذلك فهذا كله جائحة على الزرع لا على الأرض فالكراء له لازم فإن أحب أن يجدد زرعا جدده إن كان ذلك يمكنه ، وإن لم يمكنه فهذا شيء أصيب به في زرعه لم تصب به الأرض فالكراء له لازم ، وهذا مفارق للجائحة في الثمرة يشتريها الرجل فتصيبها الجائحة في يديه قبل أن يمكنه جدادها ، ومن وضع الجائحة ثم انبغى أن لا يضعها ههنا فإن قال قائل : إذا كانتا جائحتين فما بال إحداهما توضع والأخرى لا توضع ، فإن من وضع الجائحة الأولى فإنما يضعها بالخبر ، وبأنه إذا كان البيع جائزا في شراء الثمرة إذا بدا صلاحها وتركها حتى تجد فإنما ينزلها بمنزلة الكراء الذي يقبض به الدار ثم تمر به أشهر ثم تتلف الدار فيسقط عنه الكراء من يوم تلفت وذلك أن العين التي اكترى واشترى تلفت وكان الشراء في هذا الموضع إنما يتم بسلامته إلى أن يجد والمكتري الأرض لم يشتر من رب الأرض زرعا إنما اكترى أرضا .

ألا ترى أنه لو تركها فلم يزرعها حتى تمضي السنة كان عليه كراؤها ، ولو أراد أن يزرعها بشيء يقيم تحت الأرض حتى لو مر به سيل لم ينزعه كان ذلك له ؟ ، ولو تكاراها حتى إذا استحصدت فأصاب الأرض حريق فاحترق الزرع لم يرجع على رب الأرض بشيء من قبل أنه لم يتلف شيء كان أعطاه إياه إنما تلف شيء يضعه الزارع من ماله كما لو تكارى منه دارا للبر فاحترق البر ، ولا مال له غيره وبقيت الدار سالمة لم ينتقص سكنها كان الكراء له لازما ، ولم يكن احتراق المتاع من معنى الدار بسبيل .

وإذا تكارى الرجل من الرجل الأرض سنة مسماة أو سنته هذه فزرعها وحصد وبقي من سنته هذه شهر ، أو أكثر أو أقل لم يكن لرب الأرض أن يخرجها من يده حتى تكمل سنته ، ولا يكون له أن يأخذ جميع الكراء إلا باستيفاء المكتري جميع السنة وسواء كانت الأرض أرض المطر ، أو أرض السقي ; لأنه قد يكون فيها منافع من زرع وعثري وسيل ومطر ، ولا يؤيس من المطر على حال ولمنافع سوى هذا لا يمنعها المكتري ، وإذا استأجر الرجل من الرجل [ ص: 18 ] الأرض ليزرعها قمحا فأراد أن يزرعها شعيرا ، أو شيئا من الحبوب سوى القمح فإن كان الذي أراد أن يزرعه لا يضر بالأرض إضرارا أكثر من إضرار ما شرط أنه يزرع ببقاء عروقه في الأرض ، أو إفساده الأرض بحال من الأحوال فله زرعها ما أراد بهذا المعنى كما يكتري منه الدار على أن يسكنها فيسكنها مثله ، وإن كان ما أراد زرعها ينقصها بوجه من الوجوه أكثر من نقص ما اشترط أن يزرعها لم يكن له زرعها فإن زرعها فهو متعد ورب المال بالخيار بين أن يأخذ منه الكراء الذي سمى له وما نقص زرعه الأرض عما ينقصها الزرع الذي شرط له أو يأخذ منه كراء مثلها في مثل ذلك الزرع ، وإن كان قائما في وقت يمكنه فيه الزرع كان لرب الأرض قطع زرعه إن شاء ويزرعها المكتري مثل الزرع الذي شرط له ، أو ما لا يضر أكثر من إضراره .

وإذا تكارى الرجل من الرجل البعير ليحمل عليه خمسمائة رطل قرطا فحمل عليه خمسمائة رطل حديد ، أو تكارى ليحمل عليه حديدا فحمل عليه قرطا بوزنه فتلف البعير فهو ضامن من قبل أن الحديد يستجمع على ظهره استجماعا لا يستجمعه القرط فبهذه يتلف وأن القرط ينتشر على ظهر البعير انتشارا لا مر الحديد فيعمه فيتلف وأصل هذا أن ينظر إذا اكترى منه بعيرا على أن يحمل عليه وزنا من شيء بعينه فحمل عليه وزنه من شيء غيره فإن كان الشيء الذي حمل عليه يخالف الشيء الذي شرط أن يحمله حتى يكون أضر بالبعير منه فتلف ضمن ، وإن كان لا يكون أضر به منه وكان مثله ، أو أحرى أن لا يتلف البعير فحمله فتلف لم يضمن .

وكذلك إن تكارى دابة ليركبها فحمل عليها غيره مثله في الخفة ، أو أخف منه فهكذا لا يضمن ، وإن كان أثقل منه فتلف ضمن ، وإن كان أعنف ركوبا منه ، وهو مثله في الخفة فانظر إلى العنف فإن كان العنف شيئا ليس كركوب الناس وكان متلفا ضمن ، وإن كان كركوب الناس لم يضمن وذلك أن أركب الناس قد يختلف بركوب ، ولا يوقف للركوب على حد إلا أنه إذا فعل في الركوب ما يكون خارجا به من ركوب العامة ومتلفا فتلف الدابة ضمن .

وإذا تكارى الرجل من الرجل أرضا عشر سنين على أن يزرع فيها ما شاء فلا يمنع من شيء من الزرع بحال ، فإن أراد الغراس فالغراس غير الزرع ; لأنه يبقى فيها بقاء لا يبقاه الزرع ويفسد منها ما لا يفسد الزرع فإن تكاراها مطلقة عشر سنين ثم اختلفا فيما يزرع فيها ، أو يغرس كرهت الكراء وفسخته ، ولا يشبه هذا السكن شيء على وجه الأرض ، وهذا شيء على وجهها وبطنها ، فإذا تكاراها على أن يغرس فيها ويزرع ما شاء ، ولم يزد على ذلك فالكراء جائز ، وإذا انقضت يرعى لم يكن لرب الأرض قلع غراسه حتى يعطيه قيمته في اليوم الذي يخرجه منها قائما على أصوله وبثمره إن كان فيه ثمر ولرب الغراس إن شاء أن يقلعه على أن عليه إذا قلعه ما نقص الأرض والغراس كالبناء إذا كان بإذن مالك الأرض مطلقا لم يكن لرب الأرض أن يقلع البناء حتى يعطيه قيمته قائما في اليوم الذي يخرجه

التالي السابق


الخدمات العلمية