الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) فإذا ابتاع الرجل من الرجل عبدا فتصادقا على البيع والقبض واختلفا في الثمن والعبد قائم تحالفا وترادا فإن كان العبد تالفا تحالفا ببلعه قيمة العبد ، وإذا كان قائما وهما يتصادقان في البيع ويختلفان في الثمن رد العبد بعينه فكل ما كان على إنسان أن يرده بعينه ففات رده بقيمته ; لأن القيمة تقوم مقام العين إذا فاتت العين فإن كان هذا في كل شيء فما أخرج هذا من تلك الأشياء ؟ لا يجوز أن يفرق بين المجتمع في المعنى إلا بخبر يلزم وهكذا في الدور والأرضين إذا اختلفا قبل أن يسكن أو يزرع تحالفا ببلعه ، فإذا اختلفا بعد الزرع والسكن تحالفا ببلعه قيمة الكراء ، وإن سكن بعضا رد قيمة ما سكن وفسخ الكراء فيما لم يسكن ، وإن تكارى أرضا لزرع فزرعها وبقي له سنة ، أو أكثر تحالفا وتفاسخا فيما بقي ورد كراء مثلها فيما زرع .

قال : وإذا اكترى الرجل من الرجل الدابة بعشرة تصادقا على الكراء ومبلغه واختلفا في الموضع الذي تكارى إليه فقال المكتري اكتريتها إلى المدينة بعشرة وقال المكري اكتريتها بعشرة إلى أيلة فإن لم يكن ركب الدابة تحالفا ببلعه ، وإن كان ركبها تحالفا وكان لرب الدابة كراء مثلها إلى الموضع الذي ركبها إليه وفسخ الكراء في ذلك الموضع ; لأن كليهما مدع ومدعى عليه ; لأن الكراء بيع من البيوع ، وهذا مثل معنى قولنا في البيوع ، وإذا استأجر الرجل من الرجل الأرض ليزرعها فغرقت كلها قبل الزرع رجع بالإجارة ; لأن المنفعة لم تسلم له وهي مثل الدار تنهدم قبل السكنى فإن غرق بعضها فهذا نقص دخل عليه فيما اكترى وله الخيار بين حبسها بالكراء أو ردها ; لأنه لم يسلم له ما اكترى كما اكترى كما يكون له في الدار لو انهدم بعضها أن يحبس ما بقي بحصته من الكراء كأن انهدم نصفها فأراد أن يقيم في نصفها الباقي بنصف الكراء فذلك له ; لأنه نقص دخل عليه فرضي [ ص: 22 ] بالنقص ، وإن شاء أن يخرج ويفسخ الكراء كان ذلك له إذا كان بعض ما بقي من الدار والأرض ليس مثل ما ذهب .

( قال الشافعي ) : وكذلك لو اشترى مائة إردب طعاما فلم يستوفها حتى تلف نصفها في يدي البائع كان له إن شاء أن يأخذ النصف بنصف الثمن ( قال الربيع ) الطعام عندي خلاف الدار ينهدم بعضها ; لأن الطعام شيء واحد والدار لا يكون بعضها مثل بعض سواء مثل الطعام .

( قال الشافعي ) وأصل هذا أن ينظر إلى البيعة ، فإذا وقعت على شيء يتبعض ويجوز أن يقبض بعضه دون بعض فتلف بعضه قلت فيه هكذا ، وإن وقعت على شيء لا يتبعض مثل عبد اشتريته فلم تقبضه حتى حدث به عيب كنت فيه بالخيار بين أخذه بجميع الثمن أو رده ; لأنه لم يسلم لك فتقبضه غير معيب .

فإن قال قائل : ما فرق ما بين هذين ؟ قيل : لا يكون العبد يتبعض من العيب ، ولا العيب يتبعض من العبد ، فقد يكون المسكن متبعضا من المسكن من الدار والأرض ، وكذلك إذا تكارى الرجل من الرجل الأرض عشر سنين بمائة دينار لم يجز حتى يسمي لكل سنة شيئا معلوما ، وإذا اكترى الرجل من الرجل أرضه ، أو داره فقال : أكتريها منك كل سنة بدينار أو أكثر ، ولم يسم السنة التي يكتريها ، ولا السنة التي ينقطع إليها الكراء فالكراء فاسد لا يجوز إلا على أمر يعرفه المكري والمكتري .

كما لا تجوز البيوع إلا على ما يعرف ، وهذا كلام يحتمل أن يكون الكراء فيه ينقضي إلى مائة سنة ، أو أكثر أو أقل ويحتمل أن يكون سنة ويحتمل أقل من سنة فكان هذا كراء مجهولا يفسخه قبل السكنى .

فإن فات فيه السكنى جعلنا فيه على المكتري أجر مثله كان أكثر مما وقع به الكراء ، أو أقل : إذا أبطلنا أصل العقد فيه وصيرناه قيمة لم نجعل الباطل دليلا على الحق

التالي السابق


الخدمات العلمية